التاجر الجزائري في قفص الاتهام.. والتهمة أنه ''لا يجيد فن استقبال الزبائن''.. هي شكوى كثيرا ما تترددت على مسامعنا، رغم أن التجار من أكثر الناس حاجة للابتسامة واللباقة والمرونة في التواصل مع الغير، فحسن التعامل هو فن لكسب الزبون وتمرير البضاعة، إلا أن الواقع المعيش يوحي بأن العديد من تجارنا يفتقرون إلى هذا الفن المهم.. لماذا؟ من المقولات الشائعة في عالم التجارة: ''الزبون ملك''، حيث أن هذا المثل اللاتيني يشير إلى أهمية كسب رضا الزبون، وإلى السياسة التي ينبغي انتهاجها من طرف التاجر لخدمة الزبون بأسرع الطرق الممكنة، والسعي الحثيث لكسب ولائه وربط اسم محله بالجودة. تحدثت ''المساء'' في هذا الإطار إلى بعض المواطنين، فبدا من خلال إجابات السواد الأعظم أنهم غير راضين عن طريقة تعامل بعض التجار سواء في المحلات أو الأسواق أو حتى بعض الفضاءات التجارية الكبرى مع الزبائن، مؤكدين على ضرورة تعلم أبجديات كسب الزبون وإرضائه قبل اقتحام ميدان التجارة.
تصرفات منفرة يقول الشاب ''فؤاد'' (خريج معهد الاعلام الآلي) ل''المساء'': ''إن معظم تجارنا لا يعرفون لتطبيق المثل القائل ''الزبون ملك'' سبيلا.. فبعضهم لا يردون التحية.. وهو أمر لا أجد له تفسيرا، فالمفروض أنه مطالب باستخدام كل السبل المتاحة لاستقطاب الزبائن وحملهم على شراء سلعه، لكن ما يحدث عادة هو العكس!س ويضيف ''من باب المقارنة، أن المتسوق في بعض الدول الأوروبية وحتى في بعض الدول الشقيقة يحظى باستقبال حار قد يحمله على شراء ما لا يحتاجه في بعض الأحيان، وهو ما نفتقده كثيرا عندنا، حيث يدفعنا الجشع وبعض التصرفات المنفرة أحيانا للتنازل عن البضاعة حتى وإن كانت تستجيب لشروطنا وذوقنا!'' ويتابع محدثنا: ''قديما كان البائع يكلف نفسه عناء عرض كل سلعه على الزبون لكسبه حتى وإن لم تكن لديه النية في الشراء، أما الآن تغيرت الأمور، فأصبحنا نجد في العديد من المحلات وجها عبوسا تغيب عنه الابتسامة في الاستقبال، والسبب مجهول؟.. وتاجر يتأفف ويتذمر من الزبون عندما يسأل عن الأسعار، وخاصة عندما لا يقتني أي شيء، بل قد يسمعه كلمات غير لائقة.. برأيي التجارة ليست في أيدي أناسها المتشبعين بتقنيات التعامل التجاري''.
النظر من برج عاجي ويروي المواطن ''فريد.ل'' الموظف بمؤسسة عمومية ل''المساء'' قائلا ''قصدت أحد محلات الجزائر الوسطى لشراء معطف، أعجبني أحدهم فجربته، لكنني في النهاية لم أشتره لأنه لم يتسن لي مشاهدة نفسي به في غياب المرايا.. وتصوروا أن البائع خاطبني قائلا: لو علمت أنك لن تقتنيه لما سمحت لك بتجريبه."! يعلق قائلا: ''هذا سلوك غير متحضر يترجم غياب ثقافة الاستقبال التي من شأنها أن تروج للسلع وتكسب رضا الزبائن، والتي تعد قبل كل شيء من تعاليم الإسلام الذي يقوم على مبدإ الدين معاملة... للأسف بعض التجار ينظرون إلى الزبائن من برج عاجي من منطلق أن الزبون هو من يحتاج إليهم فقط وليس العكس''. زسوء الاستقبال ظاهرة نعاني منها، بالأخص في بعض المحلات..'' هو أيضا رأي طالبة (تدرس في كلية التجارة) كانت تتبضع بسوق ساحة الشهداء، حيث أشارت إلى أنها تجد راحتها غالبا في الأسواق كونها تلقى حسن المعاملة فيها عكس ما هو سائد في بعض المحلات، حيث تغيب الابتسامة. وتتدخل صديقتها لتوضح: ''أعتقد أن ظاهرة سوء الاستقبال التي نتعرض لها في بعض المحلات إسقاط لجملة المشاكل والضغط التي يعاني منها التاجر، إلا أنها في الواقع ليست مبررا لإهانة الزبون والتقليل من احترامه''.
