كُثر جداً في هذه الأيَّام الكلام عن ما هو شرعي وما هو مُخالف للشَّرع، وكنت أحسب أن هذا يعكس مناخاً إيمانياً يغلب على تصرفاتنا ويظهر في أفعالنا وأقوالنا ولكن! يا للأسف السِّلُوك السَّائد ينطق بغير ذلك - إذاً - ( ما هي الحكاية بالضَّبط )، وابتداء.. أرجو أن تسمح لي عزيزي القارئ بضرب أمثلة توضِّح الصُّورة قبل أن نخوض في موضوعنا، فكلُّنا يعرف ويسمع عبارة هذا ( العُرس إسلامي ) وأنا أتساءل ( وماذا عن الآخرين.. وكيف يمكننا تصنيف أعراسهم!! ) وفي نفس الإطار هل يصحُّ أن ننشد ونتغنى بأناشيد القتال أو السَّفر أو الحجِّ أو التَّرغيب في الجنَّة أو التَّرهيب من النَّار ) ونحن نُهَنِئُ عروسين مثلاً!! وإذا كان هذا هو المعيار الشَّرعي للعرس الإسلامي كما يدعي البعض، ألستم معي - على مسؤوليَّة هذا الفهم- أن يصبح المخالف لهذا النَّهج مخالفاً للشَّرع، أليس كذلك ؟! أيضاً نسمع عبارة ( العزاء على القبر فقط! ) وأن هذا السلوك فيه إحياء لسنَّة النَّبي صَلَّى اللهُ عليه وسلّم وأن هذا العزاء هو ( العزاء الشَّرعي!!)، ثمَّ تجد هؤلاء أنفسهم يُخالفون معتقداتهم ويستقبلون التَّعازي في بيوتهم الهالكة !! تبدو أن المُشكلة إذاً ( في السُّرادق! ) والسؤال على مسؤولية هذا الفهم أيضاً عن الَّذي يُقيم السُّرادق ويتقبَّل العزاء ليلاً من أقاربه ومعارفه وأصدقائه، أيصبح هو وهؤلاء جميعهم مُخالفين للشَّرع؟! أم هي الدَّواعي الاقتصاديَّة الَّتي تضطرّنا أن نرفع ( قميص العزاء على القبر!! )، ثمَّ حَدِّث ولا حرج حيث تسمع عبارة( الجماعة الإسلاميَّة ) ومن سياقها ومضمونها يُفهم أن هؤلاء هم ( المعنيون بالشَّرع ( والسؤال ما يزال يفرض نفسه ماذا عن غيرهم من ( المسلمين ) وماذا نُسَمِّي جماعتهم!! وهل هم بالتَّالي مسلمون أقل حظَّاً من غيرهم في فهم علوم الشَّريعة باعتبارهم خارج تشكيل الجماعة الإسلاميَّة !! وأيضاً كلنا يعرف جماعة ( الإخوان المسلمين ) مع احترامي وتقديري للجميع، - ولكن - السؤال ما يزال يطرح نفسه على ضوء هذه المسميات والتعاريف، فهل أنا وغيري هكذا نصبح خارج الإخوان المسلمين نظراً لعدم انتمائنا لهذا التَّنظيم على سبيل المثال!! أو بناء على ( هذا الطرح ومسؤولية هذا الفهم ) وإذا كان الجواب بالنفي لأنَّ من المنطق والأخلاق أن نكون جميعنا إخوة، فلماذا إذاً هذا القصر في التَّسْمِية على جماعة دون غيرها؟!.. حتّى وإن قيل لي ولك.. إن إثبات الشيء لأحد لا ينفي بالضرورة إثباته للآخرين نقول لهؤلاء ما المراد إذاً من هذا التخصيص وهذه المسميات!! - وهكذا - نجد عبارات أخرى كثيرة ومُثيرة وخُذ منها - عزيزي القارئ - على سبيل المثال لا الحصر، حيث يقال: هذا هو ( الكفن الشَّرعي ) وهذا هو ( القبر الشَّرعي ) وهذا هو (الآذان الشَّرعي ) وهذا هو (الاحتفال الشَّرعي ) وهذا احتفالٌ مُخِلٌ بالشَّرع و.. و....... وهكذا نعيش حياتنا مقسومة على اثنين( شرعي وغير شرعي أو مُخالف للشَّرع. (هكذا عزيزي القارئ تجد بأنَّك قد أُقْحِمْتَ في موضوعٍ - صحيحٌ - أنت معنيٌّ به - ولكن- لا أنا ولا أنت ولا أكثر النَّاس أهلٌ للاختصاص أو الإفتاء لندلي بدلونا فيه. المصيبة الكبرى- أن معظمنا يتصوَّر بأنَّه يفهم في كلِّ شيء ويتصدَّى للإفتاء وكأنه جامعة مُتحركة!!