تكثر في شهر رمضان الكريم ملفات العطل المرضية على عكس الأيام العادية للتخلى عن الواجب المهني الموكل للعمال والموظفين من مختلف القطاعات سيما القطاعات المنتجة، الأمر الذي يطرح عديد التساؤلات عما إن كان هذا نوع من التهرب من العمل تحت غطاء المرض في ظل انعدام التطبيق الصارم لبنود قانون العمل المنظم لهذه الحالات، فهل هو نوع من التلاعب على الشرع والقانون في آن واحد ؟ الأمر الذي يعود بالخسائر المادية الكبيرة على هذه المؤسسات الاقتصادية على وجه الخصوص وعلى الخزينة العمومية على وجه العموم خاصة وأن المرحلة التي تمر بها البلاد تستدعي تضافر كل الجهود لتخطي الأزمة المالية الخانقة التي تتخبط فيها. وفي السياق أجمع القانونيون وأهل الاختصاص ورجال الدين على أن مثل هذه السلوكات الدخيلة على مجتمعنا غير مبررة ولا تمت بأي صلة لديننا الحنيف، كون هذا الأخير يحث على العمل أكثر في الشهر الفضيل وليس العكس. وبالعودة لعدد العمال في الجزائر الذي يقدر ب10 ملايين و500 ألف عامل نجد أن ربع الجزائريين فقط من يعملون سواء في القطاع العمومي أو الخاص حسب آخر الأرقام التي كشف عنها الديوان الوطني للإحصاء. وفي السياق أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن عية أن 60 بالمئة من العمال الجزائريين يعملون في قطاع غير منتج على غرار التعليم، وكل ما يدرج تحت ظل الوظيف العمومي، قائلا: الجزائريون يتقاضون من ميزانية المداخيل البترولية بما نسبته 80بالمئة، وفي ذات الإطار دائما استرسل عبد الرحمن عية في القول في تصريحه ليومية "الحوار": إننا في حالة ما أضفنا الأموال المدفوعة في حسابات أصحاب العطل المرضية سيضاف العبء على الاقتصاد الوطني الذي يعتمد بالدرجة الأولى على عائدات البترول لاغير، كما أن كثرة العطل وعدم احترام ساعات العمل تخلق هوة في الاقتصاد الوطني، داعيا لضرورة العمل خاصة أنه الحل الأمثل للخروج من أزمة تدني أسعار النفط في الأسواق العالمية، حيث ستقدر القيمة المالية التي ستغطي العطل المرضية ب5 مليار دينار وهي النسبة التي ستسحب من صناديق الضمان الاجتماعي "كناس" و"كاسنوس" خلال شهر فقط، متسائلا في ظل هذا الرقم الضخم عن الوزارة التي تملك في حقيبتها كل هذه القيمة. في سياق ليس ببعيد شبه الخبير المالي عبد الرحمن عية اتكالية الجزائريين على ما يحصد من البترول وتمارضهم عن أداء عملهم بالمرض الهولندي الذي عاشته هولندا في فترة سابقة، الأمر الذي قد يؤزم من الوضعية الاقتصادية المعاشة قائلا: لابد من العمل للنهوض باقتصاد الجزائر الذي يعتمد على البترول بامتياز.
خسائر بالمليارات في ظل الأزمة الاقتصادية ومن جهته قال الخبير الاقتصادي الدكتور دغمان زوبير، "إذا احتسبنا أن الجزائر تحصي أكثر من مليون موظف في الإدارات فما بالك بباقي القطاعات الأخرى الاقتصادية التي هي الأخرى تفوق الملايين، فإن رقم المتوسط من الخسارة لساعات العمل لدى العمال والمقدرة ب 8 ساعات للعامل الواحد مضروبة في عدد أيام العمل خلال شهر رمضان والمقدرة ب 22 يوما بالشهر والتي تساوي 176 ساعة للعامل مضروبة في عدد المتغيبين وفق شهادات طبية مزورة والتي فاقت الآلاف والناتجة عن الغياب المتعمد إثر العطل المرضية، فعندها يترتب عنه تضييع مجموع ساعات العمال للمتغيبين يفوق الآلاف في المؤسسة الواحدة فما بالك بكل المؤسسات الاقتصادية الوطنية، فإن رقم الخسارة الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن تضييع 176 ساعة خلال شهر رمضان للمعامل الواحد من طرف كل موظف، تكون ضخمة ومؤثرة على صحة الاقتصاد الوطني، مؤكدا أن التعويضات التي يقدمها الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء من خلال العطل المرضية الوهمية والمزورة المقدمة بطريقة تحايلية متعمدة لا تتماشى مع أخلاقيات المهنة ولا تليق حتى من الناحية الشرعية من طرف عمال المؤسسات والإدارات العمومية والتي انتشرت بوتيرة متزايدة في الآونة الأخيرة خاصة في شهر رمضان والتي من خلالها يتحصل العمال على تعويضات غير مستحقة تشكل تكلفة اقتصادية اجتماعية وخسائر تقدر بالمليارات تتكبدها الدولة في ظل الأوضاع الحالية للاقتصاد الجزائري مما يزيد الوضع سوءا، حيث تشير جميع الشواهد والبراهين أن الانعكاسات السلبية على الاقتصاد الوطني تكون من خلال التكلفة المباشرة المتعلقة بالإنفاق الحكومي التي تفوق ملايير السنتيمات وهذا نظرا لما توليه الدولة من اهتمام ودعم للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء.
