انبهر الخطاط السوداني أحمد مأمون بالمستوى الرفيع لفن الخط الجزائري الذي اكتشفه خلال تظاهرة المهرجان الدولي الثالث حول فن الخط العربي بالجزائر مؤخرا، وقال أممون إن هذا الخط يحمل لمسة فنية جزائرية ممزوجة بين الخط العربي المغربي والمشرقي مما أظفى نكهة خاصة على الخط العربي. كما تحدث مأمون في هذا اللقاء الذي جمعه بجريدة ''الحوار''عن إشكالية الخط الرقمي المطبوع الكترونيا، وعن أسباب دخوله عالم الرقمنة، وأمور أخرى تكتشفونها في هذا الحوار. ما تقييمك لمستوى فن الخط الجزائري؟ أولا دعيني أشكر القائمين على المهرجان الفني الذي نظمته الجزائر حول فن الخط العربي، الذي كان لي عظيم الشرف لأكون أحد المشاركين فيه، وأثمن مجهودات هذا البلد الذي يبرهن في كل مرة حرصه الشديد على الحفاظ على الموروث الثقافي العربي والإسلامي، من خلال احتضانه لتظاهرات فنية وثقافية في كل مناسبة. في السابق اعتقدت أنه لا يوجد ما يسمى بالخط العربي ذو لمسة جزائرية، وظننت أنني سأجد ما يسمى بالخط المغربي كما هو شائع، وأن هذا الفن متأخر في الجزائر، لكني عندما رأيت عدد المشاركين الجزائريين الذين أبدعوا في هذا الخط، جعلني أغير رأيي رأسا على عقب، حقيقة أدهشتني ريشة الفنان الجزائري وأعجبت بطبيعة الأعمال المعروضة في بهو قاعة العرض، فهي تضاهي لوحات كبار الخطاطين المعروفين عبر العالم، والتي تعدت المائتي لوحة، ولاحظت أن فن الخط في الجزائر عبارة عن مزج بين الخط العربي المغربي والمشرقي معا، أي يوجد تنوع صارخ في هذا الفن في الجزائر، وهو ما ينذر بمستقبل زاهر لهذا الخط. ما هي المعوقات التي تواجه فن الخط العربي؟ أول مشكل اعتقد هوغياب ما يسمى باتحاد الخطاطين العرب، فالأمر مازال على شكل جمعيات منتشرة هنا وهناك في دول الوطن العربي والإسلامي، الأمر الذي جعل هذا الخط يعرف نوعا من التأخر خاصة بعد طغيان الكتابات الإلكترونية التي غزت العالم، على عكس السنوات الماضية، حيث كان هذا اللون من الخط منتشرا بكثرة نجده حتى في الشوارع، واليوم حلت محله الرقمنة والحروف الطباعية، وهوما مكنني الولوج في عالم المعلوماتية لتطوير نفسي وفني. ألا تتفق معي أن الكمبيوتر مقبرة الخط العرب؟ فعلا هذا الحكم في محله، فالخطاط التقليدي يقتل إبداعه بنفسه باحترافه هذه المهنة، لكن نحن نعيش عصر السرعة والتطور والأمي المعاصر ليس ذلك الذي من لا يحسن التعامل مع الحروف وقراءتها، إنما ذلك الذي لا يقدر على مسايرة التطور الحاصل على مستوى الرقمنة، كل الأمور تم رقمنتها، أنا خطاط تقليدي كلاسيكي في الأساس، لكني طورت نفسي وتعاملت مع الكمبيوتر وأصبحت أشكل إحدى ركائزه الأساسية وهي صناعة أحرف لوحه الإلكتروني، وهذه الأحرف تشبه إلى حد كبير الحروف المعدنية القديمة المصنوعة من المادة المعدنية، ويرسمها مصمم أو خطاط متمكن، وهي حروف مختلفة عن الخط العادي قليلا، حيث يقوم بوضع طقم على الجهاز ويبرمجه حتى يتحول إلى خط رقمي يستخدم في الطباعة والكتابة، وهناك مجموعة من البرامج والأنظمة التي يستعين بها المصمم لإنجاز عمله. كيف هو راهن هذا الفن في الدول العربية والإسلامية؟ هذا سؤال جميل الخط العربي يمر بمرحلة ذهبية، خاصة المكتوب باليد، ولكن موجود على مستوى اللوحات فقط، أي بقي على مستوى الأفراد، أما في الشارع فقد عرف نوعا من الإنحطاط فكل شيء يطبع بالكمبيوتر عوض الحروف المعدنية كما هو مألوف في الماضي من الصحف واللافتات، لكن ثمة سبب جعلني أفكر في الدخول هذا العالم حتى أنقذ ما يجب إنقاذه لهذه الحروف التي كانت تبرمج من قبل أشخاص لا يتقنون وليس لديهم خبرة في فن الخط العربي، لذا جاءت أغلب حروفه مشوهة وقررت إثرائها وأن لا أترك هذا العمل للمبرمجين فقط. وكخطاط ومصمم أعرف الخط العربي جيدا جعلني ألج هذا العالم رفقة زملائي، فمثلما قرر الكمبيوتر الصعود على رأسنا قررنا نحن الخطاطين الصعود على رأسه، وهذا العمل أدى إلى نتائج حسنة، وخلال الأيام القادمة ستصبح خطوط الكمبيوتر أكثر إتقانا وجمالا ووضوحا، ولم توجد لحد الساعة أي لجنة عربية تتولى مهمة الإشراف على الطباعة الحرفية للكمبيوتر بالحرف العربي وتركت العملية للجان غربية تقوم بهذه العملية، ولم تكلف نفسها عناء تطوير الحرف العربي، وتركت العملية لشركات غربية تتولى مهمة تسويق هذه التجربة دون مراعاة الذوق االعربي العام، همها الوحيد تحقيق نسبة الأرباح، وكل هذه الشركات أصلها غربي تتعامل مع الحرف العربي بكل تحفظ، وتطبع الحروف العربية على أدنى مستوى، بالمقابل فهي تطبع الحروف اللاتينية على أعلى مستوى. فدورنا نحن الخطاطين العرب والمسلمين وواجبنا يكمن في تحريك وتحسين مستوى هذا الفن الكترونيا حتى يكون في ذات المستوى مع الحرف اللاتيني، على الرغم من أنه توجد مجموعة من الدول على المستوى الإقليمي تعمل على تفعيل هذا الخط إلكترونيا.