لم تمر ذكرى أحداث الخامس أكتوبر دون أن يطرح كالعادة ما ألفنا أن نسمعه منذ قرابة العقدين، حول حقيقة الأحداث وما أحاط بها من مسببات بلغت بالبعض حد التكلم عن نظرية المؤامرة التي جبل السياسيون على اجترارها، من دون التطرق لما تحقق منذ أن بزغت شمس التعديدية بعد أكتوبر، والحديث عن أداء سياسي هزيل، ومنتخبين منبوذين بعضهم متابع بالفساد.. نواب من ''البقارة وأصحاب الشكارة''، مجتمع مدني نائم، تراجع رهيب في المشاركة الانتخابية، وكل هذا بسبب التعددية. وأكاد أجزم أنه لو قام أو''بعث'' من ذهبوا ضحية تلك الأحداث من قبورهم، لكفروا بهذه الأحزاب حد الإلحاد، ولندموا على ما فعلوا لأنهم أكيد لم يكونوا يتصوروا أبدا أن تتحول النعمة إلى نقمة، وأن تؤدي التعددية وحرية التعبير التي انتفضوا وماتوا من أجلها إلى الفوضى، وأن يصل الأمر حد هذا الإفلاس السياسي والأداء الهزيل، وما يقال على الأحزاب التي يفوق عددها أحزاب القرآن الكريم، ينطبق تماما على ما يسمى عندنا بالمجتمع المدني الغائب عن كل ما هو مدني واجتماعي، لأنه لا يستيقظ إلا على ما هو سياسي وعشية كل موعد انتخابي. ذكرى الخامس أكتوبر بغض النظر عن أسبابها والجدل الذي تحاول بعض الأوساط إثارته حول حقيقتها ومدى عفويتها، تبقى محطة تاريخية هامة والشمس التي بزغ نورها على كل من يتوق للديمقراطية والتعددية في هذا البلد. أكتوبر جاء مرة واحدة في الزمان والمكان والمبشرون بأكتوبر آخر على الأبواب، بدعوى تشابه ظروف البلد في 1988 مع الظروف الحالية هو ضرب من ضروب الخيال لأن الشعب الذي قام بتلك الانتفاضة أصبح اليوم يزهد في الانتخابات بسبب أداء الأحزاب وملله منها، وما تقدمه له من ''بقارة سياسيين'' قمة في الرداءة والعته السياسي، والمصوتون منه ينتخبون بطريقة أشبه ما تكون بالعقوبة، وكأنهم يحنون إلى زمن الأحادية وعدم وجع الرأس، بما أنه لا مجال للمقارنة بين الفترتين سواء من حيث الهدوء الاجتماعي والسياسي أو المستوى المعيشي للمواطن. والمراهنون على أكتوبر آخر للصيد فيه واهمون وطماعون فوق ما هو مسموح به لأن ''المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين.''