تصوروا أن علاقتنا بفرنسا متوترة بسبب ''فيلم''، تصوروا ذلك، علاقتنا التي كان يطبعها، في اعتقاد ساسة فرنسا، التعاون المتبادل والتفاهم والتواصل الدائم، وعلاقات ''الصفح عما سلف''، والاعتراف بالذنب والخطايا، بعيدا عن مشاعر الكراهية والشوق والحنين للاستعمار الأليم مثلما يحاولون إيهامنا قد تذبذبت بسبب فيلم يؤرخ لبشاعة وهمجية جنود فرنسا في الجزائر... هي ''خرجات'' و''تطبيلات'' بعض الساسة الفرنسيين الذين ما فتئوا يتعلقون بقشة ''فيلم'' بوشارب ''الخارجون عن القانون'' المرشح لنيل السعفة الذهبية ب''كان''، حتى صبوا جام غضبهم ووصفوا مستقبل علاقات البلدين بالأسود والسيئ ما لم يتنازل بوشارب عن فيلمه، الذي لا يزيد عن كونه فيلم خيال يروي حقبة استعمارية.. ألم يصور نجوم أمريكا تاريخ بلدهم الأسود في فيتنام وكوريا وحتى في العراق، فهل تجرأ أحدهم على مقاضاة أمريكا أو محاكمة ومعاقبة أي مخرج عن فعلته والمطالبة بالإطاحة به؟، وهل أنتجت فرنسا أفلاما تدين أعمالها الإجرامية بالقدر الكافي الذي بإمكانه أن يمنحنا الرأفة بها والعفو عما سلف، وهي التي لا تزال تتستر على فضائحها؟. تصوروا أن ساسة فرنسا، وعوض الاهتمام بتحسين صورتهم المشوهة بتاريخهم الدموي الذي يعرفه الخاص والعام، نكلوا فيه لأزيد من قرن بالشعب الجزائري، تراهم اليوم يتباحثون سبل إقصاء ''فيلم'' أفسد حسبهم علاقات البلدين، وهل نحن سفهاء أو ذوو عقول صغيرة لهذا الحد، حتى ننسى أبشع رد فرنسي نفذ في حقنا عشية احتفالات العالم بالانتصار على النازية للمطالبة بتحقيق استقلال وطني في ال 8 ماي 45 بدءا من سطيف ''الفذة''، من غير المعقول أن ينسى أو يتناسى ساسة فرنسا سنوات الجمر والتنكيل والتعذيب والتقتيل، وما مجازر 8 ماي 45 التي نحتفل اليوم بذكراها إلا خير دليل على بشاعة المستعمر ونذالته وخسته.. هل يعقل أن يتصور حكماء فرنسا بأن الشعب الجزائري كان ينتظر فيلما حتى يطالب باعتذار رسمي وتعويض شرعي لما فات؟، هل يعقل أن تعتقد فرنسا بأنها سلمت من عقابنا وعقاب التاريخ المظلم الذي نقشته ووشمته بنفسها على أعناق رجالاتها ونساءها وحتى على أعناق أجيال وأجيال متعاقبة، ما لم تصفح هي وحدها عن نفسها وترضخ للأمر الواقع فتستسلم وتسأل العفو منا، لتنال الراحة والطمأنينة، لأن التاريخ لن يمحى ولا يزال ولن ''تفرق'' معنا الإطاحة بفيلم أو معاقبته لإسكات صفحات طويلة من تاريخ أسود نال منا لسنوات . أعتقد وسيشاطرني الرأي الجميع، أن العلاقات الجزائرية الفرنسية بحاجة إلى نقاش مفتوح ومطول وصريح فيه الجرأة بما فيه، والاعتراف بالذنب قبل كل شيء، عوض محاولات صب المزيد من الزيت على النار، إذ لا يعقل أن يفكر ساسة فرنسا أن محاولة إخراج فيلم من مسابقة سينمائية ''لا تزيد ولا تنقص'' سيمنحها مستقبلا وساما كالذي تتوق إليه، أو أن ذلك سيلمع صورتها المشوهة.