تباينت مواقف الأحزاب السياسية الجزائرية، بشأن قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المشاركة في القمة التأسيسية للاتحاد من أجل المتوسط، التي تنعقد اليوم بالعاصمة الفرنسية باريس، والتي من المرتقب أن يحضرها 42 رئيس دولة وحكومة. ولم يقتصر تباين المواقف بين أحزاب المعارضة وتلك المشكلة للحكومة، وإنما تعدى اختلاف الآراء وتباين المواقف لدى الأحزاب المشكلة داخل كل طرف، اللذين انقسما إلى كتلتين أيضا. فقد انشطرت أحزاب ما يسمى بالتحالف الرئاسي المشكلة للحكومة ولم تتفق على موقف واحد. ففي الوقت الذي أصدر حزب التجمع الوطني الديمقراطي بيانا بارك فيه قرار بوتفليقة وأعلن مساندته المطلقة له، كما عبر عن ثقته في قدرة الرئيس المسؤول دستوريا عن رسم وترقية السياسة الخارجية للبلاد، على الدفاع عن المصالح العليا للجزائر، أشار البيان من جهة أخرى إلى أن المرحلة الحساسة والتغيرات الدولية تفرض على الجزائر الحرص على مصالحها الإقليمية واحترام مبادئها. ولم يكتف حزب الرئيس الحالي للحكومة بمساندة القرار، وإنما راح يشجب مواقف الأطراف التي دعت إلى مقاطعة الجزائر لقمة باريس ومشروع الاتحاد من أجل المتوسط، ووصف تلك المواقف بالمزايدات السياسية، وذلك في إشارة صريحة إلى الأحزاب التي نادت إلى المقاطعة، بسبب تواجد إسرائيل فيها وأن الاتحاد من أجل المتوسط هو مشروع لجر الجزائر إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني. من جانبه حزب جبهة التحرير الوطني، لم يعط موقفا صريحا بشأن قرار بوتفليقة الذهاب إلى باريس، حتى إنه عندما سئل الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم في حضور رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون بالجزار قبل ثلاثة أسابيع رد بعبارة صريحة: '' إن المشروع المتوسطي الذي طرحه ساركوزي خلال ,2007 لم يعد نفس المشروع المطروح حاليا '' ، ليقول قولته التي أزعجت كثيرا الفرنسيين: '' بأن الجزائر اختلط عليها الأمر، هل تتوجه إلى باريس أم إلى بروكسل '' ، وقد اعتبر متابعون ذلك التصريح بأن الجزائر من ضمن الدول التي تعترض على توسيع الاتحاد من أجل المتوسط إلى دول أوروبية أخرى لم تكن معنية بالمشروع لأنها ببساطة غير متوسطية. وسألت '' الحوار '' المكلف بالإعلام في جبهة التحرير والناطق الرسمي سعيد بوحجة عن موقف حزبه، من قرار بوتفليقة، المشاركة في قمة باريس، فرد '' إن الحزب لا يسعه إلا أن يبارك قرار الرئيس، لكون قراره يدخل ضمن صلاحياته الدستورية، وهو أدرى بمصلحة الجزائر، أكثر من أي أحد غيره". وكان موقف شريك جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي في الحكومة، حركة مجتمع السلم '' حمس '' ، يتطابق إلى حد كبير مع موقف بلخادم، وقد عبر عليه رئيس حركة حمس، أبو جرة سلطاني في ندوة صحفية أخيرة، حيث قال '' بأن مضمون الاتحاد من أجل المتوسط يبقى غامضا '' ، محذرا من أن يكون هذا المشروع '' على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني " . من جهتها انقسمت أحزاب المعارضة على نفسها، بين مؤيد ومعارض لتواجد الجزائر في الاتحاد من أجل المتوسط، حيث أن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، يدعم بقوة الانضمام إلى المشروع، بحجة أن المشروع إقليمي، وليس من حق أي كان أن يحرم الشعب الجزائري من الاستفادة من مثل هذه المشاريع، لأنها تتعلق بمصلحة البلد، وهو نفس الطرح الذي جاء به حزب جبهة القوى الاشتراكية، الذي رحب في بيان له، بالمشروع . وعلى النقيض من ذلك، أعرب رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي، عن رفض حزبه المطلق لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط الذي قال إنه سيعمل على تفكيك التكتلات الإقليمية الموجودة على غرار جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي. من جانبه، جدد حزب العمال رفضه للطريقة التي تعاملت بها السلطات مع المشروع المتوسطي، حيث أكد على لسان أمينته العامة لويزة حنون، أن الانضمام إلى المشروع، له علاقة بمستقبل الأجيال، ولذلك أكدت أنه كان من الأجدر تنظيم استفتاء شعبي، من أجل أن يفصل الشعب في ذلك. أما وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة عبد الرشيد بوكرزازة، فقد رافع لصالح قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، المشاركة في قمة تأسيس الاتحاد من أجل المتوسط غدا، بقوله '' لا يمكن للجزائر أن تدير ظهرها لمستقبل منطقة هي جزء منها '' ، متابعا '' ما ينبغي أن نعتز ونفتخر به هو أن الجزائر تحت قيادة الرئيس بوتفليقة قامت بعمل كبير من أجل ترقية التشاور على المستويين المغاربي والعربي من خلال اللقاءات التي عقدت في مصر وليبيا، التي شكلت محورا رئيسيا في تحريك وتعميق التشاور بغية إبراز المواقف العربية وتأمينها بخصوص مشروع الاتحاد المتوسطي " . وبخصوص التحفظات التي أبدتها بعض الأطراف، قال بوكرزازة '' إن موقف الجزائر من القضية الفلسطينية والوضع في الشرط الأوسط ، ثابت وواضح منذ الاستقلال.. ولم يحدث أي طارئ يجعلنا نغير هذا الموقف المبدئي '' . ليضيف '' لا توجد أية مساومة أو مزايدة، بشأن دعم الجزائر للقضية الفلسطينية وللقضايا العربية الأخرى " .وكان محللون في الجزائر قد أكدوا بأن نجاح مشروع الاتحاد من أجل المتوسط رهين احتوائه لمختلف المسائل الإقليمية في المنطقة على غرار التسوية العادلة لقضية الصحراء الغربية وفقا للشرعية الدولية، وقضية الشرق الأوسط وبالأساس إقامة الدولة الفلسطينية، إضافة إلى اعتراف فرنسا بجرائم جيشها المرتكبة في حق الجزائريين خلال فترة الاحتلال التي دامت 132سنة، خاصة وأن المشروع صممت وخططت وروجت له فرنسا منذ الوهلة الأولى.