برعاية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للمؤتمر الدولي لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي الذي احتضنته الجزائر وحرص حزب جبهة التحرير الوطني على توفير كل شروط نجاحه، من خلال فتح الباب لجميع الأطياف السياسية والحزبية الفلسطينية وتمكينها من حضوره والمشاركة فيه بعيدا عن أي إقصاء، تكون الجزائر قد أبرقت رسالة قوية ليس فقط للفلسطينيين عن استمرار الجزائر دوما في دعمها المادي والمعنوي والسياسي للقضية الفلسطينية عبر مختلف المنابر والمحافل الدولية والإقليمية، وإنما للعالم أجمع من أن الجزائر استرجعت مكانتها ودورها المحوري بعدما فرضت عليها الظروف الداخلية في العشرية السوداء نوعا من التراجع استغلته لتضميد جراحها. وبتنظيمها لمؤتمر دولي لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال لم تترك الجزائر أي ذرة شك أو تردد من أنها تريد لعب دورها كاملا، واسترداد مكانتها التي حاولت أكثر من جهة تغييبها عن قصد، لكون الجزائر ظلت دوما تدافع عن استقلالية القرار الفلسطيني ورفض أي ضغوط تمارس عليه، وهو الموقف الذي يزعج أكثر من طرف من الذين يريدون دوما وضع إملاءاتهم على الشعب الفلسطيني وقيادته في مفاوضاتهم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وليس غريبا أن تطالب الجزائر بشرعيتها التاريخية والسياسية في أن تكون لها اليد الطولى حول كل ما يدور بالنسبة للقضية الفلسطينية من مستجدات وتطورات، بالنظر لما قدمته من دعم منقطع النظير للقادة والسياسيين والفصائل الفلسطينية، وكذا للشعب الفلسطيني طيلة عقود من الزمن دون أن تطلب ''جزاء ولا شكورا'' من أي أحد، لأنها ترى في ذلك تنفيذا لمبادئ ثورة أول نوفمبر لا أكثر ولا أقل. ولعل هذه الحيادية في التعامل مع مختلف الفصائل الفلسطينية وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية الذي التزمت به الجزائر بالأمس مثل اليوم، هو الذي يجعلها تنجح أيما نجاح في مسكها زمام الأمور وإدارتها لأول ملف تحركه، ألا وهو ملف نصرة الأسرى الفلسطينيين الذين يمثلون القوة الدافعة لنضالات الشعب الفلسطيني في سبيل تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة. ومن هذا المنطلق يشكل الملتقى الدولي لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال بالنسبة للعديد من المراقبين الدوليين، رسالة قوية تبعثها الجزائر مفادها أنها استرجعت سلمها الداخلي، واستردت موقعها الطبيعي في الخريطة العالمية للعلاقات الدولية، ولن ترضى سوى بلعب دورها كاملا غير منقوص في الملف الفلسطيني وغيره من القضايا العربية والإسلامية والإفريقية والدولية، ومن لم يعجبه ذلك فما عليه كما قال المرحوم ياسر عرفات سوى أن ''يشرب من البحر''.