،، وليت المشكلة تقف عند هذا الحدِّ أبداً- إن ما يُزعجني حقّاً هو ما يترتب على اجتهاداتنا الشَّخصيَّة و إفتاءاتنا بغير علمٍ حقيقي - وأكاد أُجزم - بأنَّ المصائب كلّها تزحف علينا من هذا الباب فبها نروِّج للخصومة بيننا وبها نشعل فتيل الفتن على أنفسنا، فننقسم إلى جماعات ثمَّ بيوتٍ وجُيوبٍ تجلب علينا مصائب لا حصر لها. فقل لي- عزيزي القارئ - بالله!! لماذا لا نسأل الجهات المعنِيَّة قبل أن نحكم على الأشياء بالحلِّ أو التَّحريم أو ما هو شرعيٌّ وما هو مُخالف للشَّرع وما العيب في السؤال أصلاً ؟!!. أم نحن قد فقدنا الثِّقة في الجهات المعنيَّة بدعاوي أن معظمها ( مُسَيَّسة) كما يحلو للبعض أن يفهم، فيجد مع فهمه مبرراً لنفسه في أن يعتمد على ( عبقريته)! أم أن هذه الجهات لا تؤدي دورها بالفعل على الوجه الأكمل وبما يتمشَّى مع حاجات المسلمين على ضوء متطلباتهم ومُسْتَجَدَّاتهم لمواكبة ثقافة القرية الواحدة الوافدة عليهم من كلِّ حدبٍ وصوب أم بحقٍّ.. المسلمون اليوم في أمسِّ الحاجة إلى جهة سواء (إفتائية عالمية إسلامية ) يتفق عليها مُسلمو العالم أجمع، - نعم - أعتقد بالفعل بأنَّنا في أمسِّ الحاجة لمنظومة كهذه وأتصوَّر بأنَّه يمكن تكريس كافَّة الجهود في إنشائها وبناء هيكلها واختيار أعضائها من شتَّى بقاع الأرض وبشيءٍ من الجدِّ والهمَّة أيضاً يمكننا بأن نُشَكِّل نواتها بأن تدرج في أولويَّات محفظة مؤتمرات القمَّة الإسلاميَّة الَّتي تنعقد كثيراً وتضمُّ معظم وزراء خارجيَّة الدِّول الإسلاميَّة في العالم، فهل نبدأ؟!. أعتقد أن مثل هذه المنظومة الإفتائيَّة الكبرى سيناط بها حل مشاكل كبيرة تتكرر معنا كثيراً من وقتٍ لآخر وحتَّى نجد وسيلة نرفع بها الحرج عن عباقرة و جباهذة هذا الزَّمان ! عزيزي القارئ - أرجو أن تتقبل منِّي هذا على أنَّه - مجرد رأي فقط قابل للمناقشة والرَّد، وأُأَكِّدُ لك بأنَّه ليس كلاماً شرعياً !! أصل هذا الموضوع مداخلة تقدمت بها بين يدي الملتقى الخامس حول ''المرجعية الدينية في الجزائر'' الذي أقيم بجامعة جيجل يومي 8/9 مارس 2010 والذي قامت بتنظيمه جمعية النجاح الثقافية والرابطة الوطنية للطلبة الجزائريين بالتنسيق مع مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية جيجل تحت رعاية السيد رئيس الجامعة, من الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يسافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم الصائم وفيهم المفطر ولا يعيب هذا على ذاك وموقفهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة العصر في بني قريظة خير ما يستدل به في هذا المقام ينظر مجلة البيان عدد162 ص61 الفتوى في الإسلام ص43 مناهل العرفان في علوم القرآن عبد العظيم الزرقاني 2/902-210 المرجع السابق 2/012 آداب الفتوى ص67-68 يقول الشارح عبد الله دراز تعليقا على هذا الكلام: ''فمثلا تنزيه الله عن مشابهة الخلق في الجسمية ولواحقها كالحركة أصل مطرد مقرر واضح، وجاء في الحديث قوله: ''ينزل ربنا إلى سماء الدنيا...'' فهذا يتقي إتباعه وإلا أفضى به إلى معارضة الأصل السابق المقرر. فإما أن نكل هذا إلى العالم سبحانه بمراده فنفوض، أو نؤوله ونرده إلى أصل آخر ثابت بتقدير مضاف أو غيره، وهذا في الأعمال كثير.. الموافقات في أصول الشريعة أبو إسحاق الشاطبي 4/721 الفتوى في الإسلام ص79 الموافقات 4/07 ذلك أن تحقيق العالم لمناط الحكم قد يكون عاما كتحقيقه لمعنى الفقير الذي يستحق الزكاة وقد يكون خاصا يتعلق بشخص معين لمعرفة ما يناسبه وينطبق عليه من الحكم العام. ينظر: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي أحمد الريسوني ص383 الموافقات 4/17 المرجع السابق 4/17 روى الخطيب بإسناده إلى الإمام مالك رحمهما الله أنه قال: ''ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك'' وفي رواية: ''ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم مني هل يراني موضعا لذلك'' هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته