ترمقني نظراتها بألوان التهم والإنكار، شدت وجهها بتجعيد ضيق وتبرم .. لا أعرفها ولم أتذكر يوما وجهها، نظرت إليها نظرة معبرة وكأني أسألها هل تعرفينني؟ ولكن ما كنت أبدأ حتى نطقت متلجلجة: "أعرفك جيدا.. فأنت صديقة صديقتي" قلتها بشفتي وقلبي مازال متأثرا بنظراتها السهمية المشهرة: "مرحبا صحيح لطالما حدثتني عنك صديقتي ..فأنت المقربة منها وهي المقربة……"، اقتربت منها أكثر وغمرتها بنظرات دافئة، وكأني أقول لها لما كل هذا البغض والحنق؟ أنت أيضا مقربة مني…انهزمت فجأة وتراجعت من وقع نظراتها…كانت تستعر، ولا يمكن إلا أن تزيدها كلماتي استعارا فسكتت ورضيت بالصمت. لم يعجبها انهزامي فقالت بنبرة كلها سخرية مادامت صديقتك لما لا تقومين بنصحها. لقد تغيرت كثيرا واغترت بنفسها..تحب الظهور وصورها تملأ الفيسبوك"، اختلطت علي الصور والوجوه والأسماء، وتحررت مني الكلمات التي ظلت سجينة وقلت لها: "ما بال صور التافهات من مغنيات وبائعات هوى تغرق الدنيا، ولم تثر حفيظتك، ولا شعرت بالقرف، وها أنت منشغلة كثيرا بصور صديقتي العفيفة الوقورة، التي أفنت زهرة شبابها لخدمة الدين والعباد". مطت شفتيها كمن ضاعت منه آخر حجة وقالت: "أثارني كونها مسلمة والإسلام يصون المرأة"، وتسارعت كلماتي تأخذ حظها: "ولكن صديقتي ليست امرأة عادية، إنها صاحبة مشروع كبير مثلما قال تعالى ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾، ويحتاج هذا المشروع الرباني إلى الإبانة والوضوح من أجل الإقناع والتأثير، من يسمع لصوت متنكر وشخصية مستعارة؟؟". ثارت تهز رأسها هازئة مما قلت، واستبد بها غضب يصنعه كرب كبير "المنكر أن تترك بيتها خربا لتصلح بيوت الناس أي نجاح لامرأة خارج بيتها على حساب أولادها وزوجها، ولا ضرورة لكل ذلك"، رغم كل المرارة التي غلفت فؤادي إلا أني ابتسمت، وكأني أحاول استدعاء كل النكت التي أعرفها، ولكني وجدتها كلها سخيفة حد البكاء، "وفعلا هذا الخطاب هو المحطم الأكبر لأي بادرة لنهوض شخصيات نسائية في بلادي.. مقارنة بدول أخرى. أين هن الأديبات الكاتبات الإعلاميات الداعيات العالمات المتخصصات، أسماء قليلة جدا، تكاد تنقرض من تكاثر معاول الهدم، ونقص الدعم المعنوي وأكثر ما تعاني المرأة من المرأة نفسها.. وهو يا صديقة صديقتي ما وجدت له تفسيرا رغم أني أشرفت على الخمسين من عمري"، ورغم طول السجال الذي كان بيننا إلا أني شعرت بالراحة التي استقرت بقدرة الله في روحها، وتبسمت حقيقة لا مجازا وقلت لها: "إن شأن هذا الدين عظيم، ولكن الفساد أعظم وأعظم علينا أن نترك الانشغال بالتفاصيل الصغيرة، ونكرس همنا للنهوض بهذا الدين..نبذل من راحتنا وصحتنا وسواد ليلنا وبياض نهارنا، ونتحرر من خطاب التكسير والخذلان..لقد قام على إعلاء كلمة الله في الأرض رجال ونساء سلخوا من عمرهم واحترقوا، ليصل إلينا مشرقا بهيا وما علينا إلا أن نسير في ركابهم"، هذه المرة انبسطت أساريرها وزال عنها كدرها وقالت: "لقد جمعت شعثى المبعثر وأسرتني نبرة الصدق فيك..إنني أغبط صديقتي على هذه الصداقة"، جمعت يديها مرة واحدة في يدي وقلت لها يحب: "مرحبا بك معنا أنت الآن صديقتي …".