تصريحات المسؤولين في باريس بشأن اختطاف الفرنسيين ال 5 في النيجر من قبل القاعدة توحي بأن قصر الاليزيه مصدوم لهذه الحادثة، ويعيش على أعصابه ولم يغمض له جفن ولم يحل له طعام من يومها، بحيث لم يمر يوم من دون أن يثير فيه ساسة باريس قضية الاختطاف الذي تعرض له الرعايا الفرنسيون، رغم أن حادثة الاختطاف ليست الأولى من نوعها التي يتعرض لها الرعايا الفرنسيون في منطقة الساحل، بحيث سبقتها عملية اختطاف ببار كمات وميشيل جرمانو الذي تم إعدامه من طرف القاعدة، إلا أن شركة ''أريفا'' المشغلة للعمال الخمسة المختطفين لم تتخذ أية إجراءات أمنية خاصة لمواجهة ما يسمى ب''تهديدات'' القاعدة. ويطرح هذا الأمر علامات استفهام عديدة عن هذا ''التهاون'' الممارس من قبل شركة ''أريفا'' العملاقة التي توفر 20 بالمائة من احتياجات قطاع الطاقة الفرنسي، بحيث لا يعقل أن شركة تستغل مناجم ضخمة لاستخراج الأورانيوم من النيجر لا تملك نظام رقابة وحراسة لعمالها وتظهر وكأنها وكالة من غير بواب، بدليل تعرض 7 من عمالها للاختطاف دفعة واحدة دون أن يجد الخاطفون أي معاناة أو مقاومة في منطقة يعرف الجميع أنها موبوءة بقطاع الطرق وعصابات التهريب، وهذا الوضع يعني حالة من اثنين، إما أن الشركة الفرنسية تستهين بالوضعية الأمنية ولا تعير أدنى اهتمام لحياة الموظفين لديها، وإما أن وراء هذا التهاون حاجة في نفس يعقوب لا يعلمها إلا ساسة باريس دون غيرهم، وهو الطرح الأقرب إلى الحقيقة. لقد ظلت فرنسا بمعية نظيرتها الأمريكية تبحث عن موضع قدم في منطقة الساحل الغنية بالثروات الباطنية، بعدما فقدت الكثير من مواقعها جراء زحف الصينيين المتواجدين في عدة دول إفريقية ومنها في النيجر بالذات لاستغلال مناجم الأورانيوم، وهو ما جعل شركة ''أريفا'' الفرنسية التي كانت تسيطر لوحدها على خيرات المنطقة تواجه منافسة شرسة تهددها بالإفلاس، ويتبين من ذلك أن الفرنسيين يريدون اختلاق كل الذرائع حتى ولو بالتحالف مع ما يسمى ب ''القاعدة'' لعودة جنودها وقواعدها العسكرية إلى منطقة الساحل من النافذة بعدما أخرجت من الباب في فترة الستينات التي شهدت تحرر شعوب المنطقة. ألم تقف باريس في وجه جهود الجزائر بمعية دول منطقة الساحل لتنسيق جهودها في محاربة الإرهاب وتجريم دفع الفدية للخاطفين، بعدما قامت بالإفراج عن إرهابيي القاعدة من سجون مالي، وهي بذلك ''تأكل مع الذئب وتندب مع الراعي. لم يكن وزير الداخلية السابق نور الدين يزيد زرهوني مجانبا الصواب حينما قال بأن نشاط الجماعات الإرهابية يستجيب ل ''أجندة'' أجنبية ويعمل لصالحها، وهو ما دفع دول الساحل وعلى رأسها الجزائر للتصريح في أكثر من مقام بأنها قادرة لوحدها على مواجهة التهديدات الإرهابية دون أي تدخل أجنبي. فلماذا لا يترك الأمر لها فأهل مكة أدرى بشعابها؟.