على مر السنين والعصور شغل الجمال والزينة حيزا واسعا من حياة المرأة واهتماماته، و المرأة العربية من بين أولى المتسابقات التي تسابقت لتجميل نفسها بالحناء والكحل..فتغنى الشعراء بعيونها الساحرة، واعتبروها مصدرا للإلهام، ورمزا للجمال، وأبدعوا في وصف شكلها ورموشها وبريقها، إلا أن هذا السحر لا يكتمل من دون الكحل وسيستمر هذا الاهتمام من قبل المرأة منذ الخليقة وإلى قيام الساعة لأنها من كماليات الأناقة و رسولنا عليه الصلاة والسلام قال في حديثه "إن الله جميل يحب الجمال".. وهذا يبين بأن الجمال مهم في حياتنا ولكن دون الخروج عما توصي به الشريعة، وفالجمال ليس مقتصر على النساء فقط بل على الرجال أيضا.. والمقصود في الحديث ليس الجمال المتكلف الذي نمر به في عصرنا الحاضر من عمليات تجميلية تشوه الوجه و مستحضرات تجميلية كيميائيه تذهب جمال البشرة..بل المقصود بالجمال هو الجمال البسيط المتواضع الذي تواجد في نساء العصر القديم قبل أن تكتشف مستحضرات التجميل الحديثة..على الرغم من بساطة مظاهر الزينة الخارجية للمرأة قديما إلا أنها كانت تحرص على إبراز ملامح الجمال العربي والتي ترتكز في إبراز جمال العيون وتخضيب اليد بنقوش الحناء، و الكحل كان حليتها الملازمة لعينيها فما من امرأة لم تضع الكحل، بل إن الكحل لم يقتصر في القدم على المرأة فكان الرجل أيضا يضعه ويكحل به عينيه ويجده فضلا عن جماليته قوة لعينيه وحدة لبصره، فالكحل استخدم منذ مئات السنين، وقد تبين أنه كان يدخل في معظم الوصفات الخاصة بالعيون في عهد الفراعنة، كما كان شائع الاستعمال عند العرب رجالا ونساء، وورد في الحديث النبوي الشريف أن رسول الله صلى الله عليه واله سلم قال «اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر». وجاء تعريف الإثمد على انه حجر معروف أسود يضرب إلى الحمرة يكون في بلاد الحجاز، وأجوده ما يؤتى من أصفهان. ومن خصائصه انه يقوي بصيلات أهداب العين، فيحفظ الرموش فتطول أكثر، وبذلك تزداد قدرتها في حفظ العين من أشعة الشمس، والغبار والأوساخ، فتزيد الرؤية وضوحا وجلاء، أكثر منها في استعمال الأكحال الخالية من الإثمد.اليوم تضج المتاجر بأنواع الأكحال، وبين القديم من الكحل والحديث منه نجد ذوق المرأة يركن إلى الأصالة حينا والى الجديد حينا آخر، فقد تستغني المرأة، خصوصا العربية، عن جميع أدوات التجميل من احمر شفاه والماسكارا وكريم الأساس، إلا قلم الكحل الأسود، الذي لم تهزمه أقلام الكحل الملونة الزرقاء والخضراء، التي تبقى مجرد موضة عابرة تظهر وتختفي. "عود القرنفل" و"حجرة السودة" و "المهراس" التقت الاتحاد بخالتي فرحة الترقية سبعينية من تقرت فقالت: "حين أدركنا طريقة صناعة الكحل قررنا إنتاجه بأيدينا فجانسنا تركيبته بما يناسبنا وليس وفق معايير صناعته التي اختلفت من منطقة إلى أخرى، ذلك لأن أغلب مكوناته متوافرة، وهي عبارة عن خليط عدة أنواع من المكونات الطبيعية التي تنتشر أغلبها في بيئتنا، وهو لا يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد لصناعته، فبعد أن يتم تأمين "عود القرنفل" و"حجرة السودة" يدقا بواسطة "المهراس" النحاسي حتى يصبحا مسحوقا ناعما كالبودرة، ومن ثم نحضر عددا من