إن الكتاب الذي سنحاول التطرق إليه خلال مساحة ''حوار الإثنين'' يتضمن مجموعة من الدراسات التي قام بها المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الأمريكي تناولت الشرق الأوسط بواقعه الحالي وآفاق تطوره المستقبلية، عنوان الكتاب ''الشرق الأوسط عام ''2015 من منظور أمريكي من تأليف جوديث. س، يافيه وترجمة أحمد رومو، تمت طباعته عن دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة دمشق. ولعل أهمية هذا الكتاب تكمن في جدية الدراسات التي قام بها باحثو هذا المعهد على عدد كبير من الدول العربية منها - الجزائر- المغرب- مصر- فلسطين- إيران - العراق - الخليج العربي- وأخيرا إسرائيل، حيث يقدم لنا رؤية أنفسنا في المرآة الأمريكية، علنا نستطيع تلمس الطريق الذي يحافظ على الحد الأدنى من هويتنا. لهذا ارتأينا أن نتطرق مع القارئ الكريم إلى تجزئة هذا الكتاب إلى حلقات نتناول من خلالها كل دولة على حدى من منظورهم (الأمريكيون) لها مع مناقشة وتحليل ما سبق عرضه خلال نهاية الدراسة. فكرة دراسة الشرق الأوسط جاء في مقدمة هذا الكتاب أن التفكير فيه جاء في سنة 1999 عندما طلب المجلس الوطني للاستخبارات من المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية (INSS) في كلية الدفاع الوطني الأمريكي دراسة التغيير في الشرق الأوسط في ذلك الوقت كان قد حصل في المنطقة تغيير سياسي طفيف خلال السنوات الثلاثين الماضية. ويضيف المؤلف من خلال مقدمته أن الحكومات في الشرق الأوسط كانت تظهر استقرارا ملحوظا باستثناء الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 والانقلاب العسكري في السودان عام 1989 كانت المنطقة مستقرة، فمعظم الحكام كانوا قد شغلوا مناصبهم منذ فترة طويلة وفي الوقت نفسه احتفظت اقتصاديات هذه البلدان بركودها بما فيها دول الخليج الغنية بالنفط، وراح الاتجاه إلى عدم التغيير في الأوضاع السكانية والزيادة السريعة في عدد السكان وزيادة البطالة وعدم توفير فرص كافية للعمل يهدد الاستقرار في المنطقة، كما أن انتشار أسلحة الدمار الشامل والتحالفات الأمنية الجديدة واتساع شعبية الحركات الدينية المتطرفة الإسلامية واليهودية على حد سواء، كلها تطرح أسئلة حول التحديات المستقبلية لأمن الأنظمة الداخلي والخارجي. وقد عقدت في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية سلسلة المؤتمرات لاستقصاء التوجهات العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية ودراسة مجموعة المسائل التي توثر على المنطقة وسياسة الولاياتالمتحدة، وركزت تلك المؤتمرات على الدول المغاربية، الجزائر والمغرب وليبيا وعلى الدول المشرقية مصر، إسرائيل، وسورية والسلطة الفلسطينية والأردن وعلى دول الخليج بما فيها العراق وإيران والعربية السعودية. من خلال المقدمة السابقة تم طرح مجموعة من الإشكاليات التي تتمحور حولها هذه الدراسة، فكيف ستكون صورة الشرق الأوسط عام 2015؟ سوف تستمر أنظمة الحكام الجدد في أكثر البلدان ولكن الحكومات ستكون شبيهة إلى حد ما بحكومات 2000؟ ما هي الحالة التي ستكون عليها هذه المجتمعات بلغة العوامل الديمغرافية والأوضاع الاقتصادية وإدراك التهديد والمتطلبات الأمنية؟ ما هي العوامل أو الأحزاب التي يمكن أن تؤثر على صنع القرار الحكومي وأيهما سيكون مهما في هذا المجال، الرأي العام أو الأوضاع الاقتصادية أو التبادلات في التحالفات الاستراتيجية؟ وما الاتجاهات الرئيسية التي ستوجه هذا الجزء الاستراتيجي من العالم؟ من جهة أخرى ما هي التبدلات السياسية الرئيسية التي يمكن أن تحدث وكيف يمكن أن تؤثر على المصالح الأمريكية؟ وما هي التبادلات الاقتصادية الرئيسية التي يمكن أن تحدث وكيف يمكن أن تؤثر أيضا على المصالح الأمريكية؟ كيف سينظر إلى القضايا المهمة بالنسبة للولايات المتحدة؟ ويا ترى مالذي يمكن أن يغير هذه الافتراضات؟! 1 - الجزائر// هل يمكن استعادة النظام الوطني؟ يقوم الباحث ''هوغ روبرتس'' في معهد دراسات التنمية وعلم السياسة في لندن وهو مختص بالسياسات والتاريخ الجزائريين إلى محاولة تقديم دراسة شاملة واختار عنوان ''هل يمكن استعادة النظام الوطني''؟ حيث بدأ قوله بجملة'' الجزائر... إلى أين؟'' واعتبرها جملة تتكرر دائما في المناقشات الأكاديمية والسياسية للشؤون الجزائرية منذ أن طرحه لأول مرة الرئيس الراحل محمد بوضياف منذ عام .1964 مضيفا أن الجزائر لم تصبح إيران ثانية ولا سودان ثانية ولا أفغانستان ثانية ولا أي نوع آخر من جمهورية إسلامية، مهما كان الانطباع قويا بأنها تسير في كل هذه الاتجاهات بين حين وآخر، والجزائر في الواقع لم تنته إلى محاكاة النموذج التركي أو حتى النموذج الشيلي اللذين كان يستحضرهما المطلعون في الجزائر. الاتجاهات المتوقعة لجزائر 2015؟ في هذا الإطار يشير الباحث ''هوغ روبرتس'' إلى أن مجموعة من الاتجاهات سيحدث فيها تغييرات بناء على مؤشرات تدل على ذلك، حيث لخصها في نقاط تتمثل في الآتي: * تغيير اجتماعي واقتصادي خاصة في الاتجاه السكاني الذي تضاعف ثلاث مرات منذ الاستقلال، حيث تباطأ معدل التكاثر بشكل ملحوظ من 2,3٪ في سبعينات القرن الماضي إلى نحو 2,2 ٪ حاليا وعلى هذا الأساس سيصل عدد سكان الجزائر إلى 40 مليون عام .2015 البطالة: هي الاتجاه الثاني الذي ركز عليه الباحث، على أنها ستكون تحديا صعبا لا سيما مع الزيادة في عدد سكان البلاد. التمدين: هو الاتجاه الاجتماعي الثالث الذي عمد إليه الباحث حيث رأى أن قبل الاستقلال كانت أكثرية السكان من الريفيين ولكن بعد 1962 حدثت هجرة ريفية ضخمة مما أحدث تضخما موازيا في المدن والبلديات الجزائرية، وإذا استمر الاتجاه الذي ساد في السنوات الأربعين الماضية فإن 65٪ من السكان سيصبحون مدنيين بحلول عام .2015 الاتجاه الرابع هو اعتماد الجزائر على الهيدروكربونات، فقد ازداد الاعتماد على العائدات من تصدير النفط والغاز ومشتقاتهما وتشكل هذه الصادرات أكثر من 50٪ من عائدات الحكومة وأكثر من 95٪ من أرباح التصدير خلال السنوات العشرين الأخيرة، ويشير الباحث هنا إلى أنه منذ 1991 بدأ النظام يعتمد على زيادة العائدات الهيدروكربونية بضخ رأس المال الخارجي عن طريق المشاركة مع شركات النفط العالمية الرئيسية وهو ما ساعد على تسديد الدين الخارجي للجزائر. ؟الاتجاه الخامس الذي تطرق إليه الباحث هو الانتقال إلى اقتصاد السوق حيث أنه ومنذ القرار الذي اتخذ في شهر أوت عام 1993 لجدولة الدين قبلت الحكومات المتعاقبة إجراءات التعديلات البنيوية التي أوصى بها صندوق النقد الدولي، وكانت التغييرات الرئيسية التي أدخلت حتى الآن هي انفتاح الاقتصاد وإجراءات دمجه في الاقتصاد العالمي وسلمت النخبة الجزائرية بالعولمة كواقع لا يمكن تفاديه وراحت تسعى إلى التكيف معه. توقعات مستقبلية ممكنة لجزائر 2015: في هذا المجال يشير نفس الباحث إلى أن الجزائر ستسير نحو دولة يحكمها القانون وأصبحت مطالبة بذلك خاصة أن هذه الفكرة أصبحت هي العملة السائدة في الخطاب السياسي، فضلا عن كون الشروط الرئيسية لكي تصبح الجزائر دولة يحكمها القانون ليست غامضة إطلاقا، حيث يرى الباحث أنه في حال استبعاد الإسلاميين من هذه الفكرة- دولة تلتزم بالشريعة ويفترض أن تخضع للرقابة الدكتاتورية من قبل العلماء، فإن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى درجة أساسية من استقلال السلطتين القضائية والتشريعية عن السلطة التنفيذية، حيث أنه في الوقت الحاضر كلاهما يخضعان إلى حد بعيد لسيطرة السلطة التنفيذية. في نفس الإطار يقول ''هوغ روبتس'' إن غياب إطار سياسي قضائي مستقر وموثوق يضمن العقود ويحمي الملكية الخاصة هو العامل الوحيد المهم في تعويق المشروع الإنتاجي في الجزائر وتبعا لهذا فإن هناك نقطتين: الحاجة إلى اقتصاد جزائري يتمتع بتوسع كبير في الإنتاج اللاهيدروكربوني خلال السنوات الخمس عشر التالية إذا أردنا تلبية الطلبات الاجتماعية المتراكمة لفرص العمل والسلع والخدمات. حاجة الدولة إلى زيادة مصادر الدخل وهي حاجة يمكن أن تتطور بسرعة في حالة انهيار الأسعار العالمية للنفط وقرار الدولة لأعمال العائدات من تصدير الهيدروكربون عبر طرق بديلة. ليخلص صاحب البحث في آخر نقاطه إلى قوله'' إن الدولة الأمة في الجزائر فتية وفقدت الاستقرار وتضررت إلى حد خطير ولن تبقى على قيد الحياة ما لم يوضع حد للفوضى الحالية السياسية والاجتماعية في فترة ما والاقتصادية وما لم يشترك نظام وطني حديث. للإشارة، هذا البحث تم عرضه سنة 1999 وقدم في مؤتمر حول الشرق الأوسط في حالة تحول الذي عقد في معهد الدراسات الوطنية الاستراتيجية كلية الدفاع الوطني واشنطن. يتبع....