خطاب التوافق السياسي بدأ يتبلور لدى بعض رموز الأحزاب السياسية كآلية من آليات العمل السياسي تطرحها نفسها كأنها حل سحرى رغم أن المصطلح في المشهد السياسي العالمي ليس جديدا فقد ظهر أول مرة بعد الحرب العالمية الثانية كآلية عمل بين حزبي العمل والمحافظين ببريطانيا للتوافق حول السياسة العامة للحكومة. وبرز هذا الخطاب أكثر بعد ماعرف بموجة الربيع العربي كنموذج لبناء الدول وتأسيس السلطة أو تصحيح مساراتها معتمدا على حواضن سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية وأصبح بديلا أو مرادفا أحيانا لما عرف بالتحالف أو المشاركة السياسية. واقع الحال أن التجارب الإقليمية الكثيرة هي واحدة من المحفزات لمسارات التوافق رغم الفروق والتنوع بين البيئات والدول ومساراتها، إذ أن نجاح التوافقات في غالب الأحيان مرتبط بشكل أو بآخر بخفض مستوى الخطاب الإيديولوجي في المنافسة السياسية. في الجزائر اليوم يطرح التيار الإسلامي فكرة التوافق السياسي كمحصلة سابقة لتجربة المشاركة السياسية ولكن هاته المرة قرنها رئيس حركة مجتمع السلم بالتوافق على مرشح يقود المرحلة المقبلة ولعهدة كاملة في مقابل الانتقال بالاقتصاد الوطني إلى 2 مليون مؤسسة وهو تطور نوعي في الخطاب مرتبط بطبيعة التوافق وبالمدة وبالمآلات وبالثمار التي يجنيها أطراف التوافق وهو ما يحيلنا هنا إلى ضرورة طرح جملة من التساؤلات حول مسار التوافق وأبعاده: -هل التوافق يهدف إلى تحصيل جملة مكاسب من خلال إعاده التموقع وربط شبكة علاقات جديدة، وهل طرح فكرة التوافق على قاعدة برامج اقتصادية هو بالنهاية محصلة لبناء مؤسسات اقتصادية للحصول على مكاسب سياسية في المستقبل، وهل يعتبر المحور الاقتصادي هو رهان التوافق أم هناك محاور أخرى وجب الانتباه لها والاشتغال عليها، ثم ما هي دلالات التوافق ودوافعه وما هي المحاذير والمآزق المتوقعة في ظل تجارب سياسية في دول مجاورة ثم من هي الأطراف أو الجهات الضامنة لهذا التوافق، فالتوافق بالنهاية هو إيجاد صيغة للوصول إلى تفاهمات مشتركة عبر مسار تشاركي حول مشكلات البلاد عبر إعادة هيكلة المشهد والنسق السياسي وتحديد المكاسب والمآلات وهو ما يجعل من طرح فكرة التوافق السياسي المبني على قاعدة اقتصادية تحول جذري في خطاب الفاعلين السياسين الطامحين إلى انتقال ديمقراطي عبر رهانات اقتصادية وإيجاد قاعدة وبنية تحتية تعتمد على الحشد السياسي من خلال سلطة المال والمؤسسات الاقتصادية مستقبلا مما يجعل مفردات القيم والمثل وأخلاقيات المجتمع تتراجع إلى الخلف في الخطاب السياسي مستقبلا.