تم التفكير في إطلاق فضائية جزائرية قبل ظهور أم بي سي يعود بنا نجم نشرة التلفزيون الجزائري في التسعينات ومعد حصة الحدث الشهيرة الصحفي مدني عامر في هذا الحوار مع النصر إلى بداية التفتح الإعلامي وكيف تم التحضير لنقلة يعتبرها سابقة لعصرها عربيا بالتأكيد على أن الجزائر تقدمت عربيا في مجال الإخبار وأن فكرة إطلاق قناة فضائية جزائرية طرحت للنقاش حتى قبل ظهور "أم بي سي"، كما يعتبر التلفزيون الجزائري من أحسن التلفزيونات تجهيزا في العالم، لكنه يسجل غياب المهنية ما حال، حسبه، دون تحرير الكفاءات ، وقال المشرف على إطلاق مركز أخبار أبو ظبي الأول من نوعه في العالم العربي أنه لم يتعلم شيئا من الفضائيات بل منحها من خبرته التي اكتسبها من التلفزيون الجزائري، وينتقد الوجه التلفزيوني، المختص في إنشاء القنوات التلفزيونية والخطط الإنتاجية، التلفزيونات الخاصة ويصف بعضها باليوتوب في حين يعيب على بعض الصحف كونها تمارس السياسة أكثر من الصحافة. حاورته: نرجس كرميش باعتبارك من الوجوه الإعلامية التي لمعت في فترة عرفت بالعلامة الفارقة في تاريخ التلفزيون كيف ترى الإعلام الجزائري اليوم؟ باعتباري واحد من صحفيي فترة صنعت الاستثناء بالتفتح والمهنية العالية يربكني كثيرا الواقع الحالي أعتقد انه ما زال ينتظرنا الكثير للخروج منه، اعتقدنا أن الانطلاقة البسيطة كانت ستمهد للأجيال الأخرى، كان يمكن أن نواصل الطريق لكن للأسف الشديد العملية توقفت في الإعلام المرئي، في حين أن الصحافة المكتوبة أكلمت الطريق بقوة اكبر ، رغم أنني كقارئ عندي مآخذ على بعض العناوين التي خرجت من خط العمل الصحفي إلى السياسي مع ذلك ما يبذل من جهد يحترم. على اعتبار أنها مرحلة تعلم تنضج مع الوقت . بعض التلفزيونات الخاصة عبارة عن " قنوات يوتوب" كيف نجح جيلكم في صنع الفارق؟ قلنا نحن إعلاميون دعونا نمارس بمعرفتنا.. أنا والكثير من الزملاء حاولنا أن نحول دون وضع معرفتنا جانبا وكانت لنا الكلمة و للمهنية، كنا في ذلك الوقت نفكر في إطلاق التلفزيون الجزائري كفضائية حتى قبل ظهور "أم بي سي" والفضائية المصرية وقد ناقشنا الفكرة، سنة 91 كان التلفزيون يبث على عرب سات كانت برامجنا تبث في الحقيبة المشتركة عن طريق قناة23 للتبادل المشترك وكانت تلك البرامج الشهيرة تسجل ويذاع بعضها على القنوات العربية، لذلك أرى أن التجربة كانت سابقة لعصرها مقارنة بالإعلام العربي.. كيف لهذه التجربة المبكرة أن تموت قبل أن تخرج؟! لم أتعلم شيئا من الفضائيات بل منحت ما اكتسبته من معرفة في التلفزيون الجزائري لتلك الفضائيات و ماذا تعلمت من تجاربك في الفضائيات العربية التي أصبحت حلم كل صحفي جزائري؟ التلفزيون الجزائري مدرسة بكل المقاييس، 20 سنة وأنا أتنقل ما بين الفضائيات في موقع مسؤول وصانع سياسة لم أتعلم شيئا من الفضائيات بل منحت ما اكتسبته من معرفة في التلفزيون الجزائري لتلك الفضائيات، كان مدرسة كبرى.. كنا 27 صحفيا في ذلك الوقت كل واحد متعدد المعالم والمهارات ، التلفزيون أتاح لنا الفرصة ونحن من جهتنا سعينا بأن نكون في مواقع وأدوار قمنا بها على أكمل وجه.. انا حزين لأن كل شيء جميل في وطني يحيل على الماضي. التلفزيون الجزائري واحد من أحسن التلفزيونات العربية تجهيزا يرى البعض إن التفتح كان قرارا سياسيا