اقتربت منك فلم أجدني قربك وقلتُ أحبكَ فخرجتُ من قلبكَ وناديتك ، فضاع الصوت في بهاك وأمسكتك من يدي وقلت لي ، تحرر تحرر من معناك فمات قلبى سعيدا على ثراك وقلت لك ، أرحم يا إلهى مولاك صرت صوفيا مملا وغريبا ، أفكر في أمور لا تعنيني مباشرة ، أمور لا تمت لحالى الراهن ألبتة ، فعندما أكون جائعا أفكر في أن أرقص في البحر أو أنصب مظلة للتشمس، وعندما أكون ضجرا أرحل بقافلتي إلى أهرمات القمر بالمكسيك ، وكلما سرت في طريق إلا وأشعر بأنني أمشى فوق بيانو عظيم وينبغي لى أن أختار المفاتيح الصحيحة لكي ينضبط الإيقاع، وصارت مخلفات البشر الفكرية والحضارية بمثابة أضحوكة لا يزال تخترعها الطفولة الإنسانية المرهقة والمراهقة ، لم يعد أخشى على شيء ولا يبهرني شيء ، لا السياسيون ولا الفنانون ، ولا الرياضيون ، ولا الروايات العظيمة ، خلا من أنها تشاركني في الذاكرة، وذلك هو العزاء الوحيد والرابط الأخير بيني وبين سمكة شبوط أو نمر الجولولو، النسر الأمريكي ، أو إنسان ما . يبدو لي أنني تخلصت أخيرا من المخلفات الفكرية والتراثية المزمنة التي ترزح من عبئها شعوب المعمورة ، وفي غمرة التحرر تفطنت واكتشفت قدرات نفسي وطاقتها ، ولم يعد يرعبني شيء ، أو أنتظر شيئا ما ، أو أتوقع شيئا ما ، أو آمل في شيء ما ، لقد صرت حرّا ، وصارت لأفكاري ميزة الجنون والغرابة ، كذا ملابسي ، وحتى سوالفي العريضة والطويلة وشنبى المنفوش والمعقوف كالسيوف العربية ، وكذلك شعري المجعد المتراكم ميزة خاصة بى، نالت في البدء من الاستغراب والسخرية كثيرا ولكنها في الأخير بقيت سيماء لرجل يفكر في الوجود وفي الشؤون الصغيرة أكثر مما يفكر الصحافيون بالساسة أو الناقدون بالأدب ، أو الفلاحون في الغيوم الزاحفة من الشرق . عمري الآن خمسة وعشرون ربيعا وأحس أنني أعيش في خريف العمر الأخير ، ولا أخفى أنني رغم قلة الحال ، إلا اننى أشعر بأنني صرت كالبريكتلوس ، أملك كل شيء وفي يدي مفاتيح الدنيا ، وعلى شرفتي المتواضعة أطل على ما أريد . لم أعد أحتاج لوسائل البشر من لغة ومصطلحات و أفكار لأتواصل مع أسرار الكون، وقد يخاف البعض لو قلت، إنني أستعمل لغة أفصح وأعمق ولا حدود لها تشبه الموسيقى في حريتها مع الكائنات الكونية من نبات وحيوانات والأحياء الدقيقة.. وكلمة السر ، تحكم في تفاصيل حياتك الدقيقة وسترى العالم يفتح لك مجاهيله وأغواره المكتنزة بالذهب والدهشة وما يؤسفني أننى أحس بتعب شديد جراء كل فكرة أقتنصها من بحر النار المظلم والسحيق . ولكن أليست ضريبة تافهة قبالة ما يمكنني أن أصفه بالإنعتاق الأكبر والأوحد إلى الذات العظمى؟.