نصيرة سيد علي يعتبر الحوار، ضرورة حياتية، انسانية ومجتمعية ومؤسساتية، حريّ بنا كمجتمع مسلم العودة إلى نصوص الدين الحنيف لإستكشاف ضرورة الحوار وأهميته. نجد في القرآن الكريم الكثير من الآيات ذات الشكل الحواري، التي تزخر بدلالات عديدة بليغة، لكنه في المقابل نجد بأن لفظة ” حوار ” وردت في ثلاث آيات فقط وفي مقدمتها، قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾ [الكهف: 34،وقوله أيضا في نفس السورة ونفس القصة القرآنية: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ [الكهف: 37] . وللكهف هنا معنى بليغ، فلا ينبغي للإنسان أن ينزوي عن مجتمعه، بل عليه أن يندمج فيه، ومع أفراده، وأن يعيش معهم في حوار مستديما، بعيدا عن الإعتزال أو الإبتذال. كما نجد في هاتين الآيتين الكريمتين بأن الحوار (لفظًا) قد ورد في موضعين؛ الأول في قصة المؤمن الفقير، والغني الكافر، وهذا ما يعطي لأهمية الحوار الاقتصادي-الاجتماعي أهمية بالغة، إضافة إلى تقرير ضرورة الحوار مع الآخر، وهو المخالف لك دينا، وعقيدا، وفكرا، وتفكيرا. ونجد الآية الثالثة والتي يقول فيها تبارك وتعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1] تتناول قضية اجتماعية أسرية تربوية، وهي تأكيد على أهمية الحوار على المستوى أطر التنشئة والمحاضن التربوية (الأسرة، المدرسة، المحاضن السياسية أحزابا وجمعيات، …). من هذا المنظور نقدم منظورا أصيلا لدوائر الحوار على تنوعها. وعليه يعتبر الحوار، آلية التواصل لفهم ما يجري في خواطر المتحاور معه، قصد إحداث التلاقي في الرؤى ووجهات النظر بين المتحاوريين، ضمن منظومة متكاملة، ويمكن اعتماد ” الحوار” لتفادي الفشل في التواصل الإيجابي، ومن خلال الحوار نستطيع التعرف على أفكار جديدة نأخذ منها ما يتناسب مع الجميع دون تعصب أو انحياز إلى طرف على حساب الطرف الأخر، ومن فضائله أنه يرينا ما لم نكن نعلمه….وهو اسلوب علاجي لجميع المشاكل التي قد تنجر عن في جميع، ويتخذ الحوار أشكال وصور ونماذج متعددة، يمكن الانسان كائن أن يتحرك في هذا الفضاء الواسع بكل أريحية تامة.
بدون حوار لا تعايش ! وحول كيفية تأسيس ثقافة التعايش لضمان وحدة الشعب والوطن من خلال الحوار الثقافي، أوضح الكاتب الإعلامي الدكتور محمد بغداد في حديثه ل ” الحوار” أن مثل هذا السؤال بمقدر ما يثير القلقل الذي يعتري المجتمع، فإنه في الوقت نفسه يحيل على تلك الحالات الصعبة، التي تجد فيها المجموعة الوطنية نفسها معرضة للخطر كونها تفشل في تفسير ما يواجهها من تحديات وعراقيل، وتؤرقها المشكلات التي تحرمها من فوائد العيش المجتمعي. ولهذا فإن النقاش حول التعايش يفترض يقول محمد بغداد ايجاد الآليات التاريخية التي توفر المناسب من شروط التعايش، وخاصة في تلك الوضعيات المحلية، وعندما تضع الموضوع في المشهد الوطني، فإن الكثير من معطيات السؤال سوف تتغير كون الثقافة الوطنية، هي كتلة واحد تتميز بالتنوع الذاتي وليس الاختلاف الجوهري، وعندما تعجز النخب عن فهم التحولات التاريخية التي تفرض على المجتمع، تبرز المشكلة عند النخب فتذهب الى تقديم تفسيرات غير منطقية، أهم ما يميزها المزاجية والانطباعية والعاطفية، لأن التعايش المقصود حسبه يكون بين الثقافات المختلفة في النظرة إلى مفهوم الذات وخصائص الكون وبنيات الرؤية. وفي حالتنا الوطنية، فإن المشكلة يضيف المتحدث ذاته لا تكمن في تصور اختلافات جوهرية في الثقافة الجمعية الذاتية، ولكن المشكلة تظهر في ابعاد الآليات المنطقية لمفهوم التعايش، وهي الآليات البعيدة تماما عن تصورات ومفاهيم النخبة هو المشهد المحلي، هذه النخب التي نجحت في الكشف عن عوراتها المعرفية وعجزها المنهجي وقصور رؤيتها للواقع.
