ملفك ناقص.. المسؤول غير موجود كلمات تصادفك في الإدارات البيروقراطية عذاب يومي يلهب أعصاب الجزائريين تحولت الإدارات والمرافق الخدماتية إلى فضاء لمناوشات يومية تصل في أحيان كثيرة حد الضرب بين موظفين ومواطنين، حيث يتهم كل واحد منهم الآخر، فالموظف يشتكي من سوء المعاملة والمواطن يشتكي من اللامبالاة والمحسوبية، وهذا ما ينم عن افتقاد ثقافة الخدمة العمومية وما تتطلبه من معاملة بين الطرفين، هذه المعادلة يصعب تحقيقها في بلادنا، حيث أصبح من الصعب على المواطن الجزائري قضاء مصلحة، سواء كانت إدارية أو خدماتية دون الوقوع تحت تأثير الانتظار والمماطلة وسوء الاستقبال، أينما يتجه فمصالح البريد والضرائب والإدارات والبلديات والمحلات التجارية يطغى على مرتاديها التعصب والغضب مقابل حالة من اللااهتمام يجدها لدى بعض الموظفين الذين يعاملون المواطن والزبون على أنه يتسول خدمة رغم أنهم يتلقون مقابلا على ذلك، سواء في ثمن سلعة أو خدمة أو راتب شهري. روبورتاج: سناء بلال يقضي الجزائريون وقتا طويلا في استخراج الوثائق والأوراق الإدارية وتشكيل ملفات مختلفة، وينتهي بهم الأمر في كثير من الأحيان بإلغائهم الأمر، أو تعرضهم للإرهاق الشديد، بعد تنقلهم من مصلحة إلى مصلحة ومن إدارة إلى إدارة لا يسمعون سوى إجابة واحدة “ملفك ناقص، شوف لفوق، أرجع غدوة، المسؤول غير موجود”، وغيرها من الكلمات التي ألفها الجزائريون الذين يقصدون الإدارات لقضاء مصالحهم. المواطن الجزائري البسيط الذي لا يملك الوساطة أو ما يسمى ب”المعريفة” التي تجعله يقضي مصلحته في يوم واحد، وليس له معارف في المصلحة التي يقصدها مما يجعله يتوه بين المكاتب، يطرق بابا بباب، وما يلبث أن يجد شخصا يتحدث إليه إلا وإجابه ” ماشي هنا “، ” أرجع غدوة “، “شوف هناك”، ” المسؤول غير موجود ” ويبقي المواطن تتقاذفه الكلمات وتدوخه البيروقراطية ويعيش حياته ركضا وراء الملفات والأوراق التي يحتاجها في حياته اليومية، حيث يستوجب قضاء ساعات طويلة على أعصابه في الطوابير، وعند وصوله إلى الشباك يقول له الموظف دون أن ينظر حتى إلى وجهه ” وثيقتك لا تستخرج هنا، وملفك ناقص لاستخراجها ” وغيرها حتى أصبحت الإدارة عبئا ثقيلا وكابوسا لا ينتهي للمواطن الذي يقصد الإدارة، حيث أكثر ما يقهر المواطن ثقافة حط “الدوسي” وارجع غدوة المسؤول غير موجود. موظفات عابسات ومناوشات يومية لا تنتهي كانت ل”الحوار” جولة في بعض الإدارات والمؤسسات ذات الطابع الخدماتي، أجواء يسيطر عليها التعصب والمشاحنات، موظفات عابسات ومناوشات في مصالح خدماتية، كانت بدايتها بمركز البريد في مدينة البرواقية، كان الاكتظاظ والتذمر يطبعان الأجواء، وزد على ذلك أنه يوجد تعطل في الشبكة العنكبوتية. وجدنا شيخا يصرخ ويحتج على توقف نظام الإعلام الآلي، كانت هناك مناوشات على الطابور بين المتقاعدين، موظفات يتجاهلن سؤال بعض كبار السن الذين أنهكهم الانتظار، وهم الذين يعانون من عدة أمراض مزمنة، أثار فضولي لماذا كل هذا العبوس واللامبالاة من طرف الموظفات، وجهت الملاحظة لأحد الموظفين لاحظت أنه لطيفا في طريقة معاملته مع الزبائن خاصة من كبار السن الذي أخبرني أنه نصح بعض