حبات الزيتون الأسود وأغصان صغيرة من الغار لرائحتها الذكية، ويتم تحميصها على نار هادئة حتى تتفحم، ومن ثم نضعها في "المهراس" النحاسي وندقها لتصبح ناعمة كسابقاتها، ونمزجها مع باقي المكونات لتتفاعل وتتجانس فيما بينها، وهنا تبدأ الجدات بالتشاور فيما بينهن لتجريب "الكحل" وإدراك إمكانية التعديل فيه، حيث إن أغلب التعديلات تطرأ على كمية مادة "عود القرنفل" لدوره في التعقيم والتطهير". وأضافت من الطقوس التراثية للاستشفاء ب"الكحل " عند الكبار تكحيل العين عند إصابتها بما يعرف "الشعيرة" لتعقيمها والشفاء منه. "بالكحل والمرود نحمي وليدي من الرمد" وتضيف السيدة محزوم فريدة من تيزي وزو "لم يكن تزين النساء والشابات في مقتبل العمر خلال المناسبات السعيدة والحياة اليومية، المهمة الأساسية في استخدامات الكحل إنما تعدى ذلك إلى استخدامه في الوقاية من بعض الأمراض كالرمد في مرحلة الطفولة وخاصة للأطفال حديثي الولادة، حيث أصبح هذا الأمر عرفا تراثيا يتقيد به جميع أبنائنا، فكانت النساء تكحلن عيون جميع المواليد الجدد من الذكور والإناث على حد سواء، ويتم ذلك بواسطة عود صغير من شجيرات "المرود" بعد أن يتم تشذيبه وتجهيزه ليناسب حساسية العين، فيوضع ضمن "الكحل" ومن ثم يرفع ويمرر على جفني كل عين بطريقة فنية رقيقة لا تؤذي العين وخاصة عند الأطفال كثيري الحركة". استخدامه فن.. و يدوم لأيام عديدة أما فريال عشرينية فتفضل الكحل الحديث المصنع على شكل مادة لزجة كالعجين على الكحل التقليدي لأنه حسبها أكثر تماسكا في العين ولا يلطخ الجفون السفلية..وعن كيفية استعماله تقول نرجس 30 سنة: أمرر "المرود" على جفني كل عين وفق مرحلتين: الأولى منهما تكون خفيفة وبسيطة ليتفاعل "الكحل" مع العين وتتأثر به وتذرف الدموع وتسيل على الوجنتين، ومن ثم أمسح وأنظف مكان السيلان، وهنا تخلصت من مرحلة سيلان الدموع السريعة، أما المرحلة الثانية فتكون لوضع "الكحل" على الجفنين بشكل نهائي وبطريقة فنية ثابتة تبقى فترة من الوقت تصل إلى أيام متعددة إن أردت هذا.. اليوم..فتياتنا تحولن إلى كائنات مخيفة بدعوى الجمال! أما خير الدين فقال:"مرت السنوات وها نحن في بداية قرن جديد نراقب فتياتنا وهن يتحولن إلى كائنات مخيفة بدعوى «الجمال».. فهذه حلقت شعرها، وهذه أزالت حاجبيها، وهذه وضعت المساحيق والماكياج حتى باتت أشبه بساحر من الأدغال، أين الجمال في مخالفة المعقول؟ بل أين الجمال في مخالفة الشريعة؟ هل من الجمال أن تضع الفتاة ستة أقراط في أذنها وكأنها تخشى عليها من الضياع؟ تحذير.. يذكر أن بعض الدراسات الطبية التي أجريت في منطقة الخليج، كانت قد حذرت من خطر الكحل التقليدي على العين، وتأثيره الضار على البصر، لاحتوائه على نسبة عالية من الرصاص تتراوح ما بين 85 و100 في كل غرام من الكحل، خصوصا النوع الذي يباع في الأسواق الشعبية وعند العطارين، وتبين أيضا أن استعماله من طرف الحوامل يتسبب في وفيات الأطفال الذين يتعرضون بدورهم للتسمم بالرصاص، لذلك وفي حالة تعذر التأكد من أن الكحل المستعمل طبيعي وغير مغشوش، ينصح باستخدام أقلام الكحل التي تباع في الصيدليات، لأنها تحتوي على مادتي الكربون والحديد، اللتين لا تؤثران على العين.