ثقافة الحوار وحوار الثقافات ومن هنا فإن المشكلة الثقافية مرتبطة بالمسار التاريخي للمجموعة الوطنية، والمنعرجات التي تتعرض لها وحجم القدرة التي تمتلكها، والقوة التي تتوفر لديها في التعامل مع هذه المنعرجات، والأساليب التي تستخدم في انتاج الإجابات التاريخية التي تقدم الى المجموعة الوطنية، كما أن المنهجية النظرية المعتمدة من طرف خطاب النخب في ممارسة الحوار، حسب بغداد لها القدر الكبير في الانجازات التي تحققها النخب في مسارها التاريخي، من خلال امتلاك الخبرات والمهارات التي تضمن القيام بواجب الحوار الثقافي، عبر مناوشة القضايا الأساسية والحقيقية لمفهوم المشكلة الثقافية، والابتعاد عن المسائل الهامشية التي مهما بذلت فيها الجهود فإنها تعمق المشكلة ولا تساهم في ايجاد الحلول لها. وخير دليل ما يتضمنه السؤال اليوم الذي يؤرقكم. من جهة أخرى فإن مفاهيم التعايش والعيش المشترك، استنادا إلى نفس المتحدث يتطلب تكاليف مفاهيمية واجتماعية ونفسية، وهي تكاليف باهظة ليس بمقدور المجتمعات الضعيفة تحملها، مما يتطلب الذهاب نحو خطوات تمهيدية أقرب ما تكون إلى عمليات جراحية مؤلمة، قبل التفكير في المطالبة أو المناشدة العاطفية باستنساخ تجار ونماذج مجتمعات أخرى، في ممارستها للحياة عبر التعايش.
حوار التنمية في المجلس الإقتصادي والإجتماعي وللحوار دور جوهري في تجاذبات المشهد الاقتصادي، في تيسير آدائه وتذليل عقباته، وفي هذا الإطار قال الخبير الاقتصادي الدكتور بوزيان مهماه في حديثه ل ” الحوار” إنه حين نريد تركيز الحديث حول أهمية الحوار في المجال الاقتصادي، سنجد في مختلف الأدبيات المعاصرة أن تناول النمو الإقتصادي يقترن بالحوار الإجتماعي، ولنا في الجزائر يضيف مهماه مؤسسة دستورية تدعى “المجلس الوطني الإقتصادي والإجتماعي” والذي يُعد طبقا للمادتين (204 و 205) من الدستور إطارا للحوار والتشاور والاقتراح في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، ومكلفا في إطار مهامه بأربع مهام أساسية من بينها اثنتين تتعلقان بالحوار وهما : ضمان ديمومة الحوار والتشاور بين الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين الوطنيين، وكذلك توفير إطار لمشاركة المجتمع المدني في التشاور الوطني حول سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
العالم تطور بالحوار والتعايش وعلى المستوى الدولي أبرز مهماه أن “منظمة الأغذية والزراعة” في ميثاق روما (2006) للمؤتمر العالمي حول الاتصال من أجل التنمية، أبانت عن أهمية ودور الحوار في بناء الثقة من خلال العملية الاتصالية في تعزيز التنمية “الاتصال من أجل التنمية هي عمليةٌ اجتماعية ترتكز على الحوار وتستخدم مجموعة عريضة من الأدوات والأساليب. ويسعى إلى التغيير في مختلف المجالات، بما في ذلك الإصغاء وبناء الثقة والتشارك في المعرفة، والتحاور والتعلم من أجل إحداث تغيير حقيقي ومستدام. ولذلك فإنه يختلف عن العلاقات العامة والاتصالات الداخلية.” كما أن الحوار الاجتماعي، وفقا لتعريف “منظمة العمل الدولية” يتضمن كافة أنواع التفاوض أو المشاورات أو ببساطة تبادل المعلومات بين ممثلي الحكومات، وأصحاب العمل، والعمال بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك المتصلة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية.