زميلاته في العمل أكثر من مرة بتغيير طريقة التعامل التي تسبب في كثير من الأحيان في نرفزة واستياء المواطنين لكنهن مصرات على هذا الأسلوب وكأن المواطن يتوسل منهم خدمة، كانت هذه عينة فقط من بعض ما يعانيه المواطن في حياته اليومية من سوء المعاملة والاستقبال، حيث ليس من السهل على الجزائري قضاء مصالحه، سواء كانت إدارية أو خدماتية دون الوقوع في فخ الانتظار والمماطلة وسوء الاستقبال، ويفترض أن حسن الاستقبال يدخل في صميم آداء الموظفين وهذا أساس عملهم، إلا أن الانفعالات المتكررة في تعاملات الجزائريين بشكل عام هي من الأسباب المباشرة لتدهور الخدمة العمومية وارتباطها بصورة يومية منفرة وغير مستقرة يمكن إيجازها في معنى شامل هو انعدام ثقافة الخدمة العمومية لدى العديد من المستخدمين والموظفين، والتكوين والتربصات تعتبر أنجع أسلوب لتطوير وتحسين الخدمة العمومية. أعوان حراسة في المؤسسات برتبة جنرالات أصبح الكثير من أعوان الأمن والحراسة في المؤسسات الخاصة والعمومية يشكلون عائقا أمام المواطنين الذين يقصدون المؤسسات والإدارات بغية حل مشاكلهم العالقة، غير أن العون الذي من المفروض أن يساهم في تسهيل السير الحسن لمصالح المواطن يقف حاجزا أمامه وهو يهم بالدخول إلى مقر المؤسسة أو المصلحة، وهو ما جعل العديد من المواطنين الذين واجهوا موقفا مماثلا يصفون هؤلاء الأعوان ب ” الجنرالات”، حيث يشتكي الكثير من المواطنين من البيروقراطية و”المعريفة” التي أضحت العلامة المسجلة لأغلب المؤسسات في البلاد في القطاع الخاص أو العام، والتي يمارسها بعض الموظفين ضد مصالح المواطن البسيط التي تعترض طريقه يوميا، وهو يعاني الأمرين في سبيل قضاء مصالح أو استخراج وثائقه، حيث يصطدم في عديد المرات مع بعض أعوان الحراسة الذين أضحوا حاجزا آخر يضاف إلى سلسلة الحواجز التي تعترض سبيل المواطن، وبدل أن يساهموا في تسهيل الأمور يصعبون على المواطن التعامل معهم بصورة لائقة. علاقات مكهربة بين التاجر والزبون “الزبون هو الملك”، شعار العديد من التجار خصوصا أصحاب المحلات الذين يتعاملون مباشرة مع الزبائن من مختلف الفئات، إلا أن هذه العبارة أصبحت مجرد كلمات لدى بعض التجار الذين لا يحسنون التعامل مع الزبون، إذ تغير مفهوم التجارة لديهم وباتوا يتضايقون من الزبون، والأمر نفسه مع الزبون، وحول هذا الموضوع كانت ل”الحوار” جولة استطلاعية في بعض المحلات في ولاية المدية، جولة حاولنا من خلالها معرفة آراء المواطنين حول هذه الظاهرة، أول وجهة كانت لنا في محل لبيع الألبسة الجاهزة، بمجرد دخولنا المحل اشتكت لنا زبونة من اللامبالاة صاحب المحل، حتى أنه لم يرد السلام عند دخولها لأنه حسب حديثها كان مشغولا بمكالمة هاتفية ولم يعرها أدنى اهتمام، حيث أوضحت لنا قائلة أنه في مرات عديدة يصادفك بعض التجار بسلوكات تثير تذمرك ونظرات لامبالاة، وكأنهم يعبّرون عن تذمرهم من دخولنا المحل وأننا أزعجناهم، هذه التصرفات تضيف تجعل التاجر يفقد زبائنه. وعلى صعيد آخر، وخلال جولتنا في بعض المحلات، كان لنا حديث مع صاحب محل للمواد التجميل، حيث أخبرنا أن سلوكيات بعض الزبائن وألفاظهم ودخولهم للمحل وإحداثهم للفوضى