يعرف شهر رمضان بشهر الموائد الذي تجتمع فيه الأسر و الضيوف حول الأطعمة من كل صنف و نوع ،فما إن تبدأ تباشير الشهر الكريم حتى تقوم الأسر بمختلف فئاتها بالتوجه إلى الأسواق لشراء الأطعمة والمأكولات التي تملأ رفوف المطبخ والثلاجة،و من ثم يقومون بتناول القليل منها و إتلاف ما تبقى،ما يدفع إلى التساؤل حول الحضور الدائم لظاهرة التبذير داخل البيوت الجزائرية و بالخصوص في هذا الشهر الفضيل الذي يتنافى و مثل هذه الأخلاق. يكون سلوك الإسراف حاضر غالبا في البيوت الجزائرية في شهر رمضان المعظم، فالبذخ الذي تتميز به المائدة الرمضانية بسبب طهي وطبخ العديد من المأكولات وإعداد للمشروبات، و من ثم تكدسها و إتلافها ،هي ظاهرة سلبية ارتأت يومية "الاتحاد" أن تتوقف عندها تزامنا و الشهر الكريم حيث استطلعت آراء بعض المواطنين من كلا الجنسين في بعض أحياء من العاصمة. ..حواء في رمضان تطبخ و ترمي ".. المائدة تع رمضان ماشي كيما تع باقي الشهور.. لازم نطيب 3 إلى 4 أطباق في اليوم..،هذا ما بدأت به "كريمة" من بئر خادم حديثها ليومية "الاتحاد" في تفسيرها لظاهرة البذخ في المائدة الرمضانية،فهي لا تستطيع الاكتفاء بإعداد طبق واحد بحجة أن المائدة في الشهر الكريم يجب أن تتوفر على كل أصناف و أطباق الطعام،فيما تضيف "سهيلة" من القبة و هي حديثة الزواج أنها تعمل جاهدة لإعداد الأطباق التي يشتهيها زوجها،و هو من النوع الذي لا يحب الأطعمة القديمة "الصّابحة"،و بالتالي فهي مضطرة يوميا لإعداد أطباق جديدة قائلة:" مياكلش راجلي الصابح لازم نعاودو نطيبو كل يوم جديد أو نرمو القديم.."،و بالتالي يأخذ التبذير نصيب في مطبخ الكثير من النساء الجزائريات في إسرافهن في طبخ الأطعمة التي يكون مصيرها مقالب من النفايات. ..و رجال يشترون كل ما تشتهيه أعينهم فيما أرجع بعض الأزواج الذين التقت بهم يومية "الإتحاد" في بعض أحياء العاصمة، سبب إقبالهم المحتشم على الشراء في الأسواق بكثرة في الشهر الفضيل،إلى أن الفترة التي يتسوقون فيها في رمضان تكون في الفترة المسائية أين تزيد درجة العطش و الجوع عند الصائم فيقبل على شراء كل ما تشتهيه عينه خاصة أمام حلة الأسواق الرمضانية التي تغري عين الشاري،و بالتالي يدخلون في دوامة الإسراف و التبذير،و يقول في هذا الصدد "محمد" من العاصمة أنه يقتني من أربع إلى خمس أنواع من الفواكه و في الفطور لا يذوق منها سوى نوع واحد منها، فيما علق زميله "عبد الغني" أنه يوميا يجدد العزم على عدم إعادة شراء كمية كبيرة من الطعام و لكن لا يستطيع التحكم في نفسه حتى أنه يصل به الأمر إلى شراء يوميا أشكال و أنواع من الخبز في حين لا يتجاوز أفراد عائلته أربعة أفراد ،ناهيك عن أنواع المشروبات التي لا تكاد تفارق قفته الرمضانية،هي حالة الكثير من الرجال الذين يقبلون بلهفة على اقتناء ما لذ و طاب في الأسواق ،و من ثم يمتنعون عن أكله بعد آذان صلاة المغرب في حين يكتفون بشرب كمية كبيرة من الماء،فمن غير إرادتهم يدخلون دوامة الإسراف خاصة في الأسبوع الأول من رمضان. ..و الشرع ينهي عن الإسراف في رمضان لقد جاء الذم القطعي الصريح للترف و الإسراف في الطعام والشراب في قوله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) والإسراف في شهر رمضان المبارك وغيره من أيام السنة منهي عنه، فإنفاق الأموال على هذه النعم، ومن ثم إهدارها وإلقائها في النفايات، مخالفة لتعاليم ديننا، وأمر ينكره الشرع ويحرمه ويزيد في تحريمه الإسراف المنهي عنه، وإنفاق للأموال في غير محلها، وختمها في إلقاء الأطعمة في مرمى النفايات، وحاوياتها مع الأوساخ والنجاسات فهي مخالفة شرعية كما أنها مخالفة عقلية فالعقل لا يقبل أن نرمي الطعام السليم على الفاسد في النفايات كما أنها مخالفة اجتماعية وخلقية لأنها تزيد من النفايات وأكياس القمامة، فهو منظر سيئ وروائح كريهة،وظاهرة الإسراف في الأطعمة والمشروبات في شهر رمضان المبارك لا تقتصر - مع الأسف - على الموسرين بل تشمل جميع الأسر غنيها و فقيرها وأصبحت هذه العادة السيئة صفة ملازمة لجميع الأسر وامتدت هذه الظاهرة أيضاً إلى الإفطار في بعض المساجد، وذلك حينما لا يتم التنسيق مع إمام المسجد أو القائم على برنامج الإفطار، فيحضر كل شخص ما يراه من الأطعمة والتمر مما يفيض عن حاجة الذين يفطرون في المسجد، وقد يكون بعضه مما لا يسهل حمله أو نقله فيرمى ويتلف،إننا مسئولون أمام الله عن هذه النعم التي أنعم الله بها علينا، مؤولون عن شكرها وحسن التصرف فيها، وقد أمرنا - سبحانه وتعالى - بالسعي في الكسب الحلال، وفي المقابل أمرنا أن نصرفها وننفق هذا الكسب في حلال، ودونما إسراف أو تبذير، وكما نهى الله - سبحانه وتعالى - عن الشح والبخل والتقتير وحرمه، نهى أيضاً وحذر من البذخ والإسراف والتبذير،ونحن في شهر رمضان، شهر البر والإحسان، شهر المغفرة والرضوان، شهر التقوى.. يجب أن نحرص على الالتزام بهدى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأن يظهر علينا أثر نعمة الله - سبحانه وتعالى - ولكن دون سرف، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما قال: (كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطاك خصلتان: سرف و خيلة) وما أحوجنا في هذا الشهر إلى أن نلتفت إلى ما نحن عليه من أمور سلبية وخاطئة في حياتنا، فنتقي الله، وليكن شهر رمضان منطلقاً لتصحيح هذه الأخطاء وان نحرص على عدم الإسراف والتبذير، وان نبدل هذه العادة السيئة إلى عادة حسنة، فنبقى على ما كان يطهى ويطبخ، ثم نقوم بتوزيعه على المستحقين من الفقراء والمساكين، أو إهداء الجيران أو المشاركة في إطعام وإفطار الصائمين في المساجد والجمعيات.