الحوار إنجازات .. ! كما نجد في العديد من الدراسات التي تتناول بالتقصي تأثير العلاقات الاجتماعية وخاصة الحوار الجماعي المتعدد الأطراف على الكفاءة الاقتصادية، قال مهماه أن ذلك يظهر جليا من خلال ما قام به “مارك فيراتشي وفلوريان جويوت” اللذان ناقشا بشيء من التفصيل العلاقة بين النقابات والأجور والعمالة وعدم المساواة، وخلصا في دراستهما إلى كون التواجد النقابي النشط من خلال مأسسة الحوار يدفع بالشركة إلى إعادة تنظيم إنتاجها بكفاءة أكبر، وتحقيق مكاسب إنتاجية تقلل في النهاية من تأثير رفع الأجور وزيادة العلاوات على التوظيف، رغم أنه من الصعب عزل آثار ديناميكية النقابات عن آداء مؤسسات سوق العمل الأخرى، مثل نظام التأمين ضد البطالة، واللوائح المتعلقة بتسريح العمال، والضرائب، وما إلى ذلك. لكنه بالنسبة لبعض الباحثين، مثل أوليفييه بلانشارد وتوماس فيليبون، فإن الثقة بين أصحاب العمل والنقابات حسبهنا يقول مهماه تعد عاملاً حاسماً لدمج التغييرات السريعة في البيئة الاقتصادية في سوق السلع وإحلال التغيرات الإيجابية كمكاسب إنتاجية، وهذا لن يتم بناؤه إلا من خلال الحوار البناء والتشاركي والمستدام. أثر الحوار على الإقتصاد كما عكفت مجموعة كبيرة من الأبحاث التجريبية على دراسة تأثيرات الحوار الاجتماعي على الإنتاجية والربحية والاستثمار، استشهد مهماه بدراسة في قطاع الطيران للباحث كلاينر وزملائه (2002) ومن خلال تحليله لبيانات تمتد على مدى 18 عامًا، توصل في دراسته إلى تقديم عناصر جديدة تتيح فهما أعمقا لديناميكيات العلاقات الاجتماعية وتأثيرها على الإنتاجية، ووجد بأن الإضرابات مرتبطة بوجود انسداد في قنوات الحوار لدى البعض من القادة النقابيين دون الآخرين، وهذا له تأثير سلبي على الإنتاجية، لكن هذه الآثار قصيرة الأجل، ومع التواصل وتفعيل أطر الإتصال والحوار كانت الشركة تعود إلى مستويات إنتاجها السابقة، وهذا ما يؤكد على أهمية العلاقات الاجتماعية والشخصية المنفتحة على الآخر في تحليل آثار نشاط النقابات على إنتاجية المؤسسات، إذ أن الممارسات الإدارية التي تتبنى نهجا تفسيريا وإيضاحيا للقرارات وتعتمد العمل البنائي المشترك للإصلاحات داخل المؤسسات يكون لها في الغالب تأثير إيجابي على الإنتاجية. بينما تؤكد دراسة حديثة أجراها كل من الباحثين دي ناردو وماس (Di Nardo et Mas) قاما بها سنة 2012 باستخدام بيانات للولايات المتحدة خلال الفترة 1961-1999، أن نشاط النقابات يميل إلى التسبب في تدهور القيمة السوقية للشركات، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تأثير النقابات العمالية على الربحية يعتمد إلى حد كبير على هيكل السوق الذي تعمل عليه الشركة. في حين من المدهش، وعلى الرغم من أن الابتكار هو الآن في صميم استراتيجيات النمو في مختلف البلدان، هناك دراسات قليلة نسبياً تربط بين تأثير الحوار الاجتماعي والبحث والتطوير واعتماد التكنولوجيات الجديدة. فعند مراجعة نحو ثلاثين دراسات اقتصادية على مدار الثلاثين عامًا الماضية، نجدها تخلص إلى الإستنتاج بأن الابتكارات تقاس عموما بنسبة الإنفاق على البحث والتطوير لموارد وآداء الشركة التجارية، بينما تعتمد التقنيات أكثر فأكثر على الحوسبة، بما يشجع العمل الفردي على حساب التواصل الجماعي، لكن ربط هذه الخلاصات بتوصيات أعمال علمية أخرى تعد رائدة عالمية وتتركز حول أهمية تواصل الباحثين وقادة التطوير مع محيطهم ومجتمعاتهم بغرض شرح وتبسيط أعمالهم البحثية لهم، بما سيشكل تيارا اجتماعيا قويا داعما لإتجاهات المزيد من الإنفاق على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وهذا ما يوصلنا إلى نتيجة مركزية تؤكد أهمية الحوار الإجتماعي والتواصل بين مختلف مكونات الجماعة الوظيفية والوسط المهني و عناصر المجتمع في نمو الإستثمارات المدفوعات بالابتكارات.
