«بما أن السيدة وزيرة الثقافة لم ترَ أن من المناسب منع هذا المعرض البغيض فقد بات علينا، كمواطنين فرنسيين، أن نتحمل مسؤولياتنا وأن نتحرك ضد هذا التمجيد للإرهاب الناجم عن الهمجية الإسلامية». بهذه الكلمات دعت أوساط المنظمات اليهودية في فرنسا مؤيديها إلى النزول إلى الشارع، اليوم الأحد، والتظاهر أمام متحف يطل على ساحة الكونكورد في باريس. وسط الساحة، تنتصب المسلة الفرعونية التي يفترض أن مصر «أهدتها» لفرنسا قبل 150 عاما. وفي الزاوية الشمالية اليمنى من الساحة يقع متحف «جو دي بوم» المخصص للأعمال الفوتوغرافية المتميزة. وهو يستضيف، حاليا، معرضا للمصورة الفلسطينية الشابة أحلام شبلي. إنها الصور التي أثارت حفيظة الجمعيات الصهيونية فأقامت الدنيا وأقعدتها في سبيل إلغائه ومنع الصور «الآثمة». ماذا فعلت أحلام؟ إن معرضها يتوزع على عدة قاعات ويضم عشرات الصور الموزعة على بضعة موضوعات. كل قاعة تحتضن موضوعا. لكن بيت القصيد هو تلك القاعة الصغيرة المعتمة في الآخر، التي تمتلئ جدرانها بما يمكن وصفه بأنها صور داخل الصور. لقد ذهبت بكاميرتها إلى بيوت الفلسطينيين في غزة والضفة والمخيمات والتقطت مشاهد لصور الشهداء المعلقة في غرف أهاليهم. إن من حق الوالدة أن تتباهى بابنها الشهيد وتضع ملامحه أمام عينيها. لا تبدو غرفة المعيشة في بيت كايد خليل أبو مصطفى مختلفة عن مثيلاتها في بيوت العائلات المتوسطة. لا تزال صينية الشاي موجودة على المنضدة الواطئة، بجوار باقة من الأزهار الاصطناعية. وعلى أرضية الغرفة سجادة بسيطة ذات نقوش هندسية. ومن السقف يتدلى مصباح بغطاء بلاستيكي أبيض. والنافذة مغطاة بستارتين صفراوين تتوسطهما ستارة من الدانتيلا. هناك، أيضا، ثلاثة أطفال يلعبون. بنت وولدان. وسيدة تتلفع بوشاح صوفي وتغطي شعرها بطرحة. لا شيء يلفت النظر في الغرفة سوى ذلك الملصق الكبير المعلق على الجدار، يمين النافذة. إنه لشاب في أول البلوغ يحمل بيده بندقية آلية. هذا هو كايد، الشهير بمكيري، ابن السيدة الظاهرة في الصورة وشقيق الأطفال اللاعبين في مساء شتائي عادي. ونفهم أنه قد قُتل دفاعا عن فلسطين. ونقرأ على الملصق أنه كان «فهد كتائب شهداء الأقصى». عبارة موجعة أقلقت حساسيات المعارضين لهذه الصورة ومثيلاتها فأصدروا بيانات الاحتجاج ضد المعرض وكتبوا إلى وزيرة الثقافة يطالبون بإنزال الصور «الإرهابية» عن الجدران. لكن إدارة المتحف لم تتراجع (حتى الآن) وأشهرت سيف حرية التعبير التي يكفلها القانون. خدمت الضجة معرض أحلام شبلي ووفر له المعترضون دعاية غير متوقعة. وعندما ذهب الزوار وتجولوا في قاعاته وجدوا أن المصورة الفلسطينية الشجاعة قد خصصت، أيضا، مجموعة من الصور لأولئك الملتبسين جنسيا والمطرودين إلى هوامش المجتمعات الشرقية. إن من محاسن متشددينا أنهم لا يهتمون بالمعارض وإلا لأصدروا بيانات التحريم وتداعوا إلى التظاهر ضد الفنانة.. على الطرف المقابل لليهود.