كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان شخص مجنون اسمه ''خالد'' جسده يحمل طبقة سميكة من الأوساخ تكفي لصناعة ألف علبة شكولاطة من نوع ''السوداء'' المُوّقفة لداء الإسهال، مكسو ذقنه ومناطق أخرى بمئات الأمتار من الشعر، يستغرق حلقه تجنيد كل حلاقي القاهرة لسبعة أيام وسبع ليال دون توقف، يزين وجهه مخاط أو ''خنونة'' متجمدة أسفل أنفه أصابها ما أصاب الصواعد والنوازل في الكهوف المتجمدة، يستدعي إزالتها استدعاء مستعملي أحدث آلات قطع الحديد، حتى أن الناظر يتراءى له وأن صاحبنا المجنون يملك نابا خارجا من أنفه لحدته وقوة صلابته. هذا المجنون الذي كان يعامل بين أهل تلك المدينة معاملة القديسين والأولياء، وفق نظرية ''المجنون في بلادنا يزار وفي بلاد الغرب أيضا يزار مع فارق أن مجنونا يزار في الأديرة والصوامع ومجنونهم يزار في المصحات النفسية ومستشفيات الأمراض العقلية''، أقول هذا المجنون ''خالد'' كلامه وحي، وهرطقته تنبؤ بالغيب، حيث إنه في ذلك الزمن السحيق تنبأ لفريق اسمه ''الخضر'' بأن يكون له شأن عظيم في بلاد يعم فيها السواد وتكثر فيها التماسيح، لهم ''غيطة'' تشبه ''غيطتنا'' في النفس، وتخالفها فيما قبل والنفس وما بعده، مضيفا أن طول مشوار هذا الفريق الذي اسمه ''الخضر'' في بلد السواد هذه سيكون بطول أطول مزمار ينفخ فيه أكثرهم سوادا في مباراة فريقي الفيلة والنجوم دون أدنى تلميح. ومع هذه الحال أتت مجنونا ''خالد'' نوبة من الهستيريا افرنقع من حوله الجمع كل ولى وجهة هو موليها ليأتي مجنوننا بما لذ وما طاب وهم حوله حارقين للبخور مستلهمين العطور من المجنون الذي لم يأخذ حماما منذ عقود، وهو في حالته تلك حتى أخبرهم بأنه سيأتي عليهم زمان حالك والناس فيه بين ناج وهالك وفريقهم هاوي لاستهلاك ''الدلاع'' -كناية عن الخسارة الدائمة- قبل أن يخرج الله لهم ''جابولاني'' و''سعدان'' فيعبر بهم إلى بحر السواد فرار من بطش فرعون وآله كما عبر النبي موسى عليه السلام بقومه البحر الأحمر إلى سيناء فرار من بطش فريق الفراعنة. فاختلف الناس من بعده في تفسير ال''جابولاني'' وال''السعدان''، فمنهم من قال ومنهم من قال، واجتمع الفلكيون والمتنبئون الأشهر الطويلة على تفسير كلام مجنوننا ''خالد'' لكمهم اختلفوا على فريقين؛ الفريق الأول يمثلهم ''طيرو'' قريب ''حسان طيرو'' الذي اعتبر الأمر تحذيرا للجماهير من أجل أن تأخذ عدتها لمبارزة أقوى إمبراطوريتان في ذلك الزمن القادم، والفريق الثاني يمثلهم ''شعبان'' الذي رأى أن هذه النبوءة مدعاة للاستعداد للهزيمة والخروج المبكر من بلاد السواد على أيدي ''السلاجقة'' المغمورين، معتبرا أن المفروض في نبوءة مجنوننا ''خالد'' أن يسلم ال ''سعدان'' المشعل ل''جابولاني'' لتكملة المسيرة، لأن عقلية ''أنا الذي مهدت الطريق إلى العبور'' لا تعني بالضرورة الاستمرار في قيادة مسيرة العبور، وبين ''الطيرو'' و''الشعبان'' أدركنا شهر رمضان بلا حمص ولا فول تاركين الأمر للزمن الكفيل بكشف نبوءات مجنوننا ''خالد'' أكذب الخلق بأكذب الأسماء. فذهب زمان وأتى زمان وتيمن الناس باسم ''خالد'' تخليدا للمجنون الذي جن من حوله افتتانا بجنونه على درجات، فمنهم من ضاهاه في صفة تحريم حلق الشعر، ومنهم من اختار طبقة الأوساخ نبراسا ودليلا على الحب والتعلق بالغيب والمحبوب، ومنهم من اختار سنة ''الخنونة'' وما أدراك ما ''الخنونة'' التي لم يستطع أحد أن يأتي بها على حذافيرها وأنى لهم ذلك!، ومنهم ومنهم ومنهم، حتى جاء زمان على الناس على فترة من المجانين فخرج لهم ''سعدان'' ولم تخرج لهم ''جابولاني''، وعبر بهم إلى بلاد الشقر و''السامبريرو'' لو يحن وقت العبور عبر بحر السواد إلى بلاد السواد. والناس على هذه الحال، واشتهى الناس التصرف بعقلية بائعي ''الدلاع'' في تحقيق النتائج وبعقلية آكلي ''الدلاع'' في بيع ''الفراشط''، حتى ظهر مرة أخرى ال ''سعدان'' الذي بدأ في القضاء على عقيلة ''الدلاع''، ومن محاسن الصدف أن يضم فريقه للعبور بأمته إلى أرض السواد مرورا ببحر السواد واحد اسمه ''خالد'' تيمنا بمجنوننا الذي حكت عنه كتب الأثر التي لم يعد لها أثر، وكتب التاريخ التي لا تهتم بالتاريخ، وفر ''سعدان'' بفريقه من بطش آل فرعون إلى بلاد السودان ومنها إلى بلاد السواد. واعتقد الجميع أن المرور كان ببركة ''خالد'' فعقدوا العزم على إحياء ذكرى جده الأكبر من الرضاع، تيمنا بالوصول إلى ملاقاة فريق ''الصامبا'' ليتحدد الأمة الفائزة بالذهب، ولكن وقع ما لم يكن في الحسبان، واختلطت الأمور بين ''سعدان'' و''خالد''، ومن فرط العلاقة المتكهربة والمتوترة بين الرجلين تعرض رجل صالح اسمه ''الوناس'' إلى وعكة صحية بعد صعقة ''فرشيطية'' استدعت نقله على عجل إلى بلاد الجن والملائكة. واختلف الناس في تفسير الأمر بين متفائل ومتشائم، إلا أن المحللين الرياضيين وغير الرياضيين أجمعوا على أن ''الفرشيطة'' ملازمة لعقلية ''الدلاع''، فما دام فيه ''الدلاع'' ستجل عليك الأهداف، وما دام فيه ''الدلاع'' ستكون فيه ''فرشطية'' وما دام فيه ''فرشيطة'' ستكون هنالك زائدة دودية، وما دام هنالك زائدة دودية لا بد من كشف عام وعملية جراحية، ومصحة نفسية ل''جابولاني'' و''لموشية''، لتنتهي الحكاية على وقع البداية بلا بداية ولا نهاية. *''قصة خيالية''