ممارسات لا أخلاقية ولا تجارية سيدة عاملة تشارك هي الأخرى في الموضوع لتحكي ما يلي: ''أعجبتني مؤخرا كنزة صوفية في أحد المحلات، فجربتها ثم سرعان ما طلبت مقاسا آخر أصغر من الأول، غير أن الأكمام كانت طويلة جدا فعدلت عن شرائها.. وما كان من البائع إلا أن أخذ يرمقني بنظرات امتعاض إلى أن خرجت من المحل!.. على هذا النحو يسقط التاج من رأس الزبائن في العديد من نقاط التسوق، حيث يسود منطق ''إما أن تشتري وإما أن يحل عليك غضب التاجر''، وقد تطالنا الظاهرة حتى في بعض الفضاءات التجارية الكبرى، حيث يخدم الزبون نفسه بنفسه، فبعض القائمين عليها يغضبون ويكشرون عن أنيابهم لأتفه الأسباب، لاسيما في شهر رمضان.. باختصار لقد تحول المثل القائل ''الزبون ملك'' عندنا إلى ''التاجر ملك'' نظرا لبعض التصرفات المنفرة التي تشعرنا وكأن التاجر يسدي لنا خدمات مجانية وليس بالمقابل''. وبحسب شهادات العديد من المواطنين ممن تحدثت ''المساء'' إليهم فإن تصرفات كثيرة تخلف نقاط استفهام في وسط بعض التجار ممن يستقبلون الزبون بالسيجارة أو يرفضون تسلم الأوراق النقدية المتهرئة رغم أنهم يسمحون لأنفسهم بتسليمها للزبون، أو ممن يمتعضون عندما ترد إليهم سلعهم الفاسدة، أو يقدمون السلعة بطريقة غير لائقة للزبون، وغيرها من الممارسات التي لا تمت لفن التعامل التجاري بصلة، فالتجارة مهما كانت بسيطة تحتاج إلى قدر من اللباقة وحسن الاستقبال والابتسامة وحسن تقديم الخدمة أو البضاعة، وكذا إلى بعض الطباع الحسنة وإلى قوة الوازع الديني لاعتناق مبدإ الأرزاق بيد الله. ومن جهتها ترى بائعة أحذية في أحد محلات الجزائر الوسطى أن سوء تعامل بعض التجار مع الزبائن يعود إلى التعب والضغط الذي يلاحقهم بسبب هذه المهنة، وهو الضغط الذي يلتقي في أحيان كثيرة بقلة لباقة بعض الزبائن، ممن لا يتقنون فن الحديث ويؤدي بالتالي إلى إحداث المناوشات. وتدلي البائعة بنصيحتها قائلة: ''على الباعة أن يلتزموا بسعة الصدر وحسن التعامل وبتطبيق قول الرسول صلى الله عليه وسلم ''الابتسامة في وجه أخيك صدقة''، وأن لا يسعوا إلى إسقاط حالاتهم النفسية على الزبون، لكن على الزبائن من ناحية أخرى أن يحسنوا فن التواصل مع الغير''.
نتيجة حتمية لغياب ثقافة الاتصال يقول أستاذ علم الاجتماع السيد طوبال: ''إن الحديث حول ثقافة الاستقبال متشعب، لأن هذا الموضوع لديه أبعاد كثيرة، لكن أهم هذه الأبعاد البعد الثقافي وبدرجة أقل البعد الأخلاقي والحضاري، حيث أن مفهوم الاستقبال مختلف عن مفهوم الضيافة كعادة متأصلة في مجتمعنا العربي الإسلامي، فأكثر ما يعرف عن الإنسان العربي أنه جواد وكريم ومضياف، والمثال على ذلك قصص الجود والكرم المعروفة عند الصغير والكبير منا. ويضيف أستاذ علم الاجتماع ''إن الواقع المعيش يطلعنا على عكس هذا تماما، فالملاحظ اليوم في حياتنا اليومية هو الغياب التام لثقافة الاستقبال، خاصة على مستوى الإدارات والهيئات الرسمية والمكلفة بالسهر على خدمة المواطن وراحته''. وبرأي المصدر، هذا الأمر مرتبط أساسا بغياب مفهوم الخدمة العمومية من قاموس المعاملات اليومية في المجتمع والمؤشر البارز الدال بوضوح على هذا الوضع هو غياب مصلحة الإعلام والعلاقات العامة في أغلب الإدارات، خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بخدمة المواطن، ومن الأسباب الأخرى هو افتقار العمال والمستخدمين إلى تكوين قاعدي في مجال الخدمة العمومية ومتطلباتها، كما أن غياب ثقافة الاستقبال هو نتيجة حتمية لغياب ثقافة الاتصال والقنوات المساهمة في ذلك. ومن الملاحظ على صعيد آخر هو أن هذه الثقافة موجودة ولو بدرجات متفاوتة قي القطاع الخدماتي الخاص، فكثير من الشركات الخاصة تتوفر على ما يعرف بمصلحة خدمة الزبون أو ما يعرف بمصلحة ما بعد البيع، حيث نجد الاستقبال والتوجيه، والأمر هنا مرتبط بتوفر ثقافة تسييرية قائمة على خدمة المواطن في جميع الأحوال والظروف.