يعتبر من خيرة رجال الإعلام التلفزيوني الذين أنجبتهم الجزائر، يملك طريقة فريدة في تقديم نشرة الأخبار والتي استطاع بفضلها أن يملك قلوب الجزائريين، حتى أن الكثير منهم أصبح يحن لذلك الوقت الجميل الذي كان فيه هذا النجم يطل كل مساء على الشاشة.. إنه الإعلامي الكبير مدني عامر الذي أبى إلا أن يخصص ل "الأمة العربية" جزء من وقته الثمن للحديث عن عدة أمور تخص حياته الشخصية وتجربته خارج أسوار التلفزيون الجزائري، وكذا عن قطاع الإعلام في الجزائر ومواضيع أخرى ستجدونها في هذا الحوار الشيق. أكيد أن هناك الكثير من الجيل الحالي لا يعرفون عامر مدني، فمن يكون؟ مدني عامر مواطن من الجزائر (العميقة) جدا.. من بيئة وطبيعة شديدة وجميلة.. طبعت أبناءها بطباعها.. أنحدر من عائلة جزائرية بسيطة متواضعة.. (رب) عائلة صغيرة انتقل أفرادها بين أكثر من بلد وأقاموا في أكثر من بلد.. ولكن البلد الذي أقام فيهم وإلى الأبد هو وطنهم الجزائر.. علاقتي بالصحافة كانت فرصة (بالصدفة) لأن أقتحم حقل الإعلام وأقضي عمرا كاملا فيه.. كون دراستي الاكاديمية كانت في القانون في الشق، وخاصة الشق المتعلق منه بالمنازعات والعلاقات الدولية بالتحديد والدبلوماسية. كيف تم التحاقكم بالتلفزيون الجزائري، وما هي أسباب مغادرتكم له؟ الالتحاق بالتلفزيون كانت بمناسبة زيارة لصديق عزيز ورفيق درب.. ومن الزيارة كان اللقاء مع القدر ومع المهنة ومع حياة. أما المغادرة، فلم تكن أبدا موضع اختيار . كان قرارا قاهرا قسريا، لم يترك لي فيه أي هامش للاختيار. القرار اتخذ في لحظة، لتصير اللحظة بداية لعمر جديد. بكل ما فيه من صدف وفرص وأقدار ومعارف وتجارب، مازلت أخوض أطوارها إلى الآن. أين تتواجدون الآن؟ أنا الآن في قناة أبو ظبي، أعمل مشرفا على الأخبار في مجموعة قنوات شركة أبوظبي للإعلام التي تضم قنوات أبوظبيوالإمارات وقنوات أخرى متخصصة، وهذا بعد جولات من الترحال والتجوال بين العديد من الدول، كان بدايتها من بريطانيا ونهايتها أو بالأحرى حتى الآن في الإمارات. كيف تقيّمون أداء مقدمي نشرة الثامنة الحاليين؟ المذيع وإن كانت مهمته في نظر الناس هو تقديم مادة إخبارية من خلال عرضها على الآخرين، فإن الواقع والممارسة تخفيان مقومات أخرى تميز بين هذا وذاك من المذيعين. والمذيع هو بالإضافة إلى الشخصية مزيج من اجتهاد ودور حضور وإضافة ولمسة ولغة، تعمل هذه العوامل مجتمعة على تمييز شخصية مذيع عن آخر. أما عن الأداء، فأعتقد أن معايير العمل اليوم والمقارنة تسمح بسرعة التقييم والتمييز ومن ثمة الحكم. الشاشة الجزائرية اليوم تتمتع بإمكانيات لم تكن متاحة لنا، وربما على عكسنا أيضا لم تتح لها بعض مقومات مرحلتنا وهي التكوين المستمر والتأطير الدائم للعمل، الأمر الذي قاد بالفعل إلى الدخول في مرحلة الاحتراف المبكر ويظل الحكم نسبيا على كل مرحلة بظروفها وخصوصياتها. هناك وجوه شابة على الشاشة تحتاج إلى تأطير مستمر وتدريب وتأهيل على تقنيات الاتصال الحديثة في مختلف تطبيقاتها، من التقديم، إلى التحرير، فالتحقيق، وعندها سيتم إفراغ الجهد والطموح ضمن هذه القوالب المهنية التي تضع الممارسة على الخط الصحيح وتعطي النتائج المرجوة! هل هناك تقدم في التلفزيون الجزائري مقارنة بالفترة التي كنتم تشتغلون به؟ التلفزيون وجه وواجهة ولسان حال المجتمع، فالمادة التي كانت تقدم في زمننا هي غير تلك المقدمة اليوم وانشغالات الناس لم تعد نفسها ولا هي نفس الطموحات.. الاختلاف طبعا يكمن في الأداء، كما أعتقد أن المناخ الذي ساد في فترة من (زمننا) كان مناخا ايجابيا ساعدنا في الإسراع على دخول مرحلة الإحتراف بشكل مبكر.. وهو ما أنضج التجربة وحصنها وأبعدها إلى حد ما عن الانزلاقات والشطط رغم الاعتراف بوجودهما أحيانا. أما عن تجربة اليوم، فإن مقوماتها الفنية والتقنية متاحة بأكثر مما كنا عليه. التلفزيون اليوم يحتاج إلى دخول زمن الاحتراف، والاحتراف هو الذي يحقق جميع الأهداف.. أهداف المؤسسة وأهداف العاملين فيها. في نظركم، ماذا يجب أن يتوفر لدى الصحفي الذي يقدم نشرة الأخبار؟ ما يشترط في المذيع لا ينسحب على غيره من العاملين في مواقع أخرى.. المذيع هو وجه ولسان المؤسسة والناس.. ولذلك فهو في عيون الناس ليس ككل الناس! ما يشترط فيه هو الإلمام الشامل بمادته، حسن الإطلاع الذي يقود إلى حسن الإعداد ثم حسن التبليغ بالأناقة والمهارة اللازمتين اللتين تقودان الى انتزاع الاحترام ثم الإعجاب، وبالتالي الاحترام والتقدير. هل ترون أن الإعلام في الجزائر يؤدي دوره كما ينبغي؟ الاعلام علم قائم بتخصصات متعددة، وعليه فإن كل من يجرؤ على دخول الحقل فإن عليه الاحتكام إلى معايير المهنية، لأن عدم الإلمام بها أو الخروج عنها يفضح صاحبه كون المرجعيات تحتم مجموعة من النظم والقوانين والمعايير في الأداء، يؤدي الخروج عنها عند المتخصص أو حتى عند رجل الشارع إلى إشهار بطاقات تختلف ألوانها باختلاف درجات الخرق والتجاوز، وعليه فإن للمشاهد وللقارئ الجزائري وحده يرجع الحكم. وكمشاهد وكقارئ جزائري، فإني أقدر أن هناك تطورا في الصحافة المكتوبة، في ظل وجود مناخ لحرية الممارسة، ولكن يظل استعمال هذه الحرية هو المعيار، حيث تتحول بعض العناوين إلى مجرد منصات إشهارية (تجارية) أو يذهب تركيزها إلى المواضيع التي تساعد على (البيع) دون ايلاء حاجة القارئ إلى المعرفة بالأساس. معرفة كل ما يعنيه، ومن ثمة تساهم الصحافة في تطوير الوعي والفهم والثقافة عبر الروافد المختلفة. ورغم التطور الحاصل في الصحافة المكتوبة، فإن هناك بعض القصور وبعض الشطط وأحيانا بعض التجاوزات، ولكنها جميعا تحسب لحاسب تطور التجربة التي ستقود في الأخير الى النضج والحصانة المهنية القائمة على أخلاق المهنة وضوابطها. كيف تقيّمون مستوى صحافيي القسم الرياضي بالتلفزيون؟ متابعاتي الرياضية موسمية وتتعلق بالدورات الكبرى كنهائي كأس الجزائر أو مباريات الفريق الوطني أو الدورات القارية والعالمية الكبرى، وعليه فإنني لا أستطيع تقييم أداء قسم بشكل مناسباتي، لكن ومن خلال معايشتي لتطور القسم في فترات سابقة، فيكفي الإحالة على بعض الأسماء الكبيرة في عالم الاعلام الرياضي الوطني والعربي وما أنجزته وما دونته في سجلات المهنية والاحتراف كقيمة مضافة وكأداء جدير بالاشادة والاحترام. ماذا تقولون عن مغادرة حفيظ دراجي إلى الجزيرة وهل تؤيدون عودته؟ حفيظ دراجي يعتبر من الكفاءات الجزائرية التي أدت ما عليها في الوطن وتؤدي من الخارج أيضا ما للوطن عليها. أما عن العودة، فهو قرار شخصي يرتبط عند كل واحد باعتبارات معينة وإن كان الاعتبار المهني يظل قاسما مشتركا بين الجميع. التلفزيون الجزائري عرف ميلاد عدة قنوات، هل ترون أنه نجح في ذلك، وهل هناك حقيقة تطور في المحتوى في تلك القنوات؟ عماد قوة حضور التلفزيون هو القدرة على التجدد اليومي والعبرة حتما ليست في عدد القنوات، وإنما في نوعية المادة التي تبثها قناة واحدة، فقد تستقطب قناة واحدة جمهور قد لا تجمعه عشرات القنوات، فالعبرة إذا ليست في العدد بل في عناصر المشهد. في هذا الميدان الرهان نوعي وليس كميا أو عدديا! سيعرف التلفزيون قريبا ميلاد القناة الرياضية، على ماذا يجب أن تتوفر ليكتب لها النجاح؟ بمثل ماهو مطلوب في الرياضة كممارسة من عناصر احتراف للنجاح، فإن المطلوب في القناة الرياضية هو نفس الشرط (الاحتراف)، والاحتراف مرة أخرى مهارات وفق مجموعة معايير وقواعد وضوابط تؤدي في مجملها الى خلق حالة نجاح، ولك الآن في الوطن العربي عدد كبير جدا من القنوات الرياضية، ولكن ماذا تشاهد أنت وأنا وغيرنا. جميعا نذهب إلى المحترف،وبالمحترف جميعنا نعترف! هل تابعتم مشوار المنتخب الوطني في المونديال الماضي، كيف تقيّمون مستواه؟ خلق لنا.. وفينا.. وعندنا حلما جديدا لنجاح (افتقدنا) طعمه من زمان. وبغض النظر عن التقييم الذي يمكن ان يقدم (تقنيا)، فإن القيمة الكبرى التي تطورت ورافقت تلك المشاركة هو ذاك الالتفاف الجماهيري الرائع.. هي الوان ذلك الحلم ونسخها بصور شتى على أجسادنا.. على وجوهنا.. في أغانينا.. لقد كان فرحا جميلا! وماذا عن تراجعه الرهيب في الآونة الأخيرة؟ التشخيص الجيد هو ثلاثة أرباع الحل. أما التشخيص الصحيح، فهو العلاج الموضعي والمباشر والفوري! يجب ان تمنح الفرص متكافئة بين أبناء الجزائر لحمل أحلامها وألوانها! من هو اللاعب الذي جلب اهتمامكم في صفوف الخضر؟ زياني الرائع.. أما الخالدون فماجر وبلومي وعصاد وحسن لالماص الذي أدعو له بالشفاء، وكذلك الجميل بتروني والقدوة عبد الحميد صالحي.. وغيرهم. هل ترون أن مشروع الاحتراف سينجح في الجزائر؟ الاحتراف ليس شعارا، بل هو ممارسة ونتائج، وبالتالي فإن توفرت الشروط وتم الاحتكام إلى المعايير، فإن الاحتراف سيصير حالة نعيشها وليست حالة نتحدث عنها. أما إذا كان شعارا يتم التعاطي فيه سياسيا وإعلاميا ومناسباتيا، فإن نتائجه ستكون غير (احترافية). من هو الفريق الذي تناصرونه في الجزائر، على المستوى العربي والعالمي؟ الجزائر.. الجزائر.. الجزائر! أسئلة موجزة ما هي الأكلة المفضلة لديكم؟ الشخشوخة التي تعدها أمي أطال في عمرها وحفظها. أين يقضي مدني عامر وقت فراغه؟ القراءة.. الكتابة والسفر. أين يمضي عطلة نهاية السنة؟ في الجزائر (دوما) وبعض الدول الأخرى. ماذا تعني لكم هذه الكلمات؟ الجزائر: جنة الله في أرضه. التلفزيون الجزائري: من الأستوديو إلى الباب يظل.. بقدسية وهيبة المحراب. الأم: التضحية.. الحب.. الحياة. الصحافة: (حياة) من متعة ومتاعب.