تشير بعض الإحصاءات والتقديرات إلى انخفاض كبير في مستوى الأداء والإنتاجية خلال شهر رمضان سنويًا، ويصل في كثير من الأحيان إلى أدنى مستوياته المطلوبة في القطاع العمومي بشكل خاص، فالإضافة إلى ارتفاع نسبة طلب الموظفين الاستفادة من عطلهم السنوية في هذا الشهر، للراحة والابتعاد عن جو العمل مع حلول الشهر الفضيل الذي تزامن مع فصل الصيف و ما يشهده من ارتفاع محسوس لدرجات الحرارة ، فان البقية الذين يعملون خلال رمضان لا يلتزمون بالإنتاجية والأداء المطلوبين والحضور في ساعات العمل الرسمية ، الأمر الذي يعيق مصالح الناس وتوقفها وتأجيلها إلى ما بعد عيد الفطر و ينتج عنه تقلص مردودية العمل وضعف الإنتاجية وبالتالي تعطل وتيرة تجسيد مختلف المشاريع التنموية ، ما يكبّد الخزينة العمومية خسائر، قدرها خبراء الاقتصاد بالملايير . «الجمهورية» وخلال جولة استطلاعية إلى بعض المؤسسات العمومية والخاصة بولاية مستغانم بعد مرور عدة أيام من حلول شهر رمضان، تبيّن أن عدد الموظفين تقلص بنسبة 20 من المائة على الأقل خاصة في القطاع العمومي ، كمصالح الحالة المدنية لمختلف البلديات و كذا مكاتب البريد و بعض الإدارات ، رغم السياسة المنتهجة من مديري المؤسسات العمومية خلال هذا الشهر، في محاولة منهم للتقليص من فترة الإجازات قدر الإمكان ورفض أي عطل في ذات الشهر إلاّ لسبب طارئ. انطلاقتنا صوب بعض بلديات مستغانم ، صادف يوم الاستقبال الذي أقرته وزارة الداخلية من أجل ردّ رئيس البلدية على انشغالات المواطنين ، غير أن احد «الاميار» لم يكن موجودا في مكتبه و قد ذهب إلى الخارج قبل حلول رمضان ، بينما في بلدية أخرى وجدنا عددا من المواطنين بقاعة الاستقبال. وفي سؤالنا لهم أشاروا إلى أنهم في انتظار «المير» لاستقبالهم، و الذي قيل انه مريض بحسب ما أفصح عنه بعض الأعوان. *شباك واحد في الخدمة ببعض مكاتب البريد أو وكالات سونلغاز. و جهتنا الثانية كانت صوب إحدى مكاتب البريد بمستغانم صباحا ،حيث لفت انتباهنا خلو الشبابيك الأربعة من الموظفين المخصصين لتقديم مختلف الخدمات للزبائن، إذ تم حلّ شباك واحد بدل أربعة شبابيك التي من المفروض هي الأخرى تقديم خدمات، إلاّ أنّ التسيب وغياب الرقابة من طرف المسؤولين جعلا الإدارات العمومية شبه خاوية على عروشها،وهو ما يُثير التساؤل وتذمر المواطنين. تركنا مكاتب البريد لنتوجه إلى بعض الوحدات لمؤسسة سونلغاز بمستغانم ، و هناك لاحظنا أنه لا يوجد اختلاف بين هذه الأخيرة ومكاتب البريد ، فأغلبية العمال في عطل وأكثر الحاضرين يتجمعون حول مكتب واحد، والنساء هن الأخريات يتجمعن ويدردشن حول الفطور الذي ينتظرهن في المساء، والكل يتهرب من أداء عمله ويتفادى أغلبية الموظفين الاحتكاك بالمواطنين، أين يقومون بإرسالهم من شباك إلى آخر. و خلال رصد لانطباعات الطبقة الشغيلة ، فقد أفصح بعض الموظفين، أن جل العمال خلال شهر رمضان لا يستطيعون العمل وتحمل ساعات الدوام، لتزامن شهر رمضان في السنوات الأخيرة وفصل الصيف. كما أن مقرات الخدمة العمومية يقل بها الضغط، كون المواطن يلجأ إلى تأجيل بعض مشاغله. كما أن مكاتب الحالة المدنية على سبيل المثال، تكون شبه خالية خلال الفترة الصباحية. كما كشف أحد الموظفين رفض ذكر اسمه أنه يلجأ إلى العطل المرضية كحيلة للهروب من ضغط العمل، الذي لا يستطيع تحمله أثناء رمضان. العاملات أكثر طلبا للعطلة في شهر الصيام يُفضِّل الكثير من الموظفات الاستفادة من عطلتهن السنوية خلال شهر رمضان المعظم، غير آبهين بتضييع فترة استراحتهم خلال شهور الصيف . حيث يبررن الموضوع، بتفرّغهن للطبخ وتنويع الأطباق، خاصة وأن غالبية الأزواج معروفين بعصبيّتهم في رمضان، ما يستدعي مسايرتهم من طرف زوجاتهم، حتى ولو اقتضى الأمر الاستفادة من العطلة السنوية في رمضان.