صدر مؤخرا عن المجلس الأعلي للثقافة المصري كتاب بعنوان ''المستبد العادل: دراسة في الزعامة العربية في القرن العشرين'' تأليف الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ في جامعة القاهرة. يحاول الكتاب رصد وتتبع فكرة المستبد العادل، وتبلور ذلك النموذج في العالم العربي، منذ القرن التاسع عشر، حتى الآن. يرى المؤلف أن أجيال المثقفين المصريين والعرب طالما حلمت بالحاكم المستبد العادل الذي يخلصها من مشكلها ويحقق لها أحلامها! كما أن الجماهير العربية في حاجة دائما إلى ''كبير'' وليس إلى دولة مؤسسات، وأن العقل العربي صنع أسطورة المستبد العادل وجسدها في شخص عبد الناصر، واستلم الراية من بعده السادات ''كبير العائلة'' في مصر، وصدام حسين في العراق، وعرفات في فلسطين''. يوضح الكتاب كيف تبنى الإمام محمد عبده - خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر - هذا النموذج في مقالاته، وقدم الإطار النظري له، وقدم أفكاره لأول مرة بشكل واضح في مقال له بعنوان ''إنما ينهض بالشرق مستبد عادل'' نشر بمجلة الجامعة العثمانية في ماي 1899 قاصدا به الرد على من يقولون بأن صلاح الشرق يكون بالأخذ بالحياة النيابية. يمضي الكتاب ليوضح كيف تصدى المفكر الليبرالي، أحمد لطفي السيد، لأنصار المستبد العادل، إذ رفض فكرة الجمع بين الاستبداد والعدل في نموذج واحد، بل يراه خياليا ولا سند له من وقائع التاريخ، وحلم غير واقعي تلجأ إليه الأمة في لحظات الوهن، ويرى أن أحد أسباب انتشار هذه النظرية هو فشل المشروع الليبرالي في الشرق، وبالتالي استسهال الهرولة نحو النموذج البديل. ثم يجيء دور جمال عبد الناصر لتجسيد حلم الجماهير في المستبد العادل، والذي وعى مبكرا لهذا الحلم ونذر نفسه لتجسيده.