أكثر منه إرادة إعلاميين ما تحقق كان نتاج تفاعل بين صانع القرار والسياسي الذي كان يستمع للمهني ويحترم رأيه. كنا نجرؤ على طرح أفكار على أول مسؤول بالبلاد، كان الشاذلي بن جديد متفهما يسمع وعندما يقتنع يدعم، الانفتاح تم بدعم كبير من الرجل لأنه أسكت الأصوات التي يمكن أن تحول دون العمل. الصحفيون في نفس الوقت كان لديهم طموح ومبادرة ، أي أن هناك تكامل في الأدوار والإرادة ما أتاح الانطلاقة ، التي تمت، وبعدها أصبحنا عندما نطلب أي مسؤول نقابله، ما حول التلفزيون إلى تلفزيون بمعنى الكلمة، عملنا وفق ضوابط مهنية وأخلاقية ، تناول القضايا لم يكن عليه أي قيد لأن الصحفيين كانوا مسؤولين بعيدا عن التهريج أو المغالطة، أي أن كل صحفي يكلف بملف يعمل عليه بالبحث وعندما يطرحه له مرجعية عمل مهني، وفي تلك الفترة كان هناك أيضا مجلس أعلى للإعلام،، تلك المرحلة كانت تسير أسرع مما كان متوقعا لها ، لقد قطعنا أشواطا معتبرة لأننا احتكمنا إلى عمل مهني. هل توقف التلفزيون الجزائري عن خلق الكفاءات والتميز؟ سابقا كان عددنا 27 صحفيا الآن هناك أكثر من 430 صحفي هؤلاء أيضا ينتظرون فرصة من المؤكد أن هناك خامات كبيرة إذا لم تجد فرصة لانطلاقها تظل نائمة. ماذا ينقص التلفزيون اليوم برأيك؟ التلفزيون لو يعود إلى العمل وفق القواعد المهنية يتقدم بسرعة لأنه يطلق المبادرة هناك على الأقل 50 أو 60 شخص سيبرزون حتما وهؤلاء يكونون بمثابة المحفز للبقية وبالتالي يخلق جوا من المنافسة . لا يمكن لكل جريدة كبرى أن تصنع تلفزيونا ألم تكن هناك منافسة بين ذلك الكم من النجوم ؟ كنت أعد برنامج وغيري كذلك كل الزملاء كانوا يرون أنفسهم معنيين ويندمجون في العمل لم تكن لدينا عقدة لأننا عملنا في جو من التكامل والمنافسة، باختصار المنافسة كانت محفزا للتطور لكن الروح الجماعية جعلت كل واحد يبرز في موقعه دون عقدة من الآخر. ترى كيف يتحول الإعلامي إلى نجم؟ وهل هناك نجم تلفزيون اليوم؟ النجم لا يصنع بقرار بل بمقوماته الذاتية و الاجتهاد ، النجم يصنع نفسه.. قد تكون هناك قامات موجودة عندما تتاح لها الفرصة بتجربتها تلمع ، أرى أن العمل التلفزيوني له قواعد و ضوابط يجب أن يخضع لها بتكافؤ الفرص أي أن الشخص الذي يتميز يسمح له بالبروز لأن الكفاءة و الموهبة عندما تولد يجب أن تجد المجال مفتوحا. لكن مطلوب من الموهبة أن تقاوم وتفرض نفسها لا جدوى من المقاومة إن كان صاحبها يعرف انه لن يصل إلى نتيجة، في التلفزيونات التي عملت فيها أختار الموهبة عن طريق وسائل كثيرة ، أهمها الاستماع إلى الناس والتحدث إليهم وقراءة ما يكتبون ثم الدفع بهم. انا مثلا خريج قانون وقد وصلت إلى التلفزيون صدفة.. عندما دخلته أحببته وتعلمت منه وبالتالي قدمت أقصى ما لدي لان المبادرة كانت متاحة. لكن لا بد من التأكيد أن الصحافة إن لم تحبها لا تصل، هي ليست مجرد توقيع اسم على صحيفة أو الظهور على شاشة بل العمل الصحفي هو جهد ومحاولة خلق اختلاف وإضافة. انطلاقا من تجربتك الواسعة ما هو سبب انتشار الفضائيات العربية الكبرى؟ هي تلفزيونات مهنية تتجه نحو المهنية وفقط وتعتمدها كأول معيار لتوظيف أي مراسل أو مصور أو مذيع جيد كل واحد يعمل على أساس الكفاءة.. التلفزيون الجزائري خضع في مرحلة ما إلى هذه المعايير . لكن الإمكانيات والتطور التكنولوجي مهم في تطور أي مؤسسة إعلامية التلفزيون الجزائري واحد من أحسن التلفزيونات العربية تجهيزا لكن آن الأوان لدخول مرحلة المهنية التي بدونها لا يمكن انتظار التطور. الإعلامي الجزائري نموذج في المهنية كيف ترى تجربة القنوات الخاصة في الجزائر؟ أحترم من بادروا بتجربة السمعي البصري حتى قبل صدور قانون ينظم المهنة ، وجود المؤسسة في حد ذاته أمر جيد، وما لاحظته أن بعضها يجتهد لتقديم عمل نوعي لكن بعضها مجرد قنوات "يوتوب"، هناك تلفزيونات تريد أن تصعد إلى الساتل وفقط لكن المشكلة ليست في الوصول إلى الساتل بل التواجد في الساتل.ومع ذلك من الظلم أن نحكم عليهم، هم في طور التشكل وتبقى المهنية هي الحصانة والمناعة . ما نراه هو مؤسسات صحافة مكتوبة تتجه نحو السمعي البصري أو ما يسمى بجرائد متلفزة لو قدر لكل جريدة كبرى أن تصنع تلفزيونا لكان ل"نيويورك تايمز" و"لوموند" و"واشنطن بوست" وغيرها من كبريات الصحف أكبر التلفزيونات في العالم، التلفزيون كائن إعلامي مختلف تماما معالجة وتطبيقا،من يدري ربما تشكل النماذج الموجودة في الجزائر استثناء جزائريا لننتظر ونرى. الإعلام الجزائري بقي محدود النطاق لكن سمعة الإعلامي الجزائري تعدت حدود الوطن ما السبب؟ الإعلام العربي عرف الإعلامي الجزائري عن طريق التلفزيون من خلال أسماء بدأت مع تجربة الفضائيات العربية، مثل "محفوظ بن حفري"، "لخضر بريش" ،"مدني عامر" ،"عبد الكريم سكار" و"مراد شبين" وغيرهم، كانت مجموعة استثنائية معروفة بالجدية والمهنية العالية. وقد اعتبر الإعلامي الجزائر نموذج مهني معروف بالمسؤولية. في ذلك الوقت الصحافة المكتوبة لم تكن تصل إلى الخارج بشكل واسع لكنها الآن تجربة محترمة .. و بالنسبة للإعلام المرئي هناك مشكلة، أعتقد أنه كان بالإمكان أن تصل صورتنا على أوسع نطاق وبمضمون أغنى وأغلى. هل يتطلب تطوير السمعي البصري عندنا إمكانيات أكبر؟ المشكلة ليست في الإمكانيات، في مفاهيم التلفزيونات الحديثة ب200 شخص يمكنك أن تحدث قناة منافسة، عندما انطلقت "أم بي سي"، التي شكل الجزائريون أهم أركانها، كان عددنا 70 شخصا فقط ، العبرة ليست بالعدد بل في مردود كل شخص ومناهج تقييم أداء كل واحد ومؤشر المردود الشخصي لكل واحد،الاختلاف يكمن في مفهوم "المناجمنت" وإدارة المعارف والمهارات. التلفزيون يختلف عن أي مؤسسة ثابتة هو يعكس الاتصال. في الأخبار لم يكن هناك من كان متقدما عن الجزائر عربيا ، انا ممن أشرفوا على تجربة قناة أبو ظبي، في كل المجالات الكفاءة الجزائرية متميزة ويشهد للصحفي الجزائري كما الطيار الجزائري والمهندس الجزائري بالتميز.. توجد كفاءات تحتاج فقط جوا مهنيا أساسه تحرير المبادرات بدل التعامل بثقافة القطيع، انا كمسؤول على أكثر من مشروع اعتمد على الفرديات التي تكتشف تثمن وتطلق، لابد من الاشتغال والاستثمار في الشخص كي يصبح جزء هاما من الدورة المالية للمؤسسة . يفسر البعض بروز الإعلامي الجزائري خارج بلده بالمقابل المادي الذي لا يجده في بلده عندما كنت موظفا في التلفزيون كنت رئيس تحرير ومقدم ومعد لبرنامج ومنتج تحقيقات كبرى ولا أتقاضى إلا أجري ولم احصل على سنتيم واحد عليه، كنا نستمتع بالعمل إلى حد أن أولادنا كبروا ولم ننتبه إلى ذلك، الأجر مطلوب كي يحفظ كرامة الصحفي وآدميته كوجه