- في أمريكا: خاطر بحياته وتسلق أخطر وأعلى القمم الثلجية من أجلها. - في فرنسا: أمضت ليلة كاملة في قصر مهجور ومسكون بالجان والعفاريت لوحدها.. من أجلها - في بريطانيا: عرّض نفسه لخطر الموت وواجه أسدا في قفصه.. من أجلها. - في إيطاليا: مشت على طريقة بهلواني السيرك على حبل معلق.. من أجله - في اليمن: شنق نفسه.. من أجلها - في الجزائر: شربت مادة روح الملح.. من أجله - في تونس: ابتلعت علبة مسكنات كاملة.. من أجله في بلدان أخرى كثيرة حدث مثل هذا وأكثر من أجلها ومن أجله.. هذا ليس من قبيل هذياني المعتاد.. إنها نماذج لقصص عشاق واقعية عرضتها إحدى الفضائيات الأجنبية.. الحب لازال موجودا.. نعم موجود في هذا الزمن.. رغم كل ما حدث للناس وللعالم وللزمن وللطبيعة.. لا زالت هناك قلوب تخفق وتعيش وتموت حبا وعشقا.. نعم الحب رغم كل شيء لا زال حيا يرزق.. ونحن في الألفية الثالثة.. ألفية الرقميات والمعلومات والتكنولوجيات والروبوتيك والبوليتيك والعولمة والحروب والدم والأمراض والإرهاب والاحتباس الحراري.. كل ذلك والناس تحب وتغرم وتذوب عشقا وهياما.. أردت أن أحدد شعوري إزاء ذلك فما استطعت.. ولم أعثر على الجواب الشافي.. - أحقا لازال هناك ذاك الحب العذري.. ألا زالت توجد تلك العواطف الملتهبة الصادقة بين الجنسين؟ هل نجا الحب بنفسه من بطش الكمبيوتر والانترنيت وبذخ الغش والكذب وقساوة الشكليات وجنون المظهرية والمادية.. ألا زالت القلوب قلوبا.. ألم يتغير نبضها وتفتر حرارتها ويتغير شكلها.. وأصبحت مثل محفظة نقود مثلا أو صندوق مجوهرات وهل مازال العشاق يرسمونها على الجدران ويوشمونها على الزنود مخترقة بذاك السهم الحاد الذي يقطر دما أحمر؟ القصص التي بثتها تلك القناة على مأساويتها وتراجيديتها جعلتني أصحح أشياء أفسدت فكرتي عن الحب لكثرة الخيبات والمواجع والخيانات التي تحيط بنا.. الفيلسوف نيتشه لا تعريفيته الخاصة للحب: هو الوجع البريء، هو التعاسة البريئة.. هو ألم الطفل المفصول عن أمه.. في حين يصفه فرويد بمزيج من الغيرة والأنانية والقلق وحب التملك والرغبة والشهوة المضطرمة.. يعني أن المسألة وما فيها ليست أكثر من مجموعة غرائز وحسابات تعتمل داخل الإنسان فيحسبها حبا... كلا التعريفين لا يبعثان عن حب الحب ولا تمنيه.. ومع ذلك تبقى دخيلة الإنسان تنشده وتحلم بلقائه في كل زمان ومكان.