إذا أقبل شهر رمضان تشوف الناس لهلاله، وتقلبت وجوههم في السماء، وشنفوا آذانهم أيهم يسبق بمعرفة هذا النبأ السعيد، والحدث العظيم، وعدوا الساعات عدا، حتى تأتي البشرى بانتهاء شهر شعبان وبداية شهر رمضان، وهم لا يفعلون ذلك في سائر الشهور، بل ربما جهل كثير من المسلمين بداية الشهور أو نهايتها، حتى إذا جاء شهر رمضان عادوا إلى طبيعتهم، ولسان حالهم يقول: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}. (التوبة: 36). وتوقيت المسلمين كله بالأشهر القمرية، كما في حول الزكاة، والحج، وعِدَد النساء، وغيرها، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (البقرة: 189)، وهو توقيت طبيعي، تدل عليه علامة طبيعية هي ظهور الهلال، فهو يتنقل بين فصول العام، فتارة يكون في الشتاء، وطورًا يكون في الصيف، وكذا في الربيع والخريف، فمرة يأتي في أيام البرد، وأخرى في شدة القيظ، وثالثة في أيام الاعتدال، وتطول أيامه حينًا، وتقصر حينًا، وتعتدل حينًا. وبذلك يتاح للمسلم ممارسة الصوم في البرد والحر، وفي طوال الأيام وقصارها. وفي هذا توازن واعتدال من ناحية، وإثبات عملي لطاعة المسلم لربه وقيامه بواجب العبادة له في كل حين، وفي كل حال. إنها فرصة في هذا الشهر الكريم أن يتنفس المسلم الصعداء، وهو يردد مع الذاكرين عند رؤية هلال رمضان ''ربي وربك الله هلال خير وبركة''. ولا يرتبط المسلمون خلال شهر رمضان ببداية الشهر ونهايته فحسب فهم يترقبون الفجر حتى يمسكوا ويترقبون مغيب الشمس حتى يفطروا، ويعدون أيامه عدا لا يكاد يخطئ فيه أحد فيرتبطون بحركة هذا الكون العابد المسبح لله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (الإسراء:44(. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء } الحج: 18 وهذا الترقب والانتظار يتساوى فيه المسلمون جميعا عربا وعجما، فقراء وأغنياء، حكاما ومحكومين، فلا مجال للحظوة والوساطة، فمن أكل أو شرب متعمدا بعد أذان الفجر أو قبل أذان المغرب فصيامه باطل، فلا مجال للتسلق على أكتاف الآخرين وليس هناك صيام للسادة وصيام للعبيد، وليس هناك صيام للصفوة وصيام للعامة، فالكل هنا سواء.