الغرائز الدنيا في الإنسان إذا أفلت قيادها هوت بالحضارات والأمم ، وملأت مستقبلها ظلاما وقتاما. ولابد في ضبط هذه الغرائز من الصوم الحكيم والحرمان الواعي، والمرء إذا لاحظ فسيجد أن الصيام في ديننا الحنيف كفيل بتحقيق هذه المعادلة على أتم وأكمل الوجوه، لكن الملاحظ في دنيا المسلمين أنهم جعلوا شهر الصيام شهرا للطعام ، وليله الذي كان من الواجب أن يقام أمسى ليل ترفيه وتسلية وسمر هزيل المعنى تافه الأثر . وقد قرأنا أن المهاتما غاندي قد امتنع عن الطعام وأعلن مع قومه في الهند الصيام أيام الاستعمار البريطاني لها، وامتنع بهذه الإرادة عن لبس ماتنسجه المصانع البريطانية وكان أن بدأ بنفسه فلف جسده الضئيل بخرق بالية، واستنكف عن لبس الحرير والصوف ال الفاخر مع قومه حتى أجبر الإنكليز على غلق المصانع والاعتراف باستقلال بلاده. حتى قال في ذلك الشاعر أحمد محرم: لقد صام هندي فروع دولة فهل ضار علجا صوم مليون مسلم؟ هل لدينا هذه القدرة النفسية، وهل نملك هذه الإرادة الفولاذية؟ لقد رأينا بأم أعيننا صائمين غلبوا على أمرهم، فعربدوا وسبوا وخاصموا ، وحجتهم في كل ذلك أنهم صائمون، ومافرض الصيام لهذا وإنما ليتحكم المرء في غرائزه الدنيا، ويروض فيها طباعها البهيمية والسبعية -كما يقول حجة الإسلام الغزالي- وإلا فالأمر كما أخبر سيد البشر: ''رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش''.