معروف لكنه ليس مبررا للفشل. في الأخبار لم يكن هناك من كان متقدما على الجزائر عربيا تنسب تلك الفترة الذهبية للمدير السابق عبده بن زيان ويقال أنه مهندس الجيل الذهبي هناك أكثر من مدير ممن تعاقبوا على التلفزيون في تلك الفترة لهم فضل كبير منهم، عبد القادر براهيمي، و هو من أطلق الإرادات وحررها وشجعها ودافع عنها وقاتل من أجل الصحفيين، جاء بعده عبده بن زيان واصل نفس السياسة وقبلهما كان إبراهيم بلبحري كان قامة أخلاقية كبيرة رغم انه ينتمي إلى جيل غير جيلنا كان يتقن اللغات علمنا الدقة و الانضباط والأخلاق المهنية بصرامته لأنه كان صارما بأناقة. كيف عشتم أجواء التحول الإعلامي داخل مبنى التلفزيون وهل تمت تهيئتكم لذلك؟ التغيير لم يأت هكذا بقرار مفاجئ المحاولات كانت من قبل.. بدأت في الثمانينات، كانت مساع وجهد دائم ،كانت هناك مبادرة ونقاش داخلي، الأمر تم بشكل متدرج حتى وصلنا ، كما كان هناك تحرك بخلق جمعية الصحفيين، كنا ننشط كمنظومة متكاملة تعتمد على المبادرة والإرادة والتفهم، المدير كان يغطي على أخطائنا ويدافع عنا حتى نتعلم ونتطور الظروف طبعتها مهنية عالية ، من كان مكلفا بالنشرة يحضرها بداية من التاسعة صباحا ويعمل ما بوسعه كي يكون مختلفا كما كان هناك جهد كبير من المراسلين بمختلف المحطات . بعض العناوين تحولت إلى منابر سياسية بعد كل هذا النجاح بماذا يحلم مدني عامر؟ أجمل أحلامي أن أقدم نشرة أخبار كما كانت ذات يوم ، بالنسبة إلى التلفزيون الجزائري حلمي و قلقي كلما مررت أمام تلك البناية يهتز قلبي ويقشعر جسمي. من تراه نجم التلفزيون اليوم أو على الأقل الأكثر تميزا؟ معروف في عالم الاتصال أن هناك أناس صنعوا التلفزيون وأناس صنعهم التلفزيون وفي العالم كله من صنعه التلفزيون يخلق مشكلة للتلفزيون، لذلك يمكن أن يكون الشخص متميزا لكن النشرة التي يقدمها فقيرة يقال"يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر"، حتما هناك كفاءات تنتظر الفرصة فقط كي تنطلق، لا يمكننا الحكم في ظل معطيات غير مهنية. لذلك أقول أنه آن أوان المهنية في الجزائر وفي كل القطاعات هل أنت مستعد للمشاركة في تطوير العمل التلفزيوني ببلدك؟ أنا مستعد للمساهمة بكل ما املك من تجربة و أكرس خبرتي للجزائر وتلفزيوننا او حتى التلفزيونات الناشئة، أكون سعيدا جدا و أنا أرى الأجيال الجديدة تنتفع مما اكتسبناه طيلة مسارنا. ألا تزال تحن إلى التلفزيون الجزائري؟ التلفزيون الجزائري يظل بيتي الأول بمرتبة القداسة و أينما كنت في أمريكا أو أستراليا و أي مكان في العالم عملت به أقول ، "أنا منتوج التلفزيون الجزائري وله فضل كبير علي" ، منحني الفرصة ومنحته أجود ما عندي من عمل وتفان هل تتابع نشرة الأخبار؟ أتابع النشرة من باب الحس والقلق والتوجس وما رأيك في الصحفيين؟ لا يمكنني أن اظلم واحدا وضع داخل مربع مغلق و ماذا عن الصحافة المكتوبة هل اكتملت التجربة؟ ما أعيبه على الصحافة المكتوبة، رغم احترامي لما حقق، أن بعض العناوين تحولت إلى منابر سياسية ، ما اقرأ هو التعليق أكثر من المعلومة والأحكام أكثر من الواقع، مبدأ التدقيق والتحقيق في المعلومة غير متوفر دائما ، هناك أحكام على الناس انطلاقا من زاوية معينة وموقف سياسي معين ، حصانة أي صحيفة هي الاحتكام إلى القواعد المهنية.