تخصص الإذاعة الوطنية عبر قنواتها المختلفة حصصا وبرامج للتكافل مع المواطنين من المرضى ومن يطلقون نداءات الاستغاثة عبر موجات الإذاعة.. اتصالات ذوي البر والإحسان والذين تتهاطل اتصالاتهم منذ انطلاق البرامج كالمطر فترسم الفرحة على وجوه حالات مختلفة سرعان ما تزول لأنها اتصالات زائفة من مواطنين بدون ضمير يتلاعبون بعواطف المحتاجين .هذا ما لمسته ''الحوار'' في استطلاع ميداني داخل مبنى الإذاعة الوطنية خلال البث المباشر لحصة ''قلوب رحيمة'' عبر القناة الأولى. برامج التضامن في القنوات الإذاعية تشتكي الوعود الكاذبة الأحد، موعد البث المباشر للحصة الأسبوعية ''قلوب رحيمة '' عبر أمواج القناة الأولى، والداخل لمبنى الإذاعة من أول وهلة يلفت نظره العدد الكبير للأشخاص الجالسين بقاعة الانتظار باختلاف حالاتهم وإعاقاتهم وهم يطلبون من أعوان الحراسة السماح لهم بالدخول لمقابلة منشطة الحصة أو مخرجتها لعرض حالاتهم على المباشر، فالبرنامج اجتماعي خيري عرف النور منذ 18 سنة وحقق من خلاله الفريق العامل أحلام العديد من المواطنين سواء في العلاج أو الحصول على الأدوية أو عتاد خاص بالمعاقين بفضل الإعانات التي يقدمها المتصلون لهم، وعلى قدر النجاح الباهر الذي حققته بقدر ما زاد عدد طارقي أبوابها طمعا في الحصول على المساعدة وبقدر ما زادت الحسرة في قلوب المحتاجين بعد أن يتبين لهم أن الاتصالات وهمية ولا نية لأصحابها في المساعدة الفعلية. أكثر من 15 اتصالا للحالة الواحدة علمنا من أحد المستمعين الدائمين على متابعة الحصة أنها تحقق أحلام من يوجهون نداءات الاستغاثة عبرها، حيث يتصل ما لا يقل عن خمسة عشر شخصا يعدون بتقديم المساعدة لحالة ما، وما أن يشارف البرنامج على نهايته حتى يعتقد طالب الإعانة أنه قد حقق هدفه، إلا أن مصدرنا هذا شد انتباهنا إلى عدم تيقنه من أن كل المتصلين جادين في وعودهم، خاصة وأنها تبدو للمستمع أنها مبالغ فيها من قبل أولئك الذين يؤكدون هاتفيا أنهم سيتكفلون بصفة تامة بالحالة التي تطلب المساعدة مهما كانت التكلفة، وبمجرد أن تتلقى مقدمة البرنامج اتصالا كهذا تبدأ الوعود تتهاطل وكلها متعلقة بمساعدة نفس الحالة. ما يثير الشك حول صدقها وصحتها، وهل فعلا ستتلقى فعليا المساعدات من قبل المتصلين. وللتأكد من الأمر ارتأينا الاتصال بمنشطة الحصة ''سامية عنو'' والمخرجة ''السيدة ياسينة'' باعتبارهما أدرى بكواليس برنامجهما، فكان أن استقبلتانا خلال البث المباشر للحصة وفي كواليسها لنسلط الضوء على ظاهرة على ما يبدو أنها باتت متجذرة لدى بعض المواطنين من محبي التباهي، وإن كان ذلك على حساب آمال ومشاعر الغير من دون إدراك عواقب فعلتهم . ليس كل المتصلين جادين دخلنا قاعة الانتظار حيث تجتمع الحالات قبل البدء في البث المباشر للحصة، ووجدنا حالتين تنتظران قدوم معدتا البرنامج، جلسنا معهما فسألنا الشاب الجالس على الكرسي المتحرك هل سنشارك في عرض حالته في البرنامج، وحينها أطلعناه عن سبب تواجدنا أكد بدوره أنه بعد الوعود الكاذبة التي تلقاها من متصلين بالإذاعة الجهوية لسطيف قرر التوجه إلى الإذاعة الوطنية وهو يعلق آمالا عريضة على هذه المشاركة في تلقي مساعدات لاقتناء دراجة نارية خاصة بالمعاقين ليتنقل من خلالها بين المنزل والعمل، فأدركنا أن عدوى الاتصالات الكاذبة قد طالت حتى الإذاعات الجهوية. ونحن نتجاذب أطراف الحديث مع ''حفاصة العمري'' هذا الشاب الطموح صاحب ال 25 ربيعا، دخلت مقدمة البرنامج ''سامية عنو'' التي سرعان ما سمعت حديثنا حتى أكدته عن تجربة وخبرة في الميدان لمدة 18 سنة، إلا أنها طمأنتنا أنه ليست كل الاتصالات وعودا وهمية، وأن هذا ما سنكتشفه بأنفسنا طيلة البث المباشر وبعد انتهائه، حيث يستمر العمل في الكواليس وهو الجزء الأصعب في المهمة بالأستوديو المركزي. كنا رفقة المخرجة ''ياسينة'' وبعد الدقيقة التاسعة من انطلاق البرنامج وتقديم المنشطة للحالة الأولى