العطل المرضية أحدثت اختلالات في ميزانية "لكناص" أضحت اليوم قضية العطل المرضية يقول دغمان مشكلة تتطلب تفكيرا وتدخلا من طرف صناع القرار في الحكومة نظرا لأهميتها على المستويين المؤسساتي والاقتصادي ككل بشأن مردودية العمل وتضاؤل ساعات الشغل في الإدارات والهيئات العمومية وما يترتب عليه من اختلالات في ميزانية الصندوق، حيث بلغت تعويضات العطل المرضية للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء أكثر من 12 مليار دينار في سنة 2017 وهي في زيادة مستمرة، بالإضافة إلى الفاقد في الناتج القومي نتيجة تعطيل القوى الإنتاجية وكذلك التكلفة غير المباشرة الناتجة عن الخسائر التي تتأثر بها خزينة الدولة، وفي هذا الصدد ممكن أن يتم حساب العلاقة بين قيمة الأجر وقيمة الإنتاج، وبمقتضى بيانات العمال يمكن تحديد أجره الصافي وعدد السنوات التي يعد فيها عاملا منتجا حقيقيا وفعليا لدى المؤسسة أو الإدارة ومن ثم يمكن الوصول إلى رقم أقرب إلى الدقة في حساب الطاقة الإنتاجية للعامل الجزائري المنتج التي لا تتجاوز تقريبا 3ساعات يوميا فعليا فما بالك في العطل المرضية الوهمية. حيث يدعو الخبير دغمان زوبير الدولة إلى ضرورة مكافحة العطل المرضية الممنوحة دون أحقية التي تعد من بين الآفات الخطيرة من خلال آليات جديدة لمعالجة تلك التجاوزات قصد ضمان ديمومة نظام تأمين اجتماعي سليم وفق تشديد إجراءات المراقبة الطبية والإدارية حتى ولو بلغ عدد أيام العطلة المريضة يوما واحدا.
طلبات الخروج بحجة المرض تتعدى بكثير تلك المصرح بها وأشار الدكتور دغمان في سياق الكلام إلى عملية التهرب لدى موظفي الإدارة من مسؤولية العمل باستغلال حقهم في العطل المرضية التي يكفلها لهم قانون الصحة، إذ يلجأ العمال للهروب من ضغط العمل ومسؤولياتهم أمام الإدارة خاصة في شهر رمضان، حيث تستقبل المؤسسات والإدارات العمومية يوميا عددا معتبرا من طلبات الخروج بحجة المرض تتعدى بكثير تلك المصرح بها على مستوى صندوق الضمان الاجتماعي لأن أغلب الطلبات يستغلونها كحجة للغياب من أجل الراحة حيث يقومون بتدعيم ملفاتهم بوثائق التعويض المزورة.
الأطباء طرف في المعادلة الاقتصادية يؤكد الدكتور دغمان زوبير أن النساء أكثر فئة طلبا للعطل المرضية خاصة في شهر رمضان مقارنة بباقي الموظفين، غير أن الإشكال الحقيقي يطرح حول طلبات العطل التي لا تتعدى يومين وهي عطل يتعذر تعويض طالبها بعامل آخر لأن إجراء التعويض أو الاستخلاف يتخذ من طرف المسؤول في حال زادت مدة العطل عن أسبوع أو أكثر هذا ما يضع المؤسسات في حرج لكن المسؤولية الحقيقية تقع على الأطباء بشكل أساسي ورئيسي.
العطل المرضية في رمضان تقلل من المردودية من جهته أوضح الدكتور هارون عمر ل "الحوار"، أن كل عامل يجد تساهلا من قبل الإدارة سيتغيب عن عمله فكيف بعامل في حالة الامتناع عن الأكل والشرب ومتشبع بعادات قوامها التأخر في النوم خلال شهر رمضان. إن السبب الرئيسي للعطل المرضية المزيفة هو تراخي الإدارات في التعامل مع العطل المرضية، حيث أن متابعة الإجراءات التي أقرتها الوزارة تجعل كل طالب لعطلة مرضية يجب أن يمر على المختصين لدى الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء، بل أن الصندوق سخر أطباء متنقلين من أجل التعامل مع الحالات التي لا تستطيع التحرك والتنقل. إن التواطؤ الذي يحصل داخل الإدارات من المدراء المباشرين هو ما يخلق خسائر كبيرة للمؤسسات، إن العطل المرضية شماعة يعلق عليها ضعف مردودية العامل الجزائري، خاصة أن منظومة الأجور في الجزائر تعتمد على حساب الحضور لا المردودية الفعلية للعامل، والمتهربون من العمل بالعطل المرضية أقل ضررا من الذي يحدث من العاملين الذين يحضرون دون أن يقدموا واجباتهم أو من الذين يمضون الحضور ثم يتهربون من المصالح التي يعملون بها. إن القضاء على هذه الظواهر والجزائر اليوم تمر بمرحلة بناء يحتاج لإعادة النظر في منظومة الأجور التي يجب أن تتحول من الحجم الساعي إلى مردود العمال داخل الإدارات.
