يروي لنا إخواننا النصارى في كتبهم المقدسة الكثير عن العشاء الرباني الأخير، والذي قسم فيه على حوارييه كسرة وخمرا، قبل أن ''يبيعه'' يهوذا الإسخريوطي لسلطات الاحتلال الروماني، والتي فعلت فيه ما فعلت قبل وأثناء وبعد الصلب، أو هكذا يعتقدون، من يوم الأربعاء ساعة القبض عليه إلى وفاته بعد الصلب يوم الجمعة، وقد أحسن الممثل ''ميل غيبسون'' تصوير الساعات الأخيرة للمسيح عليه السلام في فيلمه الرائع ''آلام المسيح''، استنادا لما أوردته كتبهم المقدسة ورسائل حوارييهم المعصومين على مذهبهم طبعا. وكما أسرفنا في الحديث على حلقات حول علم الأبراج وفنون التبرج، هذا العلم الذي فاق في مفعوله وتغييره لوجه العالم علمي الحواسيب والذرة، حتى أن ما يحويه برج واحد من يورانيوم مشع وغير مشع، وما يحويه تبرج واحد أيضا من بلوتونيوم مشع وغير مشع بإمكانه تفجير الكرة الأرضية الشبيهة بحبة ''دلاع'' كبيرة إلى أبراج عديدة، و''تبرجات'' على وزن تعرجات متعددة أيضا، والحكمة كلها في البرج الأخير، وفي كل أخير. وقديما عرف عن الجزائريين تمسكهم الأسطوري بالرشفة الأخيرة لمشروب القهوة، حتى أن قاموس الأمثال عندنا تعزز عزة قل نظيرها عند الأقوام الآخرين، بعد أن نشبت المعارك الشبيهة بحروب داحس والغبراء، إثر استيلاء أحدهم على الرشفة الأخيرة مما تبقى في فنجان القهوة لشخص آخر، أقول قاموس الأمثال تعزز عند هؤلاء وهم يعبرون عن مدى أهمية الرشفة الأخيرة ودرجة قدسيتها التي تضاهي قداسة الأناجيل المحرّفة، فابتدعوا لها ذلك المثال الأسطوري البالغ البلاغة، الذي حيّر أساطين اللغة والأدب، وفلاسفة الجمال، فقالوا منافحين عن ذلك التمسك، ودفاعا مستميتا عن تلك الرشفة المقدسة بقداسة غير المقدس بالقول المأثور المسطور والمنظور ''حلاوتها في زعكتها''. و''الزعكة'' هنا، بمعنى الأخير و''التالي'' و''التالية'' على لهجة أهالي الغرب الجزائري مع خلاف لفظي حول تذكيرها أو تأنيثها، والصحيح جواز الوجهان فيها، ولا يذهبن أحد بتفكيره وهو يتأمل مفهوم ''الزعكة'' أو بالعربية الفصحى ''الذيل'' ويستكنه معانيها ويسبح على شواطئها إلى ''الحرقة'' إلى خارج قاموس أصحاب ''القهاوي''، ورواد تلك الأماكن الجميلة والجليلة، الموشحة بكل ألوان الأدب والأخلاق العالية، على رواية عادل إمام ''وعلى خلق'' !!! ولعلماء المناهج والجغرافيا دراسات عديدة حول موقع ''الزعكة'' باستثناء الرشفة الأخيرة لمشروب القهوة، فهناك من له ذيل في مؤخرته، وهناك كثيرون ممن لهم ''زعكات'' و''زعاكي'' (البصريون يجمعونها على السالم والكوفيون على التكسير) في مقدمتهم أو بالأحرى في رؤوسهم، وإذا عرف السبب بطل العجب، رغم أن شبه الإجماع منعقد على أن مكان ''الزعكة'' في ما أعرف وتعرفون، والاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها، إلا أن الحديث في هذا الأمر الجلل ذو شجون. وسأقتصر في هذا المقام على تعداد فضائل وفوائد ''الزعكة''، لأن المخلوقات على وجه البسيطة لا خير محض فيها، كما أنه لا شر محض فيها، وبالخير تتميز الأشياء. أولى تلك الفوائد أن أيادي الجزائريين مجبرة كل سنة على مقربة من عيد