رنّ الهاتف ردت المخرجة فقالت هذا أول اتصال لم تمرره مباشرة على الهواء وأضافت أنها سألت المتصل عن اسمه ومكان تواجده فكانت سيدة من العاصمة، طلبت منها رقم هاتفها لتتمكن من الاتصال بها بعد انتهاء البرنامج، حيث وعدت السيدة الشاب ''حفاصة'' بتأمين نصف المبلغ اللازم لشراء الدراجة النارية، لتتوالى الاتصالات وكانت المخرجة تتبع دائما نفس الخطوات في تدوين اسم ورقم هاتف المتصل بنفسها في سجل خاص قالت عنه إنها لا يفارقها، وعرض جميع المتصلين مساعداتهم التي كانت عبارة عن وعود بمبالغ مالية تتراوح بين 15 ألف و30 ألف دينار، حيث كانت المخرجة والمنشطة تجريان عملية حسابية لمعرفة ما إذا تمكنتا من جمع مبلغ 11 مليون سنتيم ثمن الدراجة، وما إن كادت تمر 45 دقيقة من وقت البرنامج حتى أعلنت المنشطة أن ''حفاصة'' سيتمكن بمجرد عودته على مدينة سطيف من اقتناء دراجته المنشودة . وفي الدقيقة الثلاثين كانت المنشطة قد عرضت الحالة الثانية للطفل الصغير ''علاء الدين'' البالغ من العمر سنتين والذي يحتاج إلى عملية إعادة التأهيل الحركي بأسرع وقت ممكن حتى يسترجع القدرة على الوقوف مجددا على قدميه واحتياجات أخرى سردتها والدته بالتفصيل وعلى المباشر، فتلقت المخرجة أربعة اتصالات من داخل الوطن وواحدا من الخارج من طرف جزائري مقيم بإيطاليا، وعدها هذا الأخير بمساعدة الصغير ''علاء الدين'' في الخضوع لجلسات إعادة التأهيل الحركي في القطاع الخاص بإرسال مبلغ مالي كاف لهذا الغرض إضافة إلى تزويدها بكل الأدوية التي يحتاجها ابنها وغير متوفرة داخل الوطن. وبعد نهاية البرنامج قالت المخرجة إن العمل الجدي سيبدأ الآن، حيث تنتقل رفقة المنشطة إلى المكتب في الطابق السابع للاتصال بمن قدموا الوعود بالمساعدة، وهنا تكون أحيانا خيبة الأمل، فكما قالت المخرجة''ياسينة'' ليس كل المتصلين جادين. لم أتصل..الرقم خاطئ ... عبارات تحطم الآمال رافقنا ''سامية'' و''ياسينة'' إلى المكتب حيث شرعتا في الاتصال بقائمة المحسنين السابقين، وكان من بين مجموعة الأرقام التي شكلتها رقمان خاطئان وآخر رد صاحبه ليقول إن الرقم فعلا له ولكنه لم يتصل أبدا بالحصة. أمور كهذه تعودنا عليها فنحن نواجهها منذ 18 سنة، قالت المخرجة، وأصبحنا نتوقع حدوثها معنا باستمرار وكل أسبوع بعد بث البرنامج، ولكن حتى وإن كنا نحن قد ألفناها إلا أنها تحطم آمال الحالات التي نعرضها فهي لا تتوقع أن تصدم بوعود كاذبة يقدمها المتصلون من أجل التباهي وحسب، ومن تلك الوعود تكون خاصة تلك التي يقول أصحابها إنهم سيتكفلون بصفة تامة بالحالة، فبحكم الخبرة صرنا نتوقع نوع الاتصالات الكاذبة ونميزها عن تلك الصادقة. لازال الخير في هذه الأمة حتى وإن كانت اتصالات كهذه لا تخلو من كواليس البرنامج ولم تتوقف يوما، يجد فيها أشخاص أقل ما يمكن أن يقال عنهم إنهم مرضى نفسيوين يحبون الظهور والتباهي ولو على حساب مشاعر وآمال أشخاص مرضى ومعاقين، فإنه لازال هناك ''أولاد الحلال'' حسب ما قاله لنا كل العاملين في البرنامج من منشطة ومخرجة والفريق التقني فهناك متصلون دائمون أو بالأحرى ''متبرعون دائمون'' من أصدقاء البرنامج يمكن أن نطلق علهم فعلا تسمية ''قلوب رحيمة''، فهم يتصلون ويوفون بوعودهم باستمرار ويأتون قبل انتهاء بث البرنامج على مقر الإذاعة ليقدموا ما وعدوا به على المباشر، والأهم من ذلك أنهم يرفضون الإدلاء بأسمائهم فيفضلون أن نقدمهم تحت تسمية متبرع أو متبرعة للبرنامج، وفعلا التقينا بأحد المتبرعين الدائمين للبرنامج مباشرة بعد نهايته جاء ليصطحب معه الشاب ''حفاصة'' إلى أحد محلات بيع أجهزة المعاقين لاقتناء الدراجة النارية التي كان يرغب فيها، رفض هذا الشخص الطيب الذي أصبح متبرعا وفيا لقاصدي البرنامج الكشف عن هويته الحقيقية وقال يمكنكم مناداتي بمحمد إن شئتم، وأجاب عن سؤالنا حول رأيه فيمن يتصلون لتقديم وعود كاذبة قائلا ''لازالت الدنيا بخير ومازال أولاد الحلال.