ينتظر الجمهور الكروي العربي بتحفز واضح المقابلة التي ستجمع الفريقين الجزائري والمصري في نصف نهائي واعد من منافسة كأس إفريقيا، ولأن المسألة رياضية بحتة وعلى الأقل بالنسبة لكثير من الجزائريين الذين تجاوزوا بطبيعتهم المتعالية تفاهات دكاكين الفتنة وسبابها المسجل والموثق ضد الجزائر تاريخا وشعبا، فإن بعض المتتبعين يشمون ريح الفتنة ويتحسسون نار الغدر والخديعة التي تبقى ماركة إعلامية مصرية مسجلة، إذ بدت على الأفق أبواق تنفخ في أجواء التمزيق بنوع من الرسائل واضحة التشفير التي تستهين فيها من بعض الرموز والدلالات الحالية والتاريخية التي تعني تاريخ وجغرافية الجزائر وتؤكد أن الإعلام المصري اكتشف الأعداء الحقيقيين لمصر وشعبها ولخصه للمصريين الطيبين البسطاء في ما أسماه ''الجزيرة والجزائر وجزر أخرى'' رغم أنه لم يجتهد في توضيح الجزر الأخرى حتى يحتاط منها الجمهور المتتبع لهذا الإعلام المزكوم. الحقيقة أننا نحن الجزائريين نؤمن أن المباراة القادمة ستكون رياضية وبالضبط في كرة القدم وليست في أي رياضة أخرى ولن تتجاوز هذا المفهوم حتى بالنسبة لأكثر الجزائريين شوفينية، ولكنها بالنسبة للإعلام المصري تختلف قليلا خصوصا بعد الأداء المتواضع للمنتخب المصري الذي أنقذه في كل مرة حظ فرعوني مثلما أصابت لعنة فرعونية أسطورية المنتخبات التي واجهها فأهدته أهدافا حاسمة في لحظات كان فيها يائسا وضائعا وبائسا، فالإعلام المصري الذي يدرك جيدا هذه المعطيات بعد تتبعه للمنتخب ويدرك أن مواجهة الجزائر ستكون صعبة وسيحتاج إلى أكثر من حظ وإلى أكثر من لعنة- إن وجدت أصلا ليتجاوز عقبة منتخب لم يسبق له الفوز عليه خارج ضجيج القاهرة وطوبها ودمائها ومبارياتها المحفوفة بكل المخاطر غير الرياضية، هذا الإعلام يعطي الانطباع بأنه بصدد تحضير سيناريو رديء بحجم رداءة كل سيناريوهات سينما هز الأوراك المصرية ينفذ من خلاله أجندة ما قبل وبعد المباراة. السيناريو الذي تقترحه علينا الفضائيات الضحلة خلال هذه الأيام تفوح منه رائحة نفاق سمجة بخلفية حقد وجبن معروفة تغذيه تخوفات من خسارة المنتخب المصري، ويكون بذلك الإعلام قد خسر المباراة على الميدان وعلى الشاشة وبالضرورة فإنه لجأ إلى تبني سياسة المهادنة الجبانة المنافقة التي لا تنم عن شجاعة المعركة بغض النظر عن نتائجها. ونذكر جميعا أن الفضائيات المصرية كانت قد أطلقت حربا شعواء ضد الجزائريين قبل مباراة القاهرة لأنها وقعت في حماقة التوقع المؤكد من الفوز أو على الأقل كان محلولها وصحفيوها المتخرجون من مدارس حراس كرة القدم متأكدين من النصر ويعرف الجميع بقية السيناريو. واليوم يشاء القدر أن يلتقي المنتخب الجزائري بالمنتخب المصري في ملعب محايد، تماما مثلما كان الحال في أم درمان. وتحيط بهذه المباراة الكروية خلفيات قليلة الوضوح إلى داكنة من قبل الإعلام المصري الذي أشاد شعراؤه وصحفيوه ومحللوه بالانتصار الكبير الذي حققه المنتخب المالاوي الشقيق وانزعجوا من التمثيلية التي شهدتها مباراة الجزائر وأنغولا وتعاطفوا مع أشقائهم الماليين حتى أنهم وجهوا لهم قصائد تعزية، وهو ما يتقنونه منذ حرب الاستنزاف، لا لشيء إلا لكون ذات الإعلام ارتكب حماقة التوقع أن الجزائر ستغادر البطولة مبكرا. ويشاء القدر أن يضع أمامنا الفريق المصري كرويا ويضع الإعلام المصري في مواجهة ذاته ورداءته وسطحيته وضحالته، هذا الإعلام هو ذاته الذي يداهن اليوم بصورة من التذلل للمنتخب الوطني ويحضر للتأقلم مع حالات اللقاء، ونحن مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى للتساؤل بروية وذكاء عن أهداف هذا التراجع في الأوصاف والأحكام خارج دائرة الاعتقاد بأنها توبة من قبل هؤلاء السفهاء والحمقى الذين أساءوا للجزائر حكومة وشعبا وكان رد حكومتنا الصامت أفضل أنواع الإجابات عن تراهاتهم وخرافاتهم لا يجب أن ننساق كمثقفين أو كتاب أو حتى بسطاء من العامة وراء الرسائل العنصرية المشفرة التي تشتمنا وتشتم إنجازاتنا، فنحن أولى بمعرفة ماذا يحضر الإعلام المصري لسيناريو الربح أو الخسارة. هل ستتهم هذه الدكاكين البلد المنظم بتسميم أفضل لاعبي المنتخب المصري؟ هل ستتهم رورواة بالتدخل في صلاحيات المناخ الأنغولي؟ المهم أن مبررات مغرضة ستطفو إلى السطح وستكون الجزائر بشعبها وتاريخها وحكومتها محل هجمة عنصرية شرسة من قبل دكاكين الفتنة ومحلليها المختلين مهنيا في كل الأحوال فهذا الهدوء الجبان الذي يميز اليوم الساحة الإعلامية المصرية ليس إلا ردة فعل مطأطأة تجاه الانتصار الباهر الذي حققته النخبة الوطنية، وإذا كانت هذه الفرصة التي ساقها إلينا القدر لنكون على استعداد للغفران للشعب المصري الطيب الذي يبقي أخا وشقيقا فإنها كذلك فرصة للتحلي بالعقلانية والتروي أمام ترهات الإعلام المخبول...