في أول لقاء خص به '' الحوار'' يتحدث ممثل المملكة البلجيكية في الجزائر سفيرها السيد (بودوان فندرهوست) على دعم بلجيكا اللامشروط للقيادة السياسية في الجزائر بدءا من أيام الثورة الجزائرية وصولا لعدم تخلي بروكسل على الجزائر في حربها الضروس ضد الإرهاب، حيث يشير إلى أن سلطات بلاده آثرت الإبقاء على مقر سفارة بلاده مفتوحة للمواطنين والسلطات في الجزائر، كما لاحظنا في هذه المقابلة الصحفية الصراحة التامة للرجل في إبداء أسفه على الوضع الإنساني الذي يعيشه الشعب الصحراوي، في انتظار إيجاد حل عادل للقضية داخل مبنى الأممالمتحدة، إضافة إلى هذا فقد عرج سفير المملكة البلجيكية على عديد القضايا مثل الهجرة غير الشرعية، والاستثمارات البلجيكية المباشرة، الحرب على الإرهاب والنظرة البلجيكية للمكافحة وأشياء أخرى تجدونها في ثنايا هذا الحوار: ------------------------------------------------------------------------ سعادة سفير مملكة بلجيكا في الجزائر، كيف تقيّمون العلاقات الجزائرية - البلجيكية اليوم؟ ------------------------------------------------------------------------ رغم أننا نأمل تحسين حجم التبادل البيني ونتطلع إلى عمل أكثر من الموجود حاليا، فنحن لسنا وافدين جدد على الجزائر، فعلاقتنا تمتد إلى ما قبل السنوات الأولى لاستقلال الجزائر، واليوم مملكة بلجيكا حاضرة وبحجم مهم في الطبعة الأولى لمعرض الجزائر الدولي للصناعة والتجارة، إذ يجب أن نعرف أن بلجيكا بلد صديق للجزائر ووفي لها وأعود أقول إنه وفي السنوات الأليمة والصعبة التي مرت على الجزائر إبان فترة التسعينات بالخصوص، وفي الوقت الذي أقرت الكثير من البلدان نقل سفاراتها وممثلياتها القنصلية إلى خارج الجزائر، فإن بلجيكا بقيت بالإضافة إلى 6 سفارات أوروبية، وبقينا نصدر يوميا تأشيرات خروج لأصدقائنا الجزائريين نحو بلجيكا أو دول أروبية أخرى التي تدخل تحت فضاء دول '' شنقن '' ، وبقينا كما بقيت لجنة الشراكة تعمل وتلتقي في مناسباتها المحددة، حيث احتفلنا قبل 3 سنوات بالذكرى ال 30 لإقامة اللجنة المشتركة البلجيكية الجزائرية في العام 1975 ونحن سعداء لاستمرار الجزائر في نهجها التنموي والتي دفعت فاتورة غالية لاستمرار الحرية واحترام الآخر وهي اليوم تسعى للدخول إلى العولمة لتجد مكانا لنفسها ضمن الآخرين، ونحن نأمل التعاون في شتى الميادين، حيث لنا روابط وثيقة في مجالات الصحة النقل وغيرها من الروابط التجارية،وإذا نظرنا للإحصائيات فإن بلجيكا تعتبر البلد رقم 10 من حيث وجهة الصادرات الجزائرية، وهذا ما يدل على أننا لسنا بعيدين جدا عن دول الجوار للجزائر مثل إيطاليا فرنسا، إسبانيا، تركيا، ثم الدول الشديدة التصنيع مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، اليابان، ألمانياوكندا.. فنحن ليس لدينا سيارات تويوتا أو متسوبيشي لتصديرها بحجم اليابان، لكن هذا لا ينفي أن الجزائر أيضا هي البلد الثاني بعد جنوب إفريقيا من حيث الصادرات البلجيكية نحو إفريقيا. ------------------------------------------------------------------------ ركزتم في حديثكم على التبادل الاقتصادي، لكن ماذا عن العلاقات السياسية الجزائرية - البلجيكية؟ ------------------------------------------------------------------------ نحن ندعم وبقوة السلطات الجزائرية وبدون تحفظ، وأوجه بهذه المناسبة كل مشاعر الأسى والحسرة والتعازي تجاه ضحايا العمل الإجرامي الأخير الذي مس عاملين أعزلين، وزيرنا للخارجية بعث بتعازيه وتعازي القيادة السياسية في المملكة للشعب وللقيادة الجزائرية، ونحن نعتقد أن العلاقات السياسية جيدة، لكن نتمنى الرقي بها أكثر لا سيما مع بلد يمتلك فرصا عديدة لم تشغل بعد، وكثافة سكانية تتجاوز ال 35 مليون ساكن، لهذا أعتقد أن هذه العلاقات ينتظر منها أن لا تبقى محصورة في الجانب الديبلوماسي والسياسي، وإنما علينا الرفع بها إلى التعاون التطبيقي على أرض الواقع، وهناك مئات البلديات على مستوى القطر الجزائري تنتظرها عشرات الآلاف من المشاريع. ------------------------------------------------------------------------ كيف تنظرون للوضع الأمني في الجزائر وهل تعتقدون أن نفس الصورة ما تزال مرسخة عند البعض في بلجيكا؟ وهل المناخ الحالي يشكل مناخا حذرا لجاليتكم المتواجدة هنا؟ ------------------------------------------------------------------------ في اعتقادي أن سماع اغتيال رعية أجنبية أمس (الحوارجرى يوم 10 جوان) أقلقنا نوعا ما خصوصا وأن معلومات مثل هذه تذهب بقوة إلى الإعلام الدولي، لكن من المؤكد أن الجزائر هي البلد الذي أشعر فيه شخصيا بالأمن والأمان رغم هذه الحوادث العرضية، وأنا أقول هذا لأنني سافرت إلى العديد من الدول التي تصنف كدول خطيرة جدا من حيث الوضعية الأمنية، فهنا لديكم مصالح الشرطة والأمن والدرك بكثرة، وهي تؤدي واجبها بطريقة محترفة مقارنة بالعديد من الدول التي عانت أو تعاني من خطر الإرهاب والجريمة المنظمة. وفي اعتقادي عند الحديث عن الأمن فالمفهوم لا يقتصر على الحديث عن الإرهاب، فهناك جرائم أخرى كالسطو وغيرها، وحسب إطلالي ومعاينتي لإقامة المعرض الدولي الذي استقبل العديد من الشركات الدولية هذه الأيام، فلا أعتقد أن قضية الأمن تشكل تهديدا للجزائر مثلما كان في سنوات التسعينات. ------------------------------------------------------------------------ في هذا الإطار وعند الحديث عن الإرهاب الذي واجهته الجزائر لوحدها في سنوات التسعينات، هل لبروكسل منهجية أخرى للقضاء على مسبباته؟ ------------------------------------------------------------------------ نحن لدينا خبرة قليلة في مواجهة الإرهاب لأننا في الحقيقة لم نتأثر كثيرا بهذه الظاهرة العالمية التي تضرب كل مكان، فنحن نسهم وبقوة في الحرب الإسبانية على الإرهاب من خلال التبادل الاستعلاماتي سواء لاقتفاء أثره في داخل بلجيكا أو في أروبا وفي مناطق أخرى في العالم نحن على علم بوجود قواعد خلفية للإرهاب في بلجيكا أو غيرها. بلجيكا أيضا تعيش وضعا صعبا، وهذا لا يمكن تغطيته، حيث نعاني من مشكل الهوية الوطنية، فنحن لدينا 30 سنة من سد ثغرات الدستور وإصلاحه، فقد كنا دولة متحدة واليوم نحن دولة فيدرالية مثل كنداوألمانيا، وهناك طبقة تود تطوير الآليات الفيدرالية، وهناك دول كثيرة تعمل على إصلاحها، والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة نجح في مسار المصالحة الوطنية ونحن أيضا نود إطارا نضع فيه مستقبلنا في وضع آمن. ------------------------------------------------------------------------ سعادة السفير البلجيكي بالجزائر، بلادكم تحوي مقر الرئاسة الأوروبية بالإضافة لمقر حلف الأطلسي، ما هي نظرتكم لإيجاد حل لقضية الصحراء الغربية باعتبار بروكسل العاصمة الأروبية؟ ------------------------------------------------------------------------ نحن متمسكون وبشدة بقرارات الشرعية الدولية ومباديء القانون الدولي التي يجب أن يلتزم بها سواء المغاربة أو قيادة البوليساريو، مثلما نؤيدها في أي مكان من العالم سواء في باكستان أو غيرها، المشكل أن هناك مفاهيم وقرارات البعض يحاول تجاوزها أو فهمها على الطريقة التي يحبذها، أعتقد أن وضع أصدقائنا الصحراويين محرج للغاية، وهذه هي الصورة التي نقلها إليّ مساعدي الخاص بالسفارة، والذي زار المنطقة قبل أشهر مضت، حيث تنعدم الشروط الإنسانية في المخيمات، وهذا يشعرنا بالمسؤولية، وأعتقد أن القرارات يجب أن توجد وتنفّذ للخروج من هذا المأزق، وأعتقد أن الحل لا يأتي من طرف رأي إحدى العواصم الأوروبية أو الأجنبية، إنما هو محصلة رغبة من كافة الأطراف بدءا بأصدقائنا في المغرب الأقصى للعمل من أجل إيجاد حل داخل الشرعية الدولية، وأتمنى أن تكون منهاست سادسة أو سابعة، المهم أن نجد حلا في إطار السلام والمفاوضات، وأن بروكسل ستتأسف كثيرا إذا عادت الأمور للنزاع المسلح. ------------------------------------------------------------------------ ماهي النظرة البلجيكية للقضاء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية بعيدا عن الحلول الأمنية؟ ------------------------------------------------------------------------ في اعتقادي قيل الكثير حول تحديات الإرهاب وموازاة مع ذلك لا تقل ظاهرة الهجرة غير الشرعية خطورة على المشكل الأول، فوراءها تتكتل اليوم مجموعة خطيرة للزج بهؤلاء في أعمال إرهابية أو توجه مجموعات منهم للسطو أو القيام بأعمال إجرامية أخرى، والمشكل في هذه الظاهرة هو تفاقمها مع الانفتاح الإعلامي، حيث أصبح الكل يشاهد كيف يعيش الآخرون في الضفة الأخرى، وكيفية الاستفادة هناك من مرتبات عالية ومستوى معيشي جيد، نحن نتفهم رغبة البعض في تحسين هذا المستوى لكن يجب أن يكون في الإطار المنظم، والجزائر هي أيضا معنية مثلنا، فعلى أراضيها تعيش فئات تأتي من دول الساحل وجنوب الصحراء، إما للعبور أو الاستقرار، وهنا نحن نتقاسم نفس المخاطر وأنتم لديكم الكثير من الثروات، غاز، بترول، شمس، ذهب وأنا كنت في نفس المنصب الذي أشغله في فنزويلا، وهناك مئات الآلاف من كولومبيا وبوليفيا وعديد الدول الأخرى، الذين يأتون إلى فنزويلا ظنا أن الحياة الكريمة متوفرة أو أحسن من الدول التي يعيشون بها. نحن نقول حسب نظرة فلسفية أو إنسانية إن الاحتياجات المادية ليست كل شيء، فالذي يبحث عن عمل جيد في مونبوليه بفرنسا، أو في فرنكفورت بألمانيا للحصول على راتب جيد ليس بالضرورة أن يجد الوضع المريح مع هذا المرتب، فالكثير يسكن في أوضاع كارثية وأنتم هنا لديكم ثقافة وأرض خاصة بكم، حيث لا يمكن أن نجدها في مكان آخر وبقرب الأهل والأولاد، لكن في الجهة المقابلة المهاجر يبقى دائما مهاجرا، وهو يسعى لإنبات نبتة يمكنها أحيانا النجاح وفي أحيان أخرى تبوء بالفشل الذريع. ------------------------------------------------------------------------ لماذا برأيكم تبقى الاستثمارات البلجيكية مقتصرة فقط على بعض القطاعات القليلة كالنقل مثلا؟ ------------------------------------------------------------------------ أود القول إننا نقع في بلد موجود في شمال أوربا، وهذا ما يؤدي إلى أن تعاملاتنا الاقتصادية تنصب مع الأقرب لنا، أي وسط وشرق أروبا بالتحديد، فقبل 15 سنة، قمنا باستثمارات كبرى في بولونيا وتشكسلوفاكيا '' السابقة '' وهي أسواق كبيرة وعذراء لاسيما وأنها كانت تعتمد على الاقتصاد الموجه بحكم تبعيتها السابقة للفضاء الاشتراكي، ثم انفتحت على اقتصاد السوق وكانت هذه نظرتنا في الأول، حيث لم يكن من السهل الولوج إلى جنوب المتوسط في ظل أوضاع تختلف، لكن كما سبق الذكر فالاقتصاد البلجيكي قوي وبلجيكا من أكبر المصدرين للسلع في العالم، والجزائر هي البلد الثاني الذي نصدر له بعد جنوب إفريقيا. وكما ترى فالصفقات تنمو وهناك تجديد لعتاد المؤسسة الوطنية للنقل الحضري من طرف المتعامل الأول معها '' فانهول '' لتزويدها بحافلات بالمواصفات الجزائرية، بالإضافة إلى إقامة مشروع في مجال البتروكيمياويات، وفي القريب مشاريع آخرى ستعتمد بعد انتهاء المعرض ال 41 بالجزائر. ------------------------------------------------------------------------ مازالت الروابط الثقافية قليلة بين البلدين، لماذا تأخرت بروكسل في فتح مركز ثقافي بلجيكي بالمقارنة مع دول آخرى ؟ ------------------------------------------------------------------------ سيأتي هذا قريبا، فلا بد من وجود المادة، ويجب إيجاد التمويل اللازم، نحن لدينا ممثلية منذ سنوات تمثل مقاطعة بروكسل - فلوني، وهما مقاطعات من بلجيكا، حيث جرى تقديم أشياء كثيرة تخص الثقافة البلجيكية المتنوعة تنوع البلد الثري بعاداته وتقاليده، ونحن الآن لنا مهرجان الفيلم الفرنكوفوني والذي بدأ البارحة، والفيلم البلجيكي الذي سيعرض بعنوان '' الوعد '' وهو فيلم مآساوي والذي أخذ السعفة الذهبية منذ سنتين في مهرجان كان السينمائي، ونحن نشارك في المهرجان الأوروبي في الجزائر كما حدث قبل أيام ونحن متواجدون دائما، والحديث عن إيجاد مركز ثقافي بلجيكي هي فكرة جيدة سنتباحثها قريبا.