الحوار نوافذ الفكر والتطور وكما بدأنا تحليلنا بالقول “الحوار أفقاً للفكر” فإن الحوار هو فضيلة من أرقى الفضائل التي كتب عنها فرانسيس فوكوياما كتابه (الثقة – الفضائل الاجتماعية ودورها في خلق الرخاء الاقتصادي)، هذا الكتاب يقول مهماه يعيد ضبط البوصلة على “منظومة القيم” كمحرك للنمو ومحقق للرخاء الإقتصادي والرفاه الإجتماعي، إنه النموذج الجديد الذي يطرحه صاحب كتابة “نهاية التاريخ” وصاحب أطروحة غلبة الليبرالية وانتصارها، ليعيد من خلاله طرح المقاربة الإنسانية والإجتماعية للنهوض الاقتصادى بعيدا عن التمركز الغربى المادي على الذات. فهو يرى بأن المجتمعات المتميزة بتواصل اجتماعى قوي، ودرجة عالية من الثقة، والتي تجسدها تلك المجتمعات التى تنتشر فيها بشكل كبير المؤسسات الجماعية الوسيطة التلقائية الواقعة بين العائلة والدولة والفضاءات الحوارية، والمساهمة فى خلق نموّ سريع للمؤسسات الاقتصادية الكبرى وذات تراتبية عالية، على رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية واليابان وألمانيا. حوار الاسرة وحوار الامة لا يستطيع الإنسان فهم الأخر دون الولوج إلى أعماقه وسبر دواخله واستبطانها، ففهمنا لأنفسنا يعطي لنا دفعا لفهم غيرنا ممن يحيطونا بنا، إن حوار الإنسان مع أفراد أسرته (الحوار الأسري) ، والذات (حوار الإنسان مع نفسه)، حسب الأخصائية النفسانية الدكتورة سميرة الهاني بعداش في حديثها ل ” الحوار”، يعزز الثقة بين المرء مع ذاته، الثقة بالنفس ثم مع أفراد أسرته، من خلال زرع بذور الثقة مع جميع أفراد الأسرة، وباستخدام أسلوب الحوار مع مكونات الأسرة الواحدة حسب سميرة يعلم الاعتماد على النفس، لأن الحوار الأسري حسبها وقاية الأسرة من جميع الانحرافات و الانقسام، ويتسنى لأفراد العائلة المشاركة في حل المشاكل بطريقة حضرية، مشيرة إلى أهمية التواصل لمعرفة مكنونات الآخر دون الوقوع في الاصطدام وأخطاء التربية التنشئة أطفال قادرين على مواجهة الصعاب اي انه يعزز استراتيجية المواجهة للطفل خصوصا في مرحلة المراهقة، ومن بين الأهداف التي يحققها الحوار الأسري استنادا إلى ذات الاخصائية تصفية المشاكل العالقة بين الزوجين بعيدا عن الأطفال، كون الحوار الأسري الجدار المتين الذي يبنى داخل الأسر ثم يخرج إلى مجتمع بشكل سوي بعيدا عن أمراض الشك والوساوس وبالتالي الوصول إلى مجتمع سوي يسوده الأمن الداخلي والخارجي.
