الشعر ليس بالضرورة أبياتا وقصائد ووزنا وموسيقى .. ثمة نثر نجح وخلد بشعريته، هناك نصوص نثرية وأعمال روائية صنعت أدبا يلامس شغاف القلب لشعريتها الفائضة، وملامستها مكنونات الكائن البشري.. مثل تلك الأعمال تساعد الإنسان على فهم معنى الحياة .. والرواية اليوم تشمل الحياة بحالها .. تحتضن الكون بأسره وتكرس نفسها للإنسان بمعناه الأكمل .. نحن اليوم في عصر الرواية، وهذا لا يعني أننا لسنا في عصر الشعر .. ولعل الرواية ما جاءت إلا لتكريس الشعر.. إنسان هذا العصر هو في أمس الحاجة للفن الروائي والشعري حتى لا تحوله التكنولوجية والثورة المعلوماتية إلى مادة تتلهى وتجرب فيها جنونها وآليتها .. ومن مزايا الرواية التي ربما تتفوق بها على الشعر أنها مؤهله لأن تكون متى أرادت نثرا كما أنها قادرة على أن تكون متى أحبت شعرا.. الرواية يمكنها أن تصنع من نثريتها أعظم الأشعار.. وقد تلامس بمعانيها وشفافيتها شغاف القلب.. الزمن الضائع لبروست، ومائة عام من العزلة لغابريال غارسيا ماركيز، وذاكرة الجسد لمستغانمي، والغثيان وغيرها من الروائع الأدبية التي خلدت بفضل جمالياتها الشعرية وسبرها لأغوار النفس البشرية.. والرواية كما يراها آرنستو ساباتو هي ''عالم الأحلام والأوهام والأماني والواقع الذي لم يكن أو لم يستطع أن يكون''، والرواية عموما جاءت لتخلص إنسان العصر من الأزمة الروحية التي يعيشها فهي تعالج وحدته، وتطرح أسئلته في عالم انهارت فيه القيم وتنامى فيه تشويه إنسانية الإنسان.. والرواية بوصفها جنسا أدبيا متكاملا وكليا نجد في قلبها شعرا، ونجد تركيات جمالية أخاذة قد لا توجد في كثير من القصائد والنصوص الشعرية، يركز أكثر على مهمة تلوين وتنميق الكلمات كأنما يرسم بالكلمات، في حين تعتمد الرواية على البساطة وعدم التنميق اللغوي، ومن منا لم تأسره تلك الشفافية الأخاذة التي تحفل بها أعمال كافكا وأيضا أعمال كامو ومحمد ديب، وكاتب ياسين وغيرهم ممن اتخذوا الهمَ الإنساني التيمة الأساسية لإبداعاتهم.. من أجل ذلك تمنيت لو حظي الروائيون بالمشاركة في ''العكاظية'' الحدث الشعري الأبرز الذي احتضنته الجزائر مؤخرا .. ما كان يلزم هذا العزل للروائيين والعمل بمنطق إذا حضر الشعر غاب النثر، أو العكس مع أن كلاهما مكرس لتخليص الإنسان من البشاعة والشر.