الأضحى على ممارسة رياضة ''مس'' ''الزعاكي''، وهي كما أعلم وتعلمون رياضة مفيدة للأصابع، حتى أن اللجنة الأولمبية الدولية تفكر في إدراج هذه الرياضة في الأولمبياد القادم الذي لا اعرف من سيستضيفه، فتجدنا نحن الجزائريين وأنا واحد منهم ننتظر ذلك اليوم الذي نتجه فيه إلى سوق الماشية بشغف، لنتحسس ''زعاكي'' الكباش ونتخير منها ما يصلح للأضحية، ويطعم الأفواه التي تنتظر اللحم بشوق يفوق شوق مرتشف القهوة وهو ينتظر الرشفة الأخيرة ليعلن فوزه على الفنجان ومشروب القهوة وصاحب المقهى. كما لا يفوت التذكير بأن هذه الرياضة لا تخلو من مخاطر، فقد تنفجر عليك بقايا بعرة، أو تنهمر على يديك غير الشريفتين سيول من المادة التي تخرج عقب الإسهال من ''زعاكي'' الخرفان، لاسيما إن تزامن عيد الأضحى مع موسم الربيع، أو من كثرة ممارسي تلك الرياضة مع ''الزعكة'' الواحدة، لاسيما ونحن العرب كثيرا ما نصر ونلح إصرارا. وثاني تلك الفوائد، هو ذلك الحرص من أمهاتنا وهم ''يستحفظون'' على ''زعكة'' الأضحية بعد التقرب بها إلى الخالق عز وجل، من أجل تحضير طبق دسم يصيب آكله بالإسهال الحاد، والتخمة الزائدة عن اللزوم، وروى لنا أكثر من مجرب عن تلك اللذة والمتعة العالية، من أكل ''الزعاكي''، والتي فيها من الفوائد ما تمنح آكلها مناعة أبدية من الإصابة بأنفلونزا الخنازير، على عكس تناول ''زعكات'' غير المؤخرة فإن إثمها وضررها أكثر من نفعها. وثالث تلك الفوائد، هي أنه كلما قرب تموقع الصوف نحو ''الزعكة'' وفقا لسياقات تاريخية و''بعرية'' فإنه تكون أصلح لصناعة مداد أو حبر طلبة الزوايا وهم يخطون على الألواح ما يريدون حفظه من كلام العزيز الخبير، على ربوع الزوايا المنتشرة على طول الجزائر وعرضها، فقيمة تلك الصوف من قيمة ما نبتت عليه وقربت منه. وفي إطار التداخل الكبير بين ''الزعكة'' والبرج الأخير القائم مقام النواة، والذي على أساسه تنضم الأبراج برجا برجا لتشكل ''الدلاعة'' السابق ذكرها، فإن لهذا العضو تأثير كبير في صياغة العلاقات الدولية عموما، وعلاقة الشمال بالجنوب طبعا، فدول العالم الثالث في مقام ''الزعكة'' المليئة بالشحم، المعبّر عن المواد الأولية والثروات، والتي يتعامل معها الغرب القوي وفقا لقوانين لعبة رياضة مس ''الزعاكي'' مع الأضاحي، وإذا أرادت دولة من الدول الثالثية الخروج من محيط ''الزعاكي''، أو ''النش'' بها على الذباب الهاوي هنا وهناك كما فعلت عراق صدام حسين، وكوريا الشمالية وإيران، وفنيزويلا، إلا ومنع عنها ما يضمن لها تصنيع شحمها واستغلاله وفقا لحاجياتها، حتى تركن وتجعل من ''زعكتها'' ملكا مشاعا لا يروي عطشا ولا ينش ذبابا، وبالمختصر المفيد يريدون منها أن تبقى ''زعكة'' مرادفة للمؤخرة بكل معانيها، وهو ما يصادم فطرة إنسان العالم الثالث وطموحاته. والمضمور الذي لا يحتاج إلى تسليط ضوء، وهو ما يدركه الجميع أن أسوأ مساوئ ''الزعاكي''، هي القدرة على ممارسة التبرج، ولها فيه عجائب وفنون، وهذا من مدوخات ''البرج الأخير''، لاسيما مع شرعنة أصحاب ''بولحية'' لمشروب الشعير بلا ''كحول'' طبعا، ولله في خلقه شؤون من هذا الفعل المضمور.