تعتبر القنوات الإذاعية أكثر الوسائل الإعلامية ملامسة للعامة، وهو الأمر الذي أدى إلى ميل مستوى الأداء اللغوي للإذاعيين إلى لغة الشارع في محاولة لتسهيل عملية التبليغ الإعلامي للجمهور، متسببا في انخفاض حاد في مستوى اللغة الإذاعية، وهو الأمر الذي قد يدفعنا اليوم إلى دق ناقوس الخطر، خاصة إذا أدركنا خطورة الخطاب الإعلامي، الذي لا يصب في الآذان، فحسب بل وفي الأذهان أيضا. من هذا المنطلق ارتأت الحوار استقصاء آراء بعض الإعلاميين والمختصين حول تقيمهم للمستوى اللغوي للإذاعيين، فكانت لهم هذه الآراء. العربي ولد خليفة، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية: في بعض الأحيان نسمع بعض الأخطاء في النطق وتركيب الجمل، ولكن مقارنة بالإذاعات العربية فان أخطاء المذيعين الجزائريين غير مشوهة للغة العربية، وشخصيا أرى أن بعض التكوين والمتابعة لبعض الصحفيين كفيل بإيصال الإذاعة الوطنية إلى تحقيق النموذجية من حيث الأداء اللغوي، وأرى أن الوصول إلى المستوى المرجو يستدعي اعتماد اللغة الوسطى، وهي اللغة المفهومة الدقيقة التي تتحاشى المصطلحات الغريبة والكلمات الميتة من اجل ترقية الذوق، لان التقرب من المواطنين لا يستدعي استعمال اللغة السوقية الهجينة، والمطلوب من الإذاعيين والصحفيين الارتقاء بالمستوى اللغوي للجمهور وليس تكريس اللغة الهجينة. لمين بشيشي، وزير سابق للإعلام والاتصال: خلافا للمشرقيين الذين يهتمون بالمحتوى ويدوسون على القواعد، نحن لدينا حماس لاحترام القواعد اللغوية والبلاغية والصرفية، واعتقد أن الجزائر تضم أقلاما لا بأس بها، وأن الإعلاميين اليوم يعبرون كما يريدون، فهناك وجهات نظر اليوم تقدم للجمهور، وفي هذا الجانب أحيي الأصوات الناطقة باللغة العربية، واعتز خاصة بالصوت النسوي الذي أجده غزا الميدان الإذاعي وغير فيه إلى الأحسن. صالح بلقيبي سفير سابق بمصر: السؤال الذي يطرح اليوم للأسف، هو هل أننا أمام حصص باللغة العربية أم غير ذلك؟ ففي بعض الأحيان لا يتمكن المستمع من فهم الحوار، وبالتالي فهناك خلل لغوي كبير، وعلى الإذاعيين الجزائريين أن يعوا أن خطابهم موجه لكل من يتعاطى اللغة العربية، ففي كثير من الأحيان نستعمل لغة لا تستعمل إلا في العاصمة أو تستعمل لغة فيها خلط بين العربية والفرنسية وبالتالي أتوجه لكل الإعلاميين بطلب التركيز على تحسين مستوى أدائهم الغوي، خاصة حينما يتعلق الأمر بالحصص الناطقة باللغة العربية. محمد شلوش مدير القناة الأولى سابقا: لا أدعي أن الأداء اللغوي في الإذاعة هو آداء راق، لكن هناك مجهود كبير يبذل ونقائص نعمل على تداركها وتجاوزها بتطوير أدائنا عن طريق التدقيق اللغوي، كما نعمل على تطوير برامجنا التكوينية في المجال اللغوي، فقد نظمنا عدة دورات تكوينية شارك فيها خبراء ومختصون في فنيات الإلقاء والأداء اللغوي، وكانت التجربة مفيدة أضافت الكثير لخبرة الإعلاميين من صحفيين ومنشطين ومنتجين . و نعمل على تصويب ما يمكن تصويبه في الجانب اللغوي، المهم أننا نحاول أن نوصل أداءنا إلى درجة اللغة العربية البسيطة المفهومة، لان هدفنا الأساسي هو إيصال رسالتنا لعامة الناس، وهو ما قصدناه بالغة الوسطى. سعيد شيبان أستاذ جامعي: الانطباع العام حول الأداء اللغوي للإذاعيين هو أن هناك مستوى متفاوتا بين الإعلاميين بحسب نوعية الحصص المقدمة، فالمستوى اللغوي للحصص الإخبارية يختلف عن الحصص الفنية والرياضية.. وأتمنى أن يركز الفنيون أو المعنيون بإعداد الحصص الثقافية، خاصة أن يستعملوا لغة عربية مهذبة، لأنهم مقلدون من قبل الجمهور، وفي رأي من يقلده الجمهور هو أقدر على التأثير عليهم. فيصل غامس مدير إذاعة سطيف: ثمة الغث والسمين، فمشكل الأداء اللغوي لا يطال الصحفيين في حد ذاتهم، وإنما يطال المنظومة التربوية، فالمدهش حين نرى أن طلبة الصحافة لا يدرسون مقياسا باللغة العربية، فكيف يكون الصحفي عند ممارسة المهنة متمكنا لغويا هذا من جهة، من جهة أخرى أصبحت المؤسسات الإعلامية تهتم بالتسيير الإداري مع إهمال التسيير الإذاعي من خلال البرامج والمواضيع المقدمة للجمهور. صلاح الدين الأخضري مدير المنشورات بالإذاعة: استمع للإذاعة مثل كل المستمعين وكثيرا ما تخدش أذني الأخطاء اللغوية الشائعة، تلك الأخطاء التي يستسهلها المذيع، واعتقد أن اكبر النار من مستصغر الشرر، فالأمور البسيطة يمكن مع مرور الوقت أن تصبح خطيرة، يجب أن لا ننسى أن الأطفال يتابعون الإذاعة ويتأثرون بما نقول، وبالتالي فلا يمكن فيما بعد تقويم ما أفسده الإذاعي. وبالتالي يبقى عليه أن يعي خطورة مهمته وأن يراقب كل ما يخرج من بين شفتيه.