– نجاح أي تجربة إعلامية يقوم على حسن تأطيرها وضبط وممارستها -الإعلام ليس مهنة بل حياة تحدث الإعلامي الكبير مدني عامر عن تجربته في الميدان، انطلاقا من التلفزيون الجزائر الذي أطل من خلاله على جمهور واسع، ثم انتقاله الى القنوات العربية وتطوير تجربته الاعلامية بالاحتكاك بخبرات اجنبية، كما تحدث عن الطرق الكفيلة بتطوير الاعلام في الجزائر انطلاقا من تكوين يخضع لمعايير عالمية يضمن للصحفي الارتقاء بمهنته التي اعتبرها الاستاذ مدني عامر حياة وليست مهنة فقط، مؤكدا ان نجاح اي تجربة اعلامية قائم على ضبط ممارستها وتحديد قوانينها ومرجعيتها. * كيف يقدم الإعلامي مدني عامر نفسه للقارئ؟ * الاعلام ليس مهنة، بل حياة، ولذلك فإن سؤالك هذا يحيل على المربع الجميل للحياة التي تتيح لنا احيانا التجمل بما نعمل، وعليه فإنه ورغم تخصصي الأكاديمي في القانون الدولي والعلاقات الدولية، والذي كان يفترض الانخراط في الحياة الدبلوماسية بعد الحياة الدراسية، الا ان الصدفة والقدر قد قدرت وقررت أمرا آخر، وجعلت الاعلام عنوانا لكل محطات العمر، أمارسه منذ 35 عاما، ولم يتراجع الشغف والتعلق بالاعلام، كان ويظل (أول) وآخر الكلام، ولون جميل الاحلام التي كنا على صخبها نصحو وعلى باذخ وعودها ننام قبل ان يتبدل لون الحلم وأسماء الايام والشهور والأعوام… ورغم كل ذلك لم يحن بعد زمن الفطام…!!! وآخر محطات الحلم وورشاته الجميلة تلك المفتوحة الآن في شبكة ابوظبي للإعلام، المجمع الأكبر في الوطن العربي ب 27 علامة تجارية، و13 قناة تلفزيونية، و9 اذاعات، وجريدتين، و3 مجلات، حيث اعمل الآن كمستشار تنفيذي ومدير للمشروع. * كيف كانت بداية التحاقكم بالتلفزيون الجزائري، ولماذا غادرتموه؟ كانت زيارة صديق لي يعمل بالتلفزيون (آنذاك) كمذيع، وهو الاستاذ مخلوف عبد الله، سببا في كل الذي حدث، فقد كان لاقترابي من ذاك العالم بكل ما فيه من ابهار وأضواء وأسماء عامل التحريض الأول في السعي للالتحاق بذلك العالم ذي البوابات المتعددة… بوابات بدت لي مشرعة على المعرفة في شتى صنوفها…على المعلومة التي منها يصنع الاعلام… على السياسة، وعلى العالم بلاعبيه جميعا كبارا وصغارا.. بتكتلاته وأقطابه… بيساره ويمينه… او بالأحرى بكل العالم وما فيه… وكان تخصصي في القانون الدولي والعلاقات الدولية عاملا مساعدا ومشجعا عند الاستاذ الراحل إبراهيم بلبحري مدير الأخبار في التلفزيون في حينها، الذي طلب رغم ذلك إخضاعي الى مجموعة من الاختبارات في المفاهيم السياسية، مست بعض ما كان يعرفه العالم وقتها من حروب وأزمات… وبعد النجاح في الاختبارات، بدأت مرحلة تعلم تقنيات التلفزيون واستعمال الأدوات وتطوير الأداء والمهارات في شتى التخصصات، سيرا على طريق اكتساب صفة الصحفي الشامل الذي يحرر ويراسل ويذيع ويحاور، وفي ذلك تنافس الكثير منا، وقد اتسعت الساحة للجميع، وبرزت اسماء جديدة الى جانب القامات التي كانت قد بنت اركان الاعلام في التلفزيون، وبدأ التأريخ لمرحلة جديدة صنعها جيل من ابناء التلفزيون… تنافسوا بمهنية وشرف فيما بينهم، تنافسوا مع غيرهم وثبتوا عناصر تجربة تظل مرجعا لهم ولنا. أما السؤال (الجرح) لماذا غادرت، فإن