انتشرت محلات "الشيفون" بالعاصمة كالفطريات ولم يعد يخلو منها أي شارع مهما كان راقيا وكأن نظرة الناس إليها قد تغيرت, فالفريب هو الآخر أنواع وأجوده "الفريب كلاس" الذي له زبائنه الخاصين جدا ومحلاته التي تتربع على الأحياء الراقية هي الأخرى ,في حين يبقى المواطن ضعيف الدخل يكتفي بشيفون الطاولات ذو الرائحة النفاذة التي لا تختفي ولو غسله عشرات المرات ,لكن "واش يدير الميت في يد غسالو" فلا خيار أمام عائلات تعيش تحت خط الفقر ويعاني أربابها البطالة إلا طاولات الشيفون ومحلات الفريب شهدت الكثير من أحياء وشوارع العاصمة انتشار تجارة الملابس المستعملة, حيث عرفت محلاتها تغيرا ملحوظا في وقت وجيزنتج عن تطور نشاطها التجاري وصارت لافتات "فريب" ظاهرة للعيان تلفت الانتباه وتسترعي الإهتمام خاصة وأن الملابس صارت تعرض على قارعة الأرصفة وتصدم رائحتها النفاذة المارين وتخترق أنوفهم رغما عنهم. لكنها رغم ذلك كانت ولازالت تجد زبائنها الأوفياء ليس فقط من الفئات البسيطة بل المتوسطة أيضا ,فالشيفون على ما يبدو لا يعلى عليه لأنه أيضا أنواع ومنه ما ليس في متناول الجميع . ويحتكر شارع حسيبة لوحده أكثر من سبعة محلات للفريب , والمتجول فيها ليفتأ يخرج من أحدها حتى تفاجئه لائحة أخرى لمحل آخر مجاور. دخلنا أحد هذه المحلات بمدخل حسيبة فلاحظنا فيه اكتظاظا كبيرا على أساس أنه يوم وصول السلعة الجديدة وعلمنا من صاحبه أن الأيام التي يعرف فيها المحل إقبالا ملحوظا هي أيام وصول السلعة الجديدة وأيام الصولد وتسريب السلع الموجودة بأسعار رمزية ,الأمر الذي يعتبر فرصة لجل المواطنين وليس الفقراء ,فصاحب المحل رفض تسمية زبائنه بالفقراء مؤكدا أن "الفريب" سلعة محترمة وأغلبها "كلاس" و"ماركة" وهي وإن كانت قديمة فهي أحسن من التايوانية وإن كانت جديدة .وأغلب من يقبلون عليها يبحثون عن سلع متميزة لا يقدرون على تكلفتها حيث تباع جديدة. وأضاف صاحب المحل أنه ككل تجار الشيفون يتحمل الربح والخسارة في هذه التجارة ف"البالا" يستلمونها مقفولة ولا يعرفون ما فيها كالقمار ,سلعة يجدون ملابسها مغرية تجد الإقبال المطلوب وأحيانا لاشيء فيها "يستهل" كما قال التاجر .وعن الروائح التي تملأ المكان وكل مكان تباع فيه ملابس"البالا" أضاف أنه شخصيا يتولى وعائلته تنظيف وكي الملابس قبل عرضها ,وكذا تصنيفها حسب الجودة والنوعية التي تحدد السعر . أما الأسعار فقد استطلعناها عن قرب لنكتشف بالفعل أنها ليست هينة ,بل أن بعضها يتجاوز سعر الجديد والسبب حسب ذات المصدر هو أنها "ماركة" وهي إما من إيطاليا أو فرنسا أو غيرها , لكن المهم أنها أصلية.فالأحذية الرياضية مثلا وجدنا بعضها ب 1600دج وهو نفس سعر الجديد منها وتجاوز سعر سراويل الجينز الشبابية ال1200دج . " الفريب كلاس تجارة مربحة" تتوزع محلات "الفريب كلاس" كما يطلق عليه أصحابها , عبر أرقى الأحياء العاصمية لتجاور محلات فروع أزياء ماركات معروفة على المستوى العالمي , التي لها زبائنها الذين يتعاملون مع التجار بسياسة البيع تحت الطلب فيختارون لهم أجود ما تحتويه "البالا" عند دخول كل موسم جديد , خاصة في فصل الشتاء الذي تشهد فيه هذه المحلات على أنواعها رواجا كبيرا .