هل تصرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتحرك لمعاقبة النظام السوري بتأثير من ابنته إيفانكا وبسبب النزاعات الحادة بين فريقه في البيت الأبيض؟ وهل فاز فريق صهره جارد كوشنر على الفريق الذي يقوده ستيفن بانون، مدير الاستراتيجيات في البيت الأبيض؟ في برقية أرسلها السفير البريطاني في واشنطن سير كيم داروش لمقر الحكومة البريطانية إلى رئيسة الوزراء تيريزا ماي ووزير الخارجية بوريس جونسون توقع عملية عسكرية ضد سوريا. ووضح فيها التغير الكبير في موقف الرئيس المؤكد على عدم التدخل العسكري إلى رئيس حرب. وتقول صحيفة «صنداي تايمز» إن من اطلعوا على البرقية الدبلوماسية لمي وجونسون قالوا إن الهجمات حدثت بسبب تأثير ابنته إيفانكا. فقد هزته الصور التي خرجت من خان شيخون. فالرئيس الذي يتابع محطات الكابل التلفزيونية «شعر بالصدمة الحقيقية» عندما بدأت محطات التلفزيون بنقل صور ضحايا الهجوم على خان شيخون الذي راح ضحيته العشرات من بينهم أطفال ونساء ورجال. وأشار السفير داروش إلى تغريدة كتبتها ابنته إيفانكا جاء فيها «القلب يتحطم وغضب من الصور من سوريا في أعقاب الهجوم الكيمىائي». وتقول الصحيفة إن المصادر المطلعة والتي تعرف بالبرقية الدبلوماسية تعتقد أن مظاهر قلق إيفانكا «تركت أثراً كبيراً على المكتب البيضاوي». وتم إخبار المسؤولين البريطانيين أن الرد الأمريكي كان «أقوى من المتوقع». وتقول الصحيفة إنه مهما كانت الدوافع وراء التغيير الجذري في سياسة ترامب فقد أدت كما تقول الصحيفة إلى جهود أنكلوا أمريكية متجددة لإنشاء تحالف ضد فلاديمير بوتين إلى طاولة المفاوضات، إلا أن بريطانيا تلعب فيه دوراً ثانوياً. وتضيف أن أتصال مستشار الأمن القومي الأمريكي الجنرال أتش أر ماكمستر مع نظيره البريطاني سير مارك ليل غرانت لم يكن إلا مجرد مجاملة وليس دعوة للمشاركة. وتضيف الصحيفة أن ترامب لم يبد التزاما في البداية عندما قدمت له التقارير الإستخباراتية اليوم وأخبرته سي آي إيه أن هجوما كيميائياً شن في سوريا. وعندها تساءل ترامب حول الكيفية التي حددت فيها المخابرات الطرف المسؤول. وتضيف الصحيفة أن المصادر الإستخباراتية والرادار الأمريكي تتبع طائرة سو-22 وهي تنطلق للقيام بشن هجوم على شوارع خان شيخون. فيما استمعت محطة استخباراتية مقرها في قبرص «ثرثرات» حول غاز أعصاب استخدم. وتعلق الصحيفة أن المثير في الهجوم الكيميائي هو أن روسيا لم تعرف فقط عن الهجوم بل وساعدت فيه. وتعتقد البنتاغون أن المقاتلة الروسية حلقت فوق خان شيخون قبل هجوم غاز السارين. وتقوم بالتحقيق فيما إن قامت الطائرات الروسية بضرب مستشفى في محاولة لدفن الأدلة. وعندما طلب ترامب دراسة الخيارات العسكرية كان قلقاً من التداعيات ومواجهة محتملة مع روسيا في الشرق الأوسط. عقيدة ترامب وتقول الصحيفة إن الطريقة التي غير فيها ترامب رأيه تقدم أدلة عن تطور رئاسته التي لا زالت في مرحلتها الجنينية. وتطرح أسئلة عن المستقبل وإن كان الهجوم هذا ستتبعه هجمات أخرى وهل ينظر ترامب لنفسه اليوم كشرطي العالم؟ وهنا تشير الصحيفة إلى أن الرئيس تأثر بكلمات قاسم عيد الذي نجا من هجمات عام 2013 الكيميائية على الغوطة الشرقية وقتل فيها 1.400 شخص. ودعا فيها الرئيس أن يساعد الشعب السوري «لا ترتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبه باراك أوباما. وقد انتقدت أوباما لأنه فشل في معاقبة الأسد على تجاوزه الخط الأحمر، وحانت لحظة الحقيقة، ويجب أن تظهر للعالم ان تلك الأيام مضت». وتقول مصادر أمنية إن ترامب وضع نفسه أمام امتحان سياسي عندما وصف أوباما بالضعف «فمن وجهة نظره سيكون ضعيفا إن لم يتحرك». هذا من جانب، وهناك تأثير مستشار الرئيس وصهره جارد كوشنر الذي يرى ضرورة أن تلعب الولاياتالمتحدة دوراً دولياً. وتقول «صنداي تايمز» إن كوشنر الذي يحمل مواقف ليبرالية ديمقراطية قبل أن يدعم حملة صهره الشعبوية في مواجهة مع بانون الإستراتيجي القومي الداعي إلى «أمريكا أولاً». ونفد صبر ترامب من بانون بسبب المحاولة الفاشلة والأوامر الرئاسية لمنع رعايا الدولة المسلمة لدخول أمريكا وفشله في إقناع الكونغرس على قانون رعاية صحية جديدة. وعزل ترامب الأسبوع الماضي بانون من عضوية مجلس الأمن القومي. بل وأقنع الرئيس بعدم عزل بانون ورئيس طاقمه رينيس بريبوس الذي وطد معه علاقة عمل قوية. أعداء وأصدقاء وقضى ترامب، كمواطن، السنوات الماضية وهو يناقش أن الولاياتالمتحدة لا ناقة لها ولا بعير في الحرب الأهلية السورية وأن عليها إقامة علاقات جيدة مع روسيا وأن العدو الحقيقي هو الصين. وتغيرت المعادلة الآن فقد فتح مواجهة محدودة في سوريا ووضع العلاقات الأمريكية- الروسية أمام منحى صعب واستقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ في منتجعه مار-إي- لاغو حيث تناول معه طعام الغداء في وقت كانت فيه الصواريخ الأمريكية تسقط على قاعدة الشعيرات الجوية. وفي كل هذا قام ترامب بالتحول عن سياساته الداخلية ورفض أفكار مستشاره ستيفن بانون الذي يرفض تدخل الولاياتالمتحدة في مشاكل الشرق الأوسط. وفي كل هذا أسكت النقاد الذين اتهموه منذ وصوله للرئاسة أنه يقوم بعمل ما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدما تدخل الكرملين العام الماضي في الانتخابات الرئاسية التي جلبت بوتين إلى السلطة. ورغم التحولات إلا أن ترمب لم يعبر عن تحول دائم في أي من هذه الموضوعات. عكس أوباما ولا يخفى أن الرئيس الذي انتقد الإدارة السابقة بالفشل الذريع للتحرك في سوريا يرغب بعمل كل شيء مناقض لما عمله سلفه أوباما. ورغم تأكيده على وقوف الولاياتالمتحدة مع حقوق الإنسان والعدالة إلا أنه استقبل قبل ثلاثة أيام من الهجوم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المتهم نظامه بقمع المعارضة وارتكاب جرائم. ويقول روبرت دانين، المفاوض الأمريكي السابق والذي يعمل الآن بمجلس العلاقات الخارجية «ما ظهر هي لغة جديدة لم نسمعها من قبل من الرئيس ترامب». وفي النهاية تظل مرونة وعدم القدرة على التكهن بتصرفات الرئيس تحمل مخاطر تدفع الدول الأخرى للتصرف بطرق أخرى.