الحوار سر بناء الثقة أما عن الحوار المرء مع ذاته، ترى الأخصائية والمعالجة الدكتورة سميرة الهاني بعداش، أن الحوار يساهم في ترسيخ ثقة الفرد بنفسه و نحن كإخصائيين نفسانيين نساعد في تعزيز هذه الثقة عن طريق أساليب علاجية بأخذ العميل في رحلة إسترخائية، يتأمل فيها الفرد ذاته من الداخل ويدرك ذاته الشخصي عن طريق الإيحاء الداخلي باستخراج الطاقات السلبية واستبدالها بطاقات إيجابية، وبالتأمل الباطني الذي سيساعده كثيرا على تحسين أخطائه و التخلص من العادات السيئة التي يمارسها في حياته اليومية، وهنا نبدأ نبني جهازه النفسي بقوة “الأنا” وتقبله لصورة الذات وكأنه ينظر لنفسه في مرآة من الداخل، فكلما عرف الإنسان نفسه داخليا كلما تحكم في زمام اخطائه وسيطر على ذاته تلك الذات المتمثلة في مجموعة من الخبرات و التجارب التي عاشها في حياته، وخلي به أن يعاملها داخليا بترميمها، ويمحي كل الآثار السلبية وبالتالي ينجح في علاقاته مع ذاته ومع غيره. من هذا المنطلق تتحدد علاقة حتمية بين الحوار الذاتي والحوار الأسري فكلما كان الحوار الذاتي ناجح وكان الإنسان صادقا مع نفسه فإنه سينجح في حياته الأسرية والإجتماعية وبناء صرح مجتمع سليم و معافى ينطلق من النفس ثم الأسرة فالمجتمع .
حوار السياسة يقرب المسافات وصف المراقب الدولي السابق في بعثة الأممالمتحدة للسلام أحمد كروش في تصريحه ل ” الحوار” حول أهمية الحوار السياسي ودوره في حل الأزمات والنزاعات القائمة، بالأسلوب الحضاري بين الأطراف السياسية المختلفة حول موضوع ما، كل له رؤى للحل ، والوصول الى توافق يرضي الجميع على الأقل في الحد الأدنى ، وهو آلية دائمة يمكن اللجوء إليها في أي وقت، وهذه الآلية لا تنتهي بالوصول إلى توافق بل تبقى مستمرة من اجل تطوير نتائج الحوار وتطويرها، والحوار بين الخصوم في السياسية في الجزائر على سبيل المثال هو أكثر من ضرورة يضيف الخبير الأمني أحمد كروش، حيث قال نعم هناك مشكلة قائمة ناتجة عن ممارسة نظام الرئيس المستقيل ، من فقد الثقة بين الحاكم والمحكوم سواء كان هيئة سياسية كالأحزاب السياسية او اجتماعية كالنقابات والجمعيات أو حتى أفراد ، وكذلك الممارسات لا ديمقراطية التي كان يتبعها كأسلوب في تسيير الشأن العام كالمحسوبية والرشوة وعدم العدالة في توزيع الثروة ، والتزوير في الاستحقاقات الانتخابية ، وغلق باب الحوار بتكوين تحالف رئاسي اقتسم السلطة والثروة وتحيد الباقي . أظن ان المشكلة القائمة الآن التي ان ينصب حولها الحوار هو الوصول الى حل هذه المعضلات القائمة ، الحوار الناجح هو الذي يحافظ على بقاء قيام مؤسسات الدولة ، والبحث عن الآليات والضمانات التي تضمن انتخابات حرة ونزيهة ، ويخرج الجميع رابح من هذا الحوار هو الوصول بالجزائر الر بر الأمان ، والابتعاد عن فكرة التفاوض التي يخرج فيه طرف رابح وأخر خاسر وربما نخسر استقرار الوطن لا قدر الله.
