حاول ساسة باريس اعتماد وضعية ''صم بكم عمي فهم لا يرجعون'' في تعاملهم مع الخطوة التاريخية التي قامت بها حكومة برليسكوني التي فكرت ودبرت، ولم تجد بدا من تقديم ''الاعتذار'' إلى الشعب الليبي الشقيق، وتعويضه ماديا عما سببه الاستعمار الايطالي له القرن الماضي من ضحايا ومأساة إنسانية . ولم تكن الخطوة الايطالية التي حاولت فرنسا تجاهلها فعلا منعزلا، أو قرارا اتخذ في حالة ''سكر'' ، بقدر ما جاء بعد تفكير طويل وجاد انتهى إلى قناعة لدى الإيطاليين ،بأنه لا يمكن تجاوز حقائق التاريخ ولا يمكن التطلع إلى بناء علاقات تعاون وشراكة مستقبلية بالتنكر إلى الماضي، مهما كانت درجة مرارته . ولم يكن الايطاليون وحدهم على هذه القناعة بل التحقت بهم أكبر دولة في العالم حاليا، وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي قامت رئيسة برلمانها السيدة نانسي بيلوسي بالوقوف ترحما أمام ضحايا القنبلة النووية من اليابانيين في هيروشيما ،معترفة بالذنب الذي قامت به أمريكا في حق الشعب الياباني إبان الحرب العالمية الثانية . لكن فرنسا التي تدعي أنها بلاد حقوق الانسان ترى فيما فعلته إيطاليا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية بأنه ليس نموذجا ولا سلوكا فريدا من نوعه، وهي محاولة من ساسة باريس للتنصل من مواجهة الواقع والاستمرار في سياسة التهرب التي اعتمدتها في تعاملها مع مطلب الشعب الجزائري الذي مايزال متمسكا بحقه التاريخي والانساني في الحصول على ''الاعتذار'' و''التعويض'' عن حرب الإبادة التي تعرض لها الجزائريون على أيدي جلادي الجيش الفرنسي طيلة 132 سنة من الاستدمار البغيض . الغريب في الأمر أن فرنسا التي تنكرت لحق الجزائريين تحولت إلى محامي للدفاع عن الأرمن، من خلال مطالبة باريس وبالحاح شديد أنقرة بالاعتذار للأرمن، وجعلت من مطلبها ذلك شرطا لتطوير شراكتها مع الاتحاد الأوربي، وهو ما يعني أن باريس وعكس كل دول العالم الأخرى ما زالت تؤمن بالدور الإيجابي للاستعمار وما قامت به في قانون 23 فيفري ليس ''هفوة'' كما حاول اليمين واليسار تصويره، بقدر ما يكشف عن حقيقة ما يختلج في قلب و تفكير ساسة باريس الذين ما يزالون يتشبثون برواسب الفكر الكولونيالي البائد. ومع ذلك يبقى الجزائريون متمسكين بحقهم وديدنهم في ذلك يقول ''ما ضاع حق وراءه طالب'' .