و هو ما تم الاطلاع عليه ببعض المؤسسات التي تعمل بها النساء بقوة .فبمصلحة الولادة المتواجدة بإحدى المصحات الجوارية بمستغانم ، أكدت لنا العديد من القابلات بأن العطل المرضية تعد طريقة للهروب من الضغط، خصوصا في الفترة الممتدة بين العشرة أيام الأخيرة من رمضان إلى غاية ما بعد عيد الفطر، لأنها فترة تعرف ضغطا غير طبيعي، حيث تتزامن مع بداية العطل السنوية، ما يترك أحيانا أربع قابلات في المصلحة تتناوبن على العمل. و بمؤسسة اتصالات الجزائر و موبيليس اللتان يتجاوز عدد النساء الموظفات بهما نسبة 80 في المائة، مقارنة بعدد الموظفين الرجال، يكثر الطلب على العطل في هذه الفترة، كما أوضح مصدر من اتصالات الجزائر، مشيرا إلى أن الطلب على العطل يزيد من قبل كافة الموظفين نساء و رجالا في الأسبوعين الأخيرين من رمضان، خصوصا بالنسبة للنساء، و في حال رفضت الإدارة التصريح لهم بالخروج، فإن الحل يكون عادة العطل المرضية . في سياق ذي صلة ،أشارت موظفة بإحدى المؤسسات العمومية، متزوجة وأم لثلاثة أطفال ، أنها تؤخر الاستفادة من العطلة السنوية إلى شهر رمضان ، نظرا للالتزامات العائلية . من جانبه ، أكد طبيب في علم النفس أن تقليص الحجم الساعي للعمل في رمضان أدى إلى تراجع النشاط بنسبة 10 من المائة، دون الأخذ بعين الاعتبار الوقت الذي يقضيه أغلب عمال الإدارات خارج العمل، سواء للنوم أو الراحة دون إتمام مهامهم. خاصة مع تزامن شهر رمضان مع فصل الصيف لأن تأخير مواعيد العمل أصبح مرهقاً لجميع العاملين في مختلف القطاعات ويسبب ارتباكا كبيرا في وتيرة العمل فالمشكلة ليس في الشهر الفضيل وإنما هي مشكلة سلوكية لدى الأفراد، ينبغي تصحيحها إلى الأفضل، وذلك باعتبار شهر رمضان مثل بقية الشهور الأخرى، وأن هذا الشهر الكريم يحفز على أداء وإتقان العمل واستثمار أوقاته بكفاءة بما ينعكس إيجابا على الإنتاجية. و الملفت للانتباه أن هذا الأمر يحدث فقط عند المؤسسات العمومية بخلاف الخاصة التي لا نجد مثل هذه الحالات من العطل المرضية و السنوية و الأمور هناك تسير بطريقة جد عادية. «كناس» يسجل 100 ملفا للعطلة المرضية قبيل رمضان و يرفض 40 طلبا و كشفت مصادر بالوكالة الولائية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للعمال الإجراء انه تم استقبال عددا كبيرا من الملفات وصل إلى أكثر من 100 طلبا للعطلة المرضية منذ بداية شهر رمضان وحسب نفس المصادر فان اغلب المتقدمين بطلبات العطل المرضية نساء تعمدن التحايل على مصالح «الكناس» بتقديم شهادات طبية من اجل الحصول على إجازة ، كاشفا أن المصالح المعنية بالكناس رفضت عدة ملفات وصل عددها إلى أزيد من 40 ملفا بعدما تبين عدم أحقية أصحابها في الاستفادة بموجب الفحص الطبي الذي يقوم به الطبيب على مستوى الصندوق . مشيرا أن الكناس أخذت احتياطاتها لردع كل أشكال التحايل من خلال تسطير برنامج رقابة صارم