رغم العلاقة الطبيعية بين الجزائروفرنسا، التي تعززت في السنوات الأخيرة، إلا أن الدولتان تتنازعان الزعامة على منطقة الساحل الإفريقي التي تضم خمس دول، إذ يخفي التعاون الأمني والسياسي بينهما وراءه منافسة شرسة وصامتة، وفق خبراء ومحللين. قبل ثلاث سنوات، ساهمت فرنسا في إنشاء المنظمة الأمنية الإقليمية المتخصصة في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والجريمة المنظمة، التي تضم كلا من موريتانيا، والنيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، من أجل لتنسيق بينها لمواجهة الجماعات الإرهابية. ويعد هذا الدور نفسه بالنسبة لمبادرة دول الميدان التي تضم الجزائر، ومالي، وموريتانيا، والنيجر. ويقول محمد تاواتي، الخبير الجزائري في الشأن الأمني "يمكننا أن ننظر إلى المنظمتين الأمنيتين التي أنشئت الأولى بموجب اتفاق مدينة تمنراست في الجزائر عام 2010 والثانية بمبادرة فرنسية منذ أشهر كأهم مظهر للخلاف والمنافسة بين باريسوالجزائر". ويضيف أن "سياسة باريس في إفريقيا مبنية على اعتبار المستعمرات الفرنسية السابقة في هذه القارة منطقة نفوذ لا يجوز التنازل عنها، أما بالنسبة للجزائر فإن سياستها في منطقة الساحل والصحراء تحديدا مبنية على أساس أن المنطقة هي امتداد طبيعي للجنوبالجزائري، وأن أي اضطراب أمني أو سياسي في المنطقة سينتقل إليها"". ويتابع تاواتي أنه "بخلاف فرنسافالجزائر ليست لديها أية أطماع في دول هذا الإقليم وعلاقتها بهم مبنية على التعاون بين دول ذات سيادة، إلا أن الامتداد الإفريقي للجزائر، ونفوذها الكبير، أقلق دوائر صنع القرار في باريس وهو ما دفع فرنسا لإدخال دول الساحل في منظمة أمنية وعسكرية استثنيت منها الجزائر".ويقول الخبير الأمني والباحث في الشؤون الدول الإفريقية، صلعي عبد الغني إن "المنظمة التي تقودها باريس جاءت كبديل عملي عن منظمة دول الميدان التي تضم الجزائر، ومالي، والنيجر، وموريتانيا". ويضيف الخبير "لا يمكن تفسير المبادرة الفرنسية لإنشاء منظمة التعاون الأمني والعسكري لدول الساحل الخمسة، إلا على أنها أحد أهم مظاهر المنافسة الشرسة بين الجزائروفرنسا حول من يتزعم دول المنطقة. وعدم وجود الجزائر في المنظمة الجديدة يعني أن جيوش هذه الدول ليست بحاجة للتعاون في إطار منظمة دول الميدان". ويتابع حديثه قائلا "هذا يعني حسب رأيي نهاية فعلية لمنظمة دول الميدان التي أنشأتها الجزائر". ويوضح عبد الغني أن "منظمة التعاون الأمني والعسكري بين الدول الإفريقية الخمسة هي أكبر دليل على المنافسة الشرسة بين باريسوالجزائر في منطقة الساحل والصحراء". ويقول أبو بكر غريبي، الباحث في الشؤون الإفريقية بالجامعة الإفريقية في أدرار (حكومية) جنوبالجزائر، إنه "في شهر يونيو (حزيران) عام 2010 وقع رؤساء أركان جيوش أربع دول اتفاقية تعاون عسكري وأمني لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة في مدينة تمنراست الجزائرية وكانت الجزائر القوة الدافعة وراء إنشاء هذه المنظمة العسكرية والأمنية من أجل التصدي للجماعات الإرهابية في الصحراء الكبرى". ويعتبر أن هذه المنظمة "قد ساهمت في الحد من خطورة الجماعات الإرهابية إلا أن عمرها كان قصيرا جدا". ويضيف أبو بكر غريبي "أعتقد