الحوار عدو التطرف يرتكز الدين الإسلامي على دعامة صلبة أساسها الحوار الذي يعد لبنة وركنا عظيما في هيكل الدعوة الإسلامية، القائمة على البيان وإتيان بالحجج والأدلة والبراهين والإثبات، كل ذلك يتم من خلال فتح باب الحوار لكل المخالفين، لإقناع الأطراف المتخالفة على مسألة شرعية معينة، ويشترط في الحوار الإسلامي ان يكون ممنهج، يستند في هذه العملية إلى جملة من القواعد والضوابط، ومن الفوائد التي تنتج عن فتح باب الحوار في القضايا الاسلامية درء التعصب ونبذ التطرف الديني الذي يؤدي لمحلة إلى نشوب صراعات وانشقاقات وظهور الطوائف والفرق الدينية التي تقسم جموع المسلمين إلى فرق وشيع، وكل فرقة لها مرتكزاتها ومحددة بأطر معينة، وتحمل أسماء متعددة، كما هو حال بالنسبة للصراع القائم اليوم بين الشيعة والسنّة، وغيرها من الفرق التي لا حصر لها. والحوار سنة الله في خلقه، أجله عز وجل وجعله آية بين عباده، وبالرجوع إلى الكتاب الله وفي سورة البقرة نجد حوار مطول بين الله عز وجل وبين إبليس الذي تكبر وتجبر وأعلن عصيانه وخروجه عن تعاليم الواحد الأحد، كما فتح الله تعالى وفق ما ثبت في محكم تنزيله، فقد فتح قنوات الحوار مع ملائكة الرحمان، ومع سيدنا جبريل عليه السلام، ومع سيدنا موسى عليه السلام حتى أطلق عليه كليم لله، كما كانت لله تعالى حوارات متعددة مع الأبنياء والرسل عليهم السلام، كما تظهر أهمية الحوار كذلك في ربط العلاقة بين الأديان السماوية، والقضاء على ما اصطلح عليه بصدام الحضارات. الحوار مضمون وليس شعار العملية التعليمية-التعلمية تقوم أساسا على الحوار، وهي عملية بنائية تشتمل على الجوانب المعرفية، والتربوية الوجدانية التي تسهم في بناء الشخصية القويمة المتوازنة، وهذا يقوم على احترام كينونة التلميذ أو الطالب، والتواصل معه في عملية حوارية تحشد مكنوناته الكامنة، وتشحذ مواهبه، وتشعره بالقدرة على صناعة الفكرة، والرأي، وتقديم المعلومات وبناء المعارف من خلال المشاركة والتشارك مع زملائه واساتذته، وهنا تبرز حقيقة خبايا الحوار الخلاق والباعث لجبروت الإبداع في خيال الطلاب، مما يُشّع من ثناياه أثرا إيجابيا على «الجماعة التربوية» كلها، فتحدث العملية البنائية التراكمية المغذية للعناصر الإيجابية، بما سيجنبنا كل المشكلات التي يعاني منها الطلاب بالوسط المدرسي في أطواره الثلاث، الابتدائي والمتوسط والثانوي، والتي مرجعها الأول يعود إلى انعدام التواصل بينهم وبين إدارة المؤسسة التعليمية، وكذا اختلال واعتلال التواصل التربوي بينهم وبين أساتذتهم، مما يجعل التلميذ يشعر بالكبت وحياة الإكراه والإملاء بما ينفره من مدرسته، لأنه ببساطة لا يجد فيها راحته، ونفس المشاعر السلبية يحياها الطالب في قطبه العلمي، والعامل في مؤسسته بين زملائه ومع مرؤوسيه. هذا هو الحال، حين تُغيّب ثقافة الحوار التي تعد «اكسير» الحياة الإجتماعية، المُغذي لنمو الكيان الفردي والجماعي. الحوار الراقي البناء المتناغم مع احاسيس الانسانية في كيان الفرد، والمتماهي مع مشاعر الحياة الكريمة النبيلة وسط المجتمع، سينعكس في الواقع كمثل ألوان لوحة فنية تبهر الألباب، فتبعث في النفوس بهجة الحياة، و ترفع الإرادات إلى مقامات التمدن والحضارة.