ربط القدر مصيرهم بآلات ''الدياليز''، لو عرفت حجم الألم الذي يسكنهم لرثيت لحالهم، تمتزج في عيونهم نظرات اليأس والحزن وهم على سرير المرض وأنابيب تصفية الدم مربوطة إلى أجسادهم النحيلة في عملية أجبروا على القيام بها ثلاث مرات في الأسبوع، لأن كلاهم عجزت لسبب ما عن القيام بدورها وأوكل الطب الحديث المهمة إلى آلة تصفية الدم التي استطاعت تخفيف الألم ومنحهم جرعة أمل إضافية في الحياة ولكن. لم يخف المرضى الذين التقينا بهم في مصلحة تصفية الدم بمستشفى مصطفى باشا الجامعي معاناتهم مع مرضهم ومع الآلة التي أبعدتهم كثيرا عن الحياة الطبيعية. يقول عمي حسين الذي كان بصدد القيام بعملية تصفية الدم بالمصلحة: ''إن أصعب شيء صادفني في حياتي هو إصابتي بضعف شديد في الكلى هذا الأمر ربطني بآلة تصفية الدم إلى الأبد، ورغم المعاناة التي نتكبدها يوميا من أجل الوصول إلى المستشفي فنحن ملزمون باحترام الوقت المحدد للتصفية حفاظا على أرواحنا أولا وثانيا لأننا لسنا وحدنا من نقوم بهذه العملية فهناك آلاف المرضي الذين يقصدون المصلحة من اجل تصفية الدم. ''لم أكن أتصور يوما أن يكون مصيري مقترنا بآلة''.. الاعتراف بهذا الأمر صعب جدا خاصة لرجل ورب أسرة تحتاج إلى من يقوم على شؤونها. وفي الجهة المقابلة لسرير عمي حسين كان الشاب محمد مربوطا هو الآخر بآلة تصفية الدم التي داوم على زيارتها، كما قال، منذ سنوات، ولم يعد الأمر يهمه كثيرا رغم أنها أبعدته عن أشياء كثيرة منها المدرسة وكرة القدم وغيرها من الأشياء الأخرى التي كان يحبها. وأضاف محمد قائلا إن آلة تصفية الدم تربطك إلى جانبها وتمنعك من التمتع بالحياة الطبيعية فنحن ملزمون باتخاذ الكثير من الحيطة والحذر في تعاملاتنا اليومية كما يجب علينا إلا نفوت ولا جلسة واحدة لتصفية الدم فأي خلل من هذا النوع قد يؤدي إلى تأزم حالتنا الصحية أكثر ولا يوجد شيء في هذه الحياة أصعب من القيود التي يفرضها عليك الآخرون وتكون مجبرا على تنفيذها لأن أي خطأ أو تقصير سيضرك أنت وحدك. مصير محتوم وأحلام ممنوعة يعاني الكثير من مرضى الكلى الذين يضطرون للتوجه إلى المستشفى ثلاث مرات أسبوعيا لتصفية الدم، من عدة صعوبات لعل أهمها عدم قدرتهم في كل مرة على حجز مكان بجانب الآلة نتيجة الاكتظاظ الكبير الذي تشهده مختلف المصالح المختصة بتصفية الدم التابعة لمستشفيات العاصمة. وأمام العدد الهائل لمرضي الكلى يضطر المرضى إلى التنقل من مستشفى لآخر على غرار مصطفى باشا الذي يقوم بعملية تصفية الدم أولا للمرضى المتواجدين في مختلف مصالحه الداخلية ثم المرضى القادمين من المناطق القريبة من العاصمة بالإضافة إلى مشكل تعطل العديد من هذه الأجهزة في كل مرة وهذا ما يخلق ضغطا كبيرا على المصلحة وعلى نفسية المرضي كذلك.أما المستشفيات الأخرى مثل مستشفي نفيسة حمود بحسين داي أو مستشفي بني مسوس فتستقبل هذه الأخيرة مرضى من مختلف المناطق الأخرى للوطن. ولا تقتصر معاناة مرضى الكلى على هذا الحد بل تزداد خلال فترات معينة مثل الشتاء حيث تكبر معاناتهم في ظروف مناخية سيئة، ناهيك عن معاناتهم النفسية وابتعادهم عن الحياة الطبيعية كثيرا خاصة منهم الشباب والفتيات الذين تتضاءل الكثير من أحلامهم وتطلعاتهم أمام عدم قدرتهم على مواجهة هذا المرض المزمن وعدم تمكنهم من الحصول على كلية ليتمكنوا من العيش كباقي البشر. ويبقى أمل الحصول على كلية متبرع ما سواء أكان من الأهل أو من جهة أخرى، يراود الكثير من المرضى خاصة الشباب منهم وهذا ما استقيناه من الحديث مع عدد منهم، كما أن الكثير من الأعمال لا يمكنهم القيام بها وكثير من الرياضات لا يمكنهم ممارستها لأن أجسادهم لا تقوى على ذلك. العيادات الخاصة حل بديل يلجأ الكثير من مرضى الكلي خاصة المستفيدين من مزايا التأمين الاجتماعي إلى العيادات الخاصة التي تملك أجهزة لتصفية الدم للقيام بالعملية بمبالغ معينة، لكن ما لاحظناه أن العيادات الخاصة أصبحت حلا للمرضى الذين لم يتمكنوا من حجز أماكن لهم داخل المستشفيات وهم في الغالب ممن يقومون بزيارات لأقاربهم، حيث يضطرون إلى ترك المصالح التابعين لها في ولاياتهم. وأمام انعدام فرصة التصفية في المستشفيات العمومية، لأن هذه الأخيرة لها مرضاها وبرنامج التصفية الخاص بكل مريض تابع لها، فتقوم برفض الحالات الوافدة إليها، يقوم هؤلاء بالاستعانة بالعيادات الخاصة بتصفية الدم لكي يتمكنوا من ممارسة حياتهم بصورة طبيعية والتمتع على الأقل بأيام راحة مثلهم مثل بقية الناس وتبقر آلة تصفية الدم هي العون الوحيد لمرضى الكلى للبقاء على قيد الحياة إلى أن يتمكنوا من الحصول على متبرع يمحو عنهم الألم ويبعد عنهم آلة تصفية لدم إلى الأبد