جوابه اكبر من يطرح، اقصد اكبر من أن يحتوى جوابه ويحصر، كانت التحولات الكبيرة والكثيرة التي شهدتها البلاد تؤكد القناعة بوعي الشعب الجزائري المبكر في أن يغير… التغيير في الجزائر سيقال تغيير في الاتحاد السوفياتي السابق، سبق انهيار جدار برلين، سبق احداث تيميشوارا في رومانيا… ولذلك كان الاعتقاد الذي ساد هو ان تلك الاحداث قد (حصنت) البلاد…ولكن بعض الحسابات والممارسات قد قادت الى منزلقات وتجاوزات، بل وإلى اغتيالات وإجهاز على التوجهات التي كان الشعب قد حسمها وحددها كقواعد للحكم تقوم على التداول والبرامج والاحترام المتبادل بين الجميع، في ظل احترام لدستور يظل فوق الجميع… ولكن ذاك التطلع انهار في وضح النهار بسبب حسابات ومؤامرات أكثر من تاجر وسمسار أدخلوا البلاد في فتنة الاقتتال وأقحموها في دورة ودوامة دمار… كنا نحن في الاعلام اول ضحاياها بين ذبيح وجريح وآخر يجر جثة بين أكثر من مركز حدودي او مطار… وصار الذي صار… وهو ما يعني ان قرار الخروج لم يكن أبدا محض اختيار. * تجارب كثيرة مررتم بها منذ خروجكم من الجزائر.. ما الذي تغير في مدني عامر؟ الثابت ان هوية الإنسان فينا لم تتغير، ولكن وجودنا وسط بيئات مهنية يخضع العمل فيها إلى مواصفات عالمية، يعيد تأطير الخامات المعرفية المهنية التي اكتسبناها ويضعها ضمن سياقات جديدة، تقوم بالأساس على الاحتكام إلى الضوابط والقواعد والمرجعيات المهنية، وأعتقد ان تجربة 25 سنة التي قضيتها متنقلا بين مؤسسات إعلامية عالمية كبرى عربية وأجنبية قد أنضجت التجربة وثبتت معايير ممارسة المهنة وحصنت طرق إدارتها واستعمال أدواتها بالشكل الذي يضعها على أعلى منصات وساحات المنافسة والممارسة، ولي أن أقول هنا ان جيلا جميلا من الإعلاميين الجزائريين الذين أغنوا وأثروا تجاربهم وصقلوها في الخارج، يقفون عند عتبات الوطن ينتظرون فرصة مهنية حقيقية تتيح لهم العودة للانخراط في جهد إعلامي جميل بشرط واحد لا أكثر، وهو ممارسة المهنة بمعاييرها، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون… * كيف تقيمون أداء مذيعي نشرة الثامنة الحاليين؟ في نظري، وبحسب معايير التجربة والممارسة، سواء تلك التي كانت في الجزائر او في الخارج… فإني ارد على سؤالك بسؤال… هل حصل المذيعون في التلفزيون الجزائري وصحفيوه على فرصة الممارسة المهنية وفق القواعد والمرجعيات الإعلامية؟… وهل أطلقت إداراتهم فعلا في ممارسة الاعلام بصفته (العمومية) كما هي معروفة في العالم؟… ما زلت أعتقد جازما ان (التقييد) الممارس على الاعلامي… هو الذي جعل الوظيفة (الممارسة) تدخل مساحة التباس، فلا هي وظيفة سياسي ولا هي وظيفة إعلامي… وهي حالة تاه وضاع فيها كثيرون.. وأعود وأقول ان الحكم الذي يكون لنا على هؤلاء قد يكون فيه الكثير من التجني (لقصور) نراه نحن من الخارج… (تقصير)…!!! ورغم ذلك أقول امنحوا الفرصة لهم… ثم حاسبوهم… لا ان نحاسبهم وهم مقيدون. * في نظركم ماذا يجب أن يتوفر في مقدم نشرة الأخبار؟ اولاشرط هو ان يكون صحفيا، بمعنى أنه ليس مجرد قارئ لما يكتبه آخرون، أما غيره من الشروط فيكفي ان تعرفي انه وبحسب المعايير الدولية فإن كل غرفة أخبار تنتج 50 في المائة، بينما يراهن على المذيع في إضافة ما تبقى سواء بإعداده للحوارات أو بكتابة المقدمات، بالإضافة الى قوة الحضور المعززة بالمعرفة وأناقة الاداء التي تجعل من النشرة (عرضا) يجمع بين المعلومة والإبهار ويرسخها في الاذهان كمرجع للمعلومة وموعدا لا يخلف ابدا… وأما اذا لم يكن المذيع يملك تلك المهارات فإن جهله بالمعلومة او عدم صحتها سينتقص من مصداقية وجهد الآخرين الذين أعدوا ال (50)… وعليه فإن موقع المذيع في غرف الأخبار اليوم هو وجه المؤسسة للاحترام والتقدير والهيبة والوقار… * كيف تقيمون تجربة كي بي سي القصيرة؟ كانت تجربة قصيرة وجميلة خضتها مع كوكبة من الشباب الجزائريين بروح وطموح كبيرين. وضعنا فيها بعض أسس الانطلاق وتقنيات الممارسة بمرافقة فريق دانماركي جميل، وانتهت التجربة وديا مع الإخوة في كي بي سي، لأنطلق من جديد في مسعى اطلاق القناة التي كنت أنسق مشروعها مع مجموعة من الإخوان في الجيل االجديد، وأيضا حول مشروع إطلاق اكاديمية عالمية للتكوين الإعلامي، ولكن لم يكتب النجاح لأي من المشروعين بسبب عدم وضوح التشريعات، وأحيانا لعدم تطبيق الموجود منها، وفي أحيان اخرى بسبب البيروقراطية. * كيف تقيمون التجربة الإعلامية الجزائرية في الوقت الحالي؟ أحب ان أؤكد، وبعد كل هذه السنوات، ان نجاح أي تجربة إعلامية يقوم بالأساس على حسن تأطيرها وضبط وإخضاع ممارستها إلى القوانين وتحديد واضح للأدوار والمهام والحقوق والواجبات والمرجعيات، وما يشهده المشهد السمعي البصري في الجزائر اليوم من ممارسة هو في الحقيقة عين العبث والفوضى، بدءا من الأحقية في الوجود والأدوار (المقتطعة) وإلى الشطط والانحراف عن قواعد الممارسة المهنية.. تصوري ان 5 قنوات فقط من تلك التي تنشط في الجزائر (وضعها) القانوني هو (مكتب مراسل أجنبي) وأما البقية فهي في نظر الدولة خارجة عن القانون، وعليه فإن الحكم على أي تجربة يستند الى مقاييس ومعايير هي في الحالة الجزائرية غير موجودة، وما تشهده الساحة هو مجرد اجتهاد في المتاح، ولذلك تصبح عملية الحكم على الحالة (مستحيلة). * ما هو تقييمكم لتجربة الصحافة الإلكترونية في العالم العربي؟ الصحافة الالكترونية، أو ما يسمى أيضا بالإعلام الرقمي، هي اليوم الحقيقة الأولى في المشهد الاعلامي وفي حياة الناس وفي تلبية حاجاتهم من الخدمات الإعلامية، في الجزائر ما زالت التجربة في بداياتها، ولكن لها حضور ودور ظاهرين سيكرسان لا محالة في قادم السنين. * ما هي الرسالة التي توجهونها إلى الجيل الجديد من الإعلاميين؟ الاعلام اليوم احتراف، ولمن اراد أن يكون له فيه شأن كما هو حال نجوم كرم القدم المحترفين فإن عليه التسلح بالمعرفة وأدوات المهنة وتحصين الذات والرهان على إبراز المهارات، وهو الباب الوحيد الذي يتيح لأي أحد ان يتسلق من خلاله درجات المجد وسلم الكبار. * ما تقييمك لجريدة "الحوار" وما تقدمه للقارئ؟ هي واحدة من الصحف التي اتصفح نسختها مبكرا، كون نسختها توضع مبكرا على الموقع، تنوعها جميل، وخطها اصيل، وهي جريدة تجمع بين أكثر من جيل، تمنياتي لكم بالتوفيق، وشكري الجزيل على اتاحة هذه الفرصة للقاء قرائكم الكرام. حاورته: سناء بلال