قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية المالية كان ''نور الدين س'' المهاجر الجزائري إلى إسبانيا يعمل في مصنع للجلود بولاية ''قوالادا'' بإسبانيا، وكان يتقاضى أجره الشهري نظير العمل اليومي الدؤوب والشاق الذي يقوم به، بيد أنه وفي خضم الركود العالمي الحالي تم توقيفه عن العمل إجباريا هو وغيره من الجزائريين والأسبان على حد سواء. وقال نور الدين الذي اتخذ طريق الهجرة إلى إسبانيا منذ حوالي 20 سنة في اتصال مع ''الحوار'' ''من قال إن الأزمة المالية العالمية لا تؤثر على الجزائر بشكل أو بآخر؟ لقد أصبحت الأزمة الاقتصادية تؤثر على الجزائر من الخارج أي بشكل واضح وبمعنى أدق أن المهاجرين الجزائريين في الدول التي مستها الأزمة مستهم هم كذلك، فلقد اضطر الكثير من الذين أعرفهم خاصة في إسبانيا وفرنسا إلى اختيار درب العودة إلى الوطن بعدما فقدوا عملهم الذي كان يدر عليهم ''الأرباح'' التي كانوا من خلالها يسدون رمق عيشهم وتوفير لقمة العيش لأفراد عائلاتهم. ''منذ بداية الأزمة وأنا أجلس في بيتي أنتظر منحة الأطفال لأسترزق منها'' كان كل شيء يمضي على ما يرام حتى أخبرنا المدير أنه لم يعد ثمة عمل بسبب الأزمة الاقتصادية وأن علينا أن نترك المكان فورا''، وأضاف نور الدين ''لقد أصبح وضع التوظيف بالنسبة للمهاجرين في غاية الصعوبة في إسبانيا''. ويؤكد نور الدين بكل مرارة ''منذ انطلاق الأزمة المالية العالمية أجبرت على التخلي عن نشاطي المتمثل في العمل في أحد مصانع الجلود الإسبانية، ومنذ قرابة شهرين أو أكثر وأنا أعتمد في الاسترزاق على منحة أطفالي التي أصبحت بالكاد تكفي لسد رمق العيش، ومازاد الطين بلة هو ارتفاع تكاليف الكراء وغلاء المعيشة هنا في اسبانيا، على غرار الدول الأوروبية الأخرى. ويحكي ويقول ''مثلي مثل الكثير من أفراد الجالية الجزائرية في اسبانيا فقدوا عملهم ولم يتبق لهم سوى الرجوع والعودة إلى الجزائر، ولكن ما يؤرقني هو أنني لا أملك منزلا استر فيه نفسي وعائلتي بسبب أن فكرة العودة إلى الوطن لم تكن في الحسبان على الإطلاق. ''الأزمة المالية فرقت بين الزوج وزوجه'' وقال نور الدين وهو في حوالي الأربعين من عمره ''الآن وقد قررت العودة إلى بلدي فإنني سأفكر فيما عساي أن أفعل لإعالة زوجتى وأولادي الثلاثة، لكني أرى أنه هنا أيضا لا يمكن الحصول على عمل بسهولة والوضع حرج خاصة وأنني سأعود صفر اليدين بعدما استهلكت هناك كل مدخراتي في سبيل تأمين العيش الكريم لعائلتي''، وأردف قائلا ''حتى عائلتي لم ترحب بفكرة رجوعي إلى الجزائر كون منزل والدي لا يتسع لي ولأفراد أسرتي جميعا مع العلم أن أخي وعائلته تقطن في نفس المنزل، فكيف سنعيش جميعا في بيت واحد. وهذا سؤال لطالما أرقني كثيرا ولولا ما أعانيه في ديار المهجر ما فكرت في الرجوع وحتى العائلة لا ترحب بفكرة عودتي''. لكنه ورغم كل هذا الأمر يقول إن هناك ثمة مشاعر متباينة تعتمل داخله ما بين سعادة بوجوده بين أفراد أسرته من ناحية وحزن وإحباط من ناحية أخرى جراء البطالة التي سيعاني منها أنه يأمل في تحسن الأوضاع حتى يستطيع العودة إلى إسبانيا. وحسب نفس المتحدث فإن صديقه الذي يقطن معه في إسبانيا حدث شرخ كبير بينه وبين زوجته بسبب الأزمة الاقتصادية كون عقليته لم تتقبل فكرة العودة إلى الوطن، ولم تتأقلم بعد مع فكرة إفلاس زوجها المادي خاصة وأنها يقول نور الدين كانت تعيش وفق طريقة ''اطلب يحضر'' حيث كان زوجها لايتوانى عن تلبية مختلف طلباتها المكلفة، وما إن وقع في ضائقة مالية طلبت الطلاق منه لتعود إلى بيت أهلها لأنها حسب ما روى لي يقول نور الدين كانت مدللة عند أهلها ''الأغنياء''، ولم يجن هو سوى فقدان المال وتفكك أسرته الصغيرة. وخلص نور الدين إلى القول ''لقد انتهى الحلم الأوروبي بالنسبة لي ولعدد كبير من المهاجرين الجزائريين الآخرين إلى جانب الآخرين من دول المغرب العربي''. إلى ذلك تلقت ''الحوار'' عدة شهادات من مهاجرين مغتربين في الخارج فقدوا عملهم الذي كان يعيل أفراد عائلتهم بسبب مخلفات الأزمة المالية العالمية التي دخل في دوامتها العالم بأسره ولم يجد المحللون والخبراء حلا لهذه المعضلة لغاية اليوم. وقد أجبرت الأزمة في أوروبا آلاف العمال على العودة إلى بلدانهم كما أنها تسببت في انخفاض غير مسبوق في تحويلات المهاجرين وهي الأموال التي يرسلونها إلى ذويهم في الجزائر ''.