القانون يعاقب المتحايلين بالعطل المرضية أما من المنظور القانوني فقال الخبير القانوني علي دحوان في حديثه الخاطف مع "الحوار" إن القانون رقم 06/ 2006 واضح وفصل في الأمر، حيث يعتبر نص القانون أن العطل المرضية هي حق من حقوق العمال مادام أن هناك مبررا طبيا شريطة أن لا تتعدى 15يوما وهي المدة المضمونة قانونيا، ووحده القانون والهيئة المستخدمة أو المؤسسة الاقتصادية من تحددها، لكن في حالة التلاعب بهذه العطل المرضية تؤدي لمعاقبة فاعلها من خلال أربع درجات بدءا بتنبيه العامل ثم الخصم من راتبه من يومين لخمسة أيام، وقد يصل الأمر في الدرجة الثالثة من العقوبة للتنزيل من الدرجة أو النقل الإجباري، لتصل الأمور للعزل والتسريح من العمل كأقصى درجة، ووحدها المؤسسة أو الهيئة المستخدمة كما سماها فحوى قانون العمل من يمكنها التشكيك والطعن في صحة العطلة المرضية تحت ما يسمى ب"الخبرة المضادة" وفي حالة التأكد من الشك بالإيجاب يتم فصل الطبيب الذي قدم العطلة المرضية مباشرة.
الظاهرة منافية تماما لديننا الحنيف أما من الجانب الديني فقال إمام مسجد القدس بحيدرة جلول قسول، إن هجرة العمال في شهر رمضان من المؤسسات الاقتصادية ليست بظاهرة بل هي حالة، لكنها في حال عدم معالجتها في وقتها ستتحول إلى ظاهرة، مضيفا في تصريحه ل "الحوار" أن هذه الأخيرة بعيدة كل البعد عن الهدف الديني حيث أن الصيام دعوة إلى العمل وذكر الخير وغير ذلك فهو مخالف ومنافٍ تماما لديننا الحنيف. فمثل هذه السلوكات لا تمت بأي صلة لديننا، فالمفروض أن يقدم المسلم المزيد من العمل لأن كل عمل في هذا الشهر الفضيل يضيف من حسنات قائمها وعليه فإن التخلي والهرب من العمل بدون أي مبرر دامغ يعتبر خيانة للأمانة وأكل أموال العباد بالباطل والتنصل من الواجب الذي كلفنا به ديننا الحنيف، يقول ذات المتحدث. وعليه فإن الالتزام بواجب العمل أكثر من الصيام في حد ذاته في هذا الشهر المبارك ولاينبغي التحايل باسم الدين وتشويه صورة المسلمين –يضيف- قسول، مشيرا بالمقابل إلى بعض الحالات التي يباح فيها حتى الإفطار خلال أيام رمضان إن ما تعلق الأمر بالعمل الذي يقدم خدمة للمصلحة العامة، داعيا إلى تجنب مثل هذه التصرفات والسلوكات التي لا تمت بأي صلة لديننا للحفاظ على مصلحة العباد ومصلحة الاقتصاد الوطني.
الاختباء وراء العطل المرضية ينقص من أجر الصيام ومن جهته ندد رئيس تنسيقية موظفي الشؤون الدينية جلول حجيمي بمحاولات التهرب من العمل بحجة المرض قائلا: العطلة المرضية حق شرعي شريطة أن يكون العامل مريضا فعلا، مردفا القول "التحايل على القانون والاختباء وراء العطل المرضية ينقص من أجر الصيام، ثم إن العمل عبادة فما بالكم إن كان في رمضان، والأهم في العطل المرضية هو الصدق"، مشيرا للأسباب التي قد تقف وراء هذه التحايلات على غرار السهر الكثير في رمضان والتدخين إلخ من أمور الانشغال في كل ما هو دنيوي، داعيا العمال الجزائريين للإنصاف ثم الإنصاف في الفصل بين ما هو عملي وماهو غير عملي، وعدم الإكثار من العطل المرضية في شهر رمضان، معتبرا إياه شهر الكد والعمل ومضاعفة المجهودات وترك تكراره خاصة أن الأمر قد يدخل الشكوك في راتبهم. يقول ذات –المتحدث- في تصريحه ل "الحوار". نصيرة سيد علي