أحلام مستغانمي كاتبة جزائرية مغتربة: "إنه بلزاك الجزائر" "الحريق"؟... و"ثلاثية" محمد ديب التي صنعت منه في البداية "بالزاك الجزائر" وجعلت الجزائريين يعيشون في السبعينيات حالة انعطاف وهم يتابعون تحويل تلك الرواية الى مسلسل أشعل النار في التلفزة الجزائرية، لفرط صدقه في نقل الهوية الجزائرية ووصفها بحيث لم يضاهه جودة حتى اليوم أي عمل سينمائي جزائري. في ذلك المسلسل اكتشفت محمد ديب الذي علقت نيرانه بتلابيب ذاكرتي، وصنعت وهج اسمه في قلبي وبعد ثلاثين سنة، أصبحت بدوري كاتبة جزائرية تصدر أعمالها مترجمة في إحدى كبرى دور النشر الفرنسية. كانت مفاجأتي ومفخرتي في كونها الدار التي تصدر عنها أعمال محمد ديب. فقد أمدني بها ناشري هدية ليقنعني بمكانة مؤلّفيه الجزائريين اللذين هما محمد ديب وآسيا جبار، من دون أن يدري أنه رفعني بكتّاب الى قامة كاتب كان يكفيني فخراً أن أجالسه يوماً. جمانة حداد شاعرة من لبنان: "الشعر كمون الرواية" يميل معظم النقاد إلى إيلاء أهمية كبرى لنتاج محمد ديب الروائي على حساب أعماله الشعرية، آخذين في الاعتبار المعيار الكمّي الذي يغلّب الفئة الأولى على الثانية، ومتناسين بذلك واقع أن رواياته ليست سوى استمرار لشعره، وهو القائل إن "القصيدة هي كُمون الرواية". فنثره يعبق شاعرية، لا بل يترنّح حتى الإغماء على حافة البئر الشعرية. كأن لغته، التي تحدّت على مرّ ثلاثين مؤلفاً في الشعر والرواية والمسرح وأدب الأطفال والقصة، قيود الأنواع الأدبية وقواعد الكتابة التقليدية ذات الخامة الأحادية، كأنّ هذه اللغة إبحار متواصل بين الشعر والنثر، على نحو "يشعرن" النثر و"ينثرن" الشعر في عملية تهجين وتلاقح وتناضح مُسكرة، فنرى كيف أنه كتب مثلا رواية في جسد قصائد "نشوة لوس انجلس" أو كيف تطالعنا في قصصه جملٌ وتأملات شعرية كثيرة على غرار هذه: "الظلال التي تضيّعها الغيوم على الطريق تهيم في الحقول، تهيم في حيرة هائلة. نحن نهيم أيضا، ولكن ظلال أي غيوم نحن؟"، ناهيك عن الأبخرة الحلمية والغرائبية التي تتصاعد من بعض مؤلفاته على غرار أجواء "من يتذكّر البحر" و"سيمورغ" وغيرهما. ولطالما أصر ديب في الواقع على "مواطنيته" الشعرية فكان يردد باستمرار: "إنني شاعر في الجوهر وقد أتيت إلى الرواية من الشعر، لا العكس". في رأيي الشعر سمة جوهرية موحِّدة تلفّ كل عالمه وتترقرق كمياه الجدول في تربته الروائية الخصبة وهو الذي وصفه الطاهر بن جلون ب "الصوت المسكون بالشعر". جورج سالم كاتب صحفي من سوريا: "ديب ليس فيه من الفرنسية إلا اللسان" شهدت خمسينيات هذا القرن ظهور ثلاثيتين كبيرتين تعتبران بحق حدثاً بارزاً مهما في تاريخ الرواية العربية عامة وفي النتاج الروائي الواقعي على نحو خاص: أولاهما ثلاثية "الجزائر" لمحمد ديب، والثانية ثلاثية نجيب محفوظ. ولقد طمحت كلتا الروايتين إلى تصوير الواقع العربي، سواء في الجزائر أو في مصر، تصويراً حياً، فوفقتا في ذلك أبعد توفيق. وإذا كان محمد ديب قد كتب أثره هذا باللغة الفرنسية، فإن نتاجه يظل عربي القلب والفكر، فبيئته وأبطاله ومشكلاتهم هي من الواقع العربي في الصميم، بكل ما فيه من فقر وتخلف ورغبة في التحرر السياسي والاجتماعي، وليس فيه من الفرنسية إلا اللسان الذي فرضه الاستعمار حوالي قرن ونيف، وأن في دراسة هذه الثلاثية ما يوضح ذلك. الملحق الثقافي لجريدة النهار اللبنانية: "خسرته نوبل أكثر مما خسرها" ليس من المغالاة إذا اعتبرناه أحد الشعراء والكتّاب القلائل الذين انتمت إليهم اللغة الفرنسية بقدر ما انتموا إليها. بل هو أحد كبار الآباء الفرنكوفونيين في العالم إلى جانب كثير، بينهم جورج شحادة وكاتب ياسين وليوبولد سنغور وآخرون. إنه صاحب أدب لافت ذي منازل كثيرة. فبين أناه الشعرية وأناه الروائية، أبحر محمد ديب في خضمّ السوريالية والرمزية والباطنية والغرائبية والصوفية والإيروسية والكافكوية والواقعية واللاواقعية والفردية والجمعية، ليترك عند كل ميناء من هذه كلها كتاباً أو كتباً تتوزع بين الشعر والرواية والقصة وأدب الأطفال والمسرح، حتى لا يمكننا القول إن نوبل خسرته أكثر مما خسرها هو. محمود قاسم كاتب من الأردن فى إبداعه الشعري والروائي، فهو يتعامل مع الكلمة باعتبارها خيطا يمكن غزله مع كلمات أخرى ليصنع جملة أدبية أو عملا إبداعيا متميزا، ولذا فقد راح يعايش شخصيته المتخيلة "عمر" قرابة أربعة عشر عاما. حتى انتهى من تأليف الثلاثية وربما لسنوات طويلة بعد ذلك.