فيه أمر يزعج التاجر ويجعله يتجاهل الزبون، وللأسف يضيف أن بعض التجار يتبنى سلوكا واحدا يتعامل به مع الجميع، سواء الزبون الجيد أو المزعج، وهذا ما يخلف للأسف الشديد أجواء مشحونة ومكهربة بين التاجر والزبون، ويضيف قائلا إن التعامل مع الزبون كضيف غير مرحب به يجرحه ويشعره بعدم الراحة، فعندما لا يجد الزبون الاستقبال المناسب يسارع للخروج من المحل دون اقتناء أية بضاعة، كانت هذه عينة وردة فعل من طرف زبونة تاجر خلال جولتنا الاستطلاعية. وحسب رأي بعض المختصين في علم النفس حول هذه الظاهرة، والأجواء المكهربة بين التاجر والزبون، يرى بعض المختصين أنه تجد في بعض الحالات أن الزبون لا يحترم عمل التاجر، حيث يستعمل ألفاظا ويمارس سلوكيات تثير قلق التاجر الذي يكون بدوره تحت تأثير ضغط كبير بسبب تعامله مع مختلف الذهنيات في اليوم الواحد، فالتفكير بين الأشخاص يتغير، والزبون على عكس التاجر يمكن له أن يختار المحل الذي يقتني منه بضاعته، على عكس التاجر الذي لا يمكنه اختيار زبائنه، ولكن هذه حسب المختصين لا تعد تبريرا لما يقوم به التاجر وإنما هي مجرد تحليل لتفكيره. التجار تحت الضغط والزبائن متذمرون من سوء المعاملة سابقا كان التاجر يحترم الزبون الذي يحترم بدوره التاجر، هذا الاحترام يخلق الراحة والثقة والبساطة في التعاملات، وللأسف اليوم، تحولت تلك المعاملات التجارية بين البائعين والزبائن إلى علاقات مكهربة يسودها التعصب والغضب، والتي للأسف الشديد تؤدي في كثير من الأحيان إلى حدوث مناوشات حادة تنفر الزبون وتستفز التاجر. ورغم ما أحدثته ثورة تكنولوجيا الإعلام والاتصال من تغيير جذري في حياة الشعوب والمجتمعات، بحيث أنهت معاناة الكثير من الناس في الحصول على المعلومات والخدمات، هذا التطور التقني الذي وظفته العديد من الحكومات في القيام بمهامها وتقديم الخدمات لمواطنيها أدى إلى تحسين نوعية الخدمة المقدمة وتبسيط الإجراءات وربح الكثير من الوقت وتحقيق القيمة المضافة، سواء في إنجاز تلك الوظائف والأعمال أو الحصول عليها. في خضم هذه التطورات العالمية الحاصلة، وانتقال العالم إلى مرحلة جديدة من التحولات والعلاقاتالسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي يفرضها عصر العولمة لم يعد بإمكان الإدارةعندنا إلا أن تعمل في إطار ضيق، بحيث أصبح لزاما عليها مواكبة هذه التغيرات الحاصلة،الأمر الذي يتطلب التزود بمختلف نتائج ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتداركالفجوة الرقمية الحاصلة والولوج إلى اقتصاد المعرفة القائم على المعلومات وسرعة الحصولعليها. وعلى الرغم من التطور الذي يشهده العالم اليوم في تكنولوجيا الإعلام و الاتصال،إلا أن مسايرة هذا التطور ليس بالأمر اليسير بالنسبة لمعظم الحكومات، خاصة في البلدان النامية بسبب سرعة تطور هذه التقنيات من جهة، وقلة مواردها و إمكاناتها من جهة أخرى،إلا أن هذه الأسباب لم تعد مبررا لعدم تبني برنامج الإدارة الالكترونية، خاصة في ظلالحاجة الملحة لخدماتها على المستويين الداخلي والخارجي، حيث لا تزال الرقمنة في الجزائربعيدة عن مواكبة التطور الحاصل في هذا المجال على المستوى العالمي.