لوبيات رؤساء المصالح والمخابر الأجنبية وراء فشل السياسة الصحية في الجزائر رمى رئيس الجمعية الوطنية لالتهاب الكبد الفيروسي، ورئيس شبكة جمعيات الأمراض المزمنة، عبد الحميد بوعلاق، بالمسؤولية كاملة على وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، حول الشلل الذي تعانيه غالبية قطاعاتها. وشرّح بوعلاق وضع الصحة بالجزائر في شكل تحليل رسم فيه القطاع على شكل مثلث تتربع على قمته الوزارة الوصية، ويسيطر عليه لوبيان هامان يمنعان تلك الأخيرة من إحكام قبضتها على أبسط الأمور التسييرية والتنظيمية. وذكر في بيان تحصلت ''الحوار'' على نسخة منه، بأن غياب الإطارات المتخصصة في التسيير الإداري على المستوى المركزي أدى إلى عجز وزارة الصحة عن تحضير برامج ومخططات وطنية، خاصة على الأقل بالأمراض المستعصية والخطيرة، ليقترح إعطاء أولوية إصلاح وتطهير الوزارة قبل القيام بإصلاح المستشفيات وتحضير مختلف البرامج. كتب رئيس شبكة جمعيات الأمراض المزمنة، في تحليله لحالة الصحة بالجزائر، يقول، الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، متسائلا عن دور وزارة الصحة لاسترجاع هذا التاج حتى يراه كل الناس وليس فقط المرضى، وعن موقعها من الأزمة التي شلت جل قطاعاتها في ظل تجاوب المصالح من جهة وسيطرة اللوبيات من جهة أخرى. فالمتأمل لقطاع الصحة في الجزائر، حسب بوعلاق، يجده عبارة عن مثلث يسيطر على قاعدته لوبيان الأول خارجي والثاني داخلي، فاللوبي الخارجي يتمثل في مخابر الأدوية وممولي العتاد الطبي، بحيث أحكم سيطرته على المستشفيات مستغلا كل السبل القانونية وغير القانونية لوضع يده على هذه السوق المربحة وصار يلهث لتحقيق أكبر ربح ممكن من الميزانية الضخمة التي يستفيد منها هذا القطاع، ضف إلى ?لك هشاشة المؤسسات الصحية التي مازالت تتخبط في المشاكل الروتينية المتعلقة بالتسيير التقليدي الذي أثقل كاهلها وغياب التواصل الجدي مع الوزارة الوصية، هذا أمام عجز المسؤولين المركزيين في وزارة الصحة وعدم قدرتهم لاتخاذ أي قرار خاص بتنظيم وتوزيع الأدوية على المستوى الوطني. وأما اللوبي الداخلي، أضاف المتحدث، فيتشكل من بعض رؤساء المصالح الطبية الذين مع مرور الزمن وفي غياب الرقابة الصارمة من قبل السلطات الصحية المركزية والمحلية أصبح يتمتع بنوع من الاستقلالية في تسيير هذه المصالح حتى صارت وكأنها ملكية خاصة، بل ومع مرور الوقت أصبحت على مستوى المستشفيات الجامعية تسمى باسم رئيس المصلحة. واتهم بوعلاق رؤساء هذه المصالح باستغلال الفراغ لتقوية نفوذهم وحماية مناصبهم عن طريق تقديم كل الخدمات لأصحاب المال والسلطة الذين بدورهم وفي مقابل -لك يوفرون لهم الحماية الكاملة والدفاع عنهم في أوقات الحاجة، وإلا كيف نفسر حسبه تجاوز أغلبهم للسن القانونية للتقاعد ويوجد منهم من تجاوز سن السبعين ولا أحد يحرك ساكنا لإزاحتهم من هذه المناصب رغم أنهم لم يصبحوا في سن العطاء لدعم البحث العلمي سواء بنشر أبحاث جديدة أو بتقديم دراسات يستفيد منها عالم الطب بصفة خاصة أو المجتمع بصفة عامة، بل صار معظمهم معول هدم لا عامل بناء، حسبه. أطباء يستولون على مناصب أخصائيي الإدارة الصحية أمام سيطرة اللوبيين، فوزارة الصحة التي تتربع على رأس المثلث أو الهرم وتتمتع بكل الآليات القانونية ولها ثماني مديريات مركزية أغلبها تتكون من ثلاث أو أربع نيابة مديرية، قال رئيس الشبكة، إنها لا تمارس كل الصلاحيات المخولة لها قانونا، وخاصة في ما يتعلق منها بإعداد برامج ومخططات وطنية للتكفل بمختلف الأمراض ومن جميع الجوانب سواء فيما تعلق منها بالوقاية، الكشف، العلاج أو التكفل النفسي، وأرجع الأمر لسببين، أولهما، ضعف التأطير وقلة الكفاءات، بحيث أن معظم هذه المديريات ونياباتها يسيرها أطباء عوض أن يسيرها أخصائيون في الإدارة الصحية أو على الأقل تكون الفئة الغالبة على مستوى الوزارة، فكيف يطلب ممن سخر كل حياته في دراسة الطب ولا علم له حتى بمبادئ التسيير ولم يستفد من أي تكوين في هذا الاختصاص أن يقوم بإعداد برامج ومخططات وطنية أو يقوم بإنشاء بنك للمعلومات ويتخذ قرارات مصيرية قد تؤثر سلبا على السياسة الصحية في الجزائر- وأحسن مثال على ذلك التأخر الفظيع في تطبيق نظام التعاقد المعروف لدى العام والخاص والذي مازال لم يطبق إلى حد الآن منذ سنة1992 رغم إلحاح رئيس الجمهورية على ذلك وتحضير كل الوسائل والآليات المساعدة على تطبيقه من قبل الضمان الاجتماعي. وتساءل بوعلاق في هذا الإطار عن العدد الهائل من الإطارات خريجي المدرسة الوطنية للإدارة والحاملين لشهادات في الإدارة الصحية، وهل تم تقديمهم لمثل هذه المناصب التي تقتضي أهل الاختصاص، مما اضطر أغلبهم سواء بالتسرب إلى وجهة أخرى أو الركون إلى الظل على مستوى المستشفيات ومديريات الصحة والسكان. ضف إلى ذلك العدد القليل من أعوان التأطير أو أعوان التنفيذ، بحيث أن أغلب المستخدمين في وزارة الصحة يشغلون مناصب نوعية ولا يوجد منها إلا الأقلية التي تقوم بالعمل التنفيذي. أما السبب الثاني، فأرجعه إلى غياب الإطارات المتخصصة في التسيير الإداري على المستوى المركزي ما أدى إلى عجز وزارة الصحة عن تحضير برامج ومخططات وطنية خاصة بالأمراض المستعصية والخطيرة أين يتم تطبيقها على مستوى المستشفيات، بل عجزها حتى على إعداد استراتيجية وطنية للقضاء على ظاهرة ندرة الأدوية وانقطاعها في كل مرة رغم وجود مديرية للصيدلة على مستوى الوزارة.