نظرا لما يتطلبه هذا الفصل من ملابس يفضل أن تكون مستوردة . ففي حي اسطاوالي مثلا الذي لا تفصله عن إقامة الدولة سوى بضعة أمتار حدث انقلاب في محلاته, لأنه تحول في وقت وجيز إلى قبلة لعشرات محلات "الفريب" ,هذه الأخيرة التي غيرت نشاطها التجاري أيا كان لتتنافس على بيع الملابس المستعملة والأحذية والحقائب اليدوية وحتى الملابس الداخلية والغريب أن هذه الأخيرة تجد إقبالا من طرف السيدات على أساس أنها مستوردة وتباع بأسعار بخسة وأثناء جولتنا بهذه المحلات التقينا عددا منهن وهن يترجين البائع أن يخفض لهن في أسعار هذه الملابس التي اشترينها في الآخر مابين 20 إلى 50دج للقطعة .وسألنا السيدات حول ما إذا كانت لديهن مخاوف حول هذه الملابس الحميمية التي استعملت من قبل من طرف أجانب,لكنهن أجبن بكل ثقة أنهن متعودات على اقتناء مثل هذه الملابس الداخلية المستعملة ,دون مشاكل خاصة وأنهن يقمن بغسلها جيدا قبل استعمالها.وبالنظر إلى الأسعار المتدنية لهذه الملابس أدركنا أن الفقر والعوز وحده هو الذي دفع بهؤلاء النسوة إلى اقتناء الملابس الداخلية المستعملة والتي سبق لأخصائي الجلد والأمراض المعدية أن أطلقوا صيحات الإنذار محذرين من عواقب اقتناء الملابس الداخلية المستعملة التي من شأنها أن تنقل عدوى بعض الأمراض الجنسية المعدية أو حتى الأمراض الجلدية والحساسية .رغم أن الدكتور أولمان المختص في الأمراض المعدية والأوبئة يقول بأن هذه الملابس لم تسجل حالات عدوى لأنها تعرض على لجنة رقابة عند دخولها الميناء وتتم مصادرة "البالا" المشكوك فيها أو التي يرى الخبراء أنها تحمل فيروسات خطيرة أو معدية وقد سبق وحدث ذلك .في حين يحذر الدكتور أولمان من الملابس الداخلية ويرى أن تجنبها نهائيا أفضل مشيرا إلى أن ذلك يرجع إلى درجة الوعي التي يتمتع بها المواطن. "الإقبال على الشيفون في تزايد هذه الأيام" تعتمد الكثير من العائلات كثيرة العدد على كسوة أولادها من محلات "الشيفون" بل وتخصص لذلك ميزانية بين الحين والآخر سواء عند الدخول المدرسي ,الأعياد أو دخول موسم الشتاء .وهو الأمر الذي لاحظناه بعدة أحياء بالعاصمة منها الحراش التي يباع فيها الشيفون برخص التراب , وفي أحياء أخرى كعين بنيان أيضا , حيث التقينا مجموعة من الأطفال رفقة أمهاتهم يرفضون دخول هذه المحلات خجلا من أن يراهم أصدقاءهم وزملاءهم في الدراسة , ومن خلال أحاديث أمهاتهم علمنا أن الأطفال يعيرون بعضهم في المدارس بهذه الملابس لو صادف أن شوهد أحدهم في محل أو طاولة لبيع الشيفون ورغم إصرار أمهاتهم على دخولهم لتجريب مقاسات الملابس إلا أنهم ورغم صغر سنهم شعروا بالحرج واعتصموا بمدخل المحل .في حين انشغلت الأمهات باختيار بنطلونات "الجينز" والألبسة والأحذية الرياضية التي تباع بأسعار معقولة وهي التي أعيت أرباب الأسر ,بحيث لم تتردد إحدى الأمهات من إبداء تذمرها من ابنها الذي لم يتجاوز سنه ال13 سنة ورغم ذلك لا يعمر له حذاء أكثر من شهر واحد بسبب إدمانه على لعب كرة القدم في كل وقت وحين بطريقة عنيفة ما يتسبب في تمزيق الأحذية . وفي حين نجد مثل هذا السلوك في العاصمة ,تبقى بعض ولايات الداخل وضواحي العاصمة تعيش على ملابس "البالا" بلا خجل لأن الكثير منها لا يقدر حتى على ثمنها نظرا لغلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية للأسر الجزائرية خاصة منها كثيرة العدد والتي يعاني أربابها من البطالة .