أن منظمة دول الميدان الأمنية والدفاعية انتهت بشكل فعلي في ديسمبر/ كانون الأول 2011 ففي هذا الشهر تمكن متمردون انفصاليون من طرد جيش دولة مالي من كامل الأقاليم الشمالية في هذه الدولة، وخلال أسابيع قليلة سيطرت جماعات مقربة من تنظيم القاعدة على المنطقة التي تسمى إقليم أزواد". ويردف: "لم تتدخل الدول الثلاثة المجاورة لجمهورية مالي وهي موريتانيا، والجزائر، والنيجر عسكريا لطرد هذه الجماعات من المنطقة، وانتظرت حتى يناير/كانون ثان 2013، حيث تدخلت قوات فرنسية في شمال مالي في عملية عسكرية سميت القط البري (سرفال) انتهت بهزيمة الجماعات الإرهابية التي تراجعت إلى معاقلها القديمة في جبال شمال مالي". ويعرب غريبي عن اعتقاده بأن "انفصال شمال مالي، ورفض الجزائر التدخل عسكريا في هذه المنطقة، كان النهاية الحقيقية لمنظمة التعاون العسكري والأمني لدول الميدان، حيث تدخل الفرنسيون وباتوا القوة العسكرية الرئيسية التي تكافح الإرهاب في شمال مالي، ثم بادروا لإنشاء إطار للتعاون العسكري والأمني بين دول المنطقة الخمسة، ما يعني نهاية فعلية لمنظمة دول الميدان التي تقودها الجزائر". ويتفق غريبي مع عبد الغني في أن هذا يعد أكبر دليل على المنافسة الشرسة بين باريسوالجزائر في المنطقة. من جانبه يقول محمد مرواني، أستاذ الإعلام في جامعة مستغانم (حكومية/غرب الجزائر)، "أعتقد أن الفرنسيين أدركوا أن دور بلادهم في إفريقيا يتعرض لتهديد حقيقي من دولة ليبيا في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، التي كان لديها نفوذ كبير في عدد من الدول الإفريقية، وبعضها مستعمرات فرنسية سابقة، ومن الجزائر أيضا التي توسع نفوذها كثيرا في منطقة الساحل حيث قادت دولا مثل مالي، وموريتانيا، والنيجر لإبرام اتفاقية أمنية في مدينة تمنراست عام 2010". ويضيف "لكن الربيع العربي سرعان ما أدى إلى خلط الأوضاع مع نهاية نظام القذافي، وسيطرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب وحلفائه على شمال مالي". ويعتقد مرواني أن "الجماعات الإرهابية في شمال مالي قدمت أكبر خدمة لمشروع عودة فرنسا إلى منطقة الساحل والصحراء، حيث بادرت باريس إلى شن عملية عسكرية كبيرة لإسقاط حكم هذه الجماعات في المنطقة ونجحت في ذلك ثم أعادت تنظيم دول المنطقة في إطار منظمة أمنية إقليمية جديدة من أجل إنهاء النفوذ العسكري الجزائري في الساحل والصحراء". ويضيف مرواني أنه "رغم هذا المنافسة الشرسة بين البلدين إلا أن الجزائروباريس تتعاونان في مكافحة الإرهاب في الساحل، بل إن القيادة السياسية في فرنسا تدرك أن مفاتيح مكافحة الإرهاب في المنطقة موجودة في الجزائر". ويتابع "لهذا لا يمكن لباريس بسهولة إبعاد الجزائر عن التأثير في المنطقة، وخير دليل على ذلك الدور الجزائري الكبير والمحوري في رعاية واستضافة مفاوضات السلام بين حكومة مالي والحركات الانفصالية في إقليم أزواد، كما أن فرنسا أثناء عمليتها العسكرية في شمال مالي عام 2013، احتاجت لتعاون الجزائر في مجالات تبادل المعلومات والأمور اللوجيستية، وفي مجال فتح ممرات جوية للطائرات الفرنسية المشاركة في العملية التي خلصت شعب شمال مالي من سيطرة تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به".