د. عطاءالله أحمد فشار حتمية التخلص من الآخر هو خطاب انتشر بشكل طائفي مع بداية النظام الدولي الجديد الذي أعلنه "بوش الأب" عند غزو العراق بداية التسعينات وبرز تمظهر مع سقوط نظام صدام حسين كإرهاب طائفي وامتد إقليميا ودوليا ومع موجة ما سمي بالربيع العربي عرف الإرهاب الطائفي مرحلة أكثر اتساعا وعمقا خاصة مع ظهور تنظيم "داعش" وهو يتطور ويأخذ الآن بعدا آخر ليصل إلى إرهاب داخل نفس الطائفة أو ما يسمى بإرهاب التجزئة ويصبح الصراع داخل نفس الطائفة كما حصل في أوربا في العصور الوسطى داخل المسيحية وهو ما قد يحصل اليوم داخل نفس الطائفة وهي طائفة السنة من المسلمين باعتبارها من أكبر الطوائف الدينية وتكتلها وقوتها تشكل هاجسا مقلقا لأطراف أخرى أو معيقا لمشاريعها على المستوى الاقتصادي والسياسي، فتوهم النقاء والطهر وامتلاك الحقيقة المطلقة داخل جزء من الطائفة يؤدي إلى مهاجمة بقية الطائفة وممارسة العنف ضدها الذي يبدأ لفظيا ثم يتطور إلى عنف مادي يهدف إلى زرع الخوف والقلق والفزع وحتى الموت من منطلق توهم جزء من الطائفة أنها هي التي على الحق وأنها تحمل رسالة وفكرا ومشروعا عقديا وفقهيا وجب فرضها على الجميع وعلى بقية الطائفة. هذا الفكر له امتداداته التاريخية سواء داخل طائفة المسلمين ككل أو حتى داخل طوائفها من سنة وشيعة وحتى داخل الإنجيل والتوراه المحرفين في الطوائف المسيحية واليهودية. إن العالم الإسلامي ككل اليوم والدولة الوطنية في العالم العربي تتعرض اليوم إلى موجة تستهدف نشر العنف والإرهاب الطائفي تستهدف مقومات الأمة ووحدة كيانها ومرجعياتها الوطنية والدينية مما يشكل ضغطا على الدول وإشكالا جديدا يهدد أمنها كما يجعل من الصراع الإقليمي والدولي يشكل تكريسا لاصطفافات إقليمية مضرة بالأمن الإنساني ككل ويعطي مبررا لتمدد الإرهاب واتخاذه أشكالا جديدة قد يتحول من إرهاب طائفي إلى إرهاب تجزئة فإرهاب عشائري يتغذى من وعي زائف وفهم قاصر لمعنى العشيرة وأحقيتها في السلطة والمال والاستثمار. إن الرؤية الثنائية للعالم وتصوير الآخر أنه الشر بل هو الشيطان نفسه في حد ذاته ثم فكرة التعالي الإيماني داخل نفس الطائفة وتوهم التآمر الطائفي والثأر الطائفي الممتد عبر التاريخ كلها دوافع لهذا النوع من الإرهاب يلحق به تطورات اليوم في مجال السياسة والاقتصاد وتوهم الأحقية في المال والأعمال والسلطان والمناصب داخل فكر قبلي وعشائري أيضا خطر يطل بفتنته علينا. لقد عقد الصوفية منذ بضعة شهور ملتقى بإحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي أخرجوا فيه فئة من المسلمين واعتبروهم ليسوا من أهل السنة ثم نسمع اليوم تصريحات من بعض رموز التيارات الإسلامية بأن الصوفية والإخوان ليسوا من أهل السنة، إن هذا وذاك هي مقدمات لتحول الصراع داخل الطائفة الواحدة وهو أشد خطرا من صراع وإرهاب الطوائف فلنحذر من هذا التخطيط، وبدل الاشتغال بالتصريحات والرد عليها على مثل هذا الخطاب علينا البحث في عمق المشكلة وخلفياتها وفي من يذكي الفتنة ومن المستفيد منها ومن يغرس توهم الطهر في البعض دون الآخر ورحم الله الزعيم هواري بومدين الذي قال "من هو الطاهر ابن الطاهر الذي يطهرنا".