بعد طلوع شمس التّاسع من ذي الحجة وهو خيرُ يومٍ طلعت فيه الشّمس، يصعد الحجاج إلى صعيد عرفات ليقفوا وقفتهم التي طالمَا انتظروها وسألوا الله أن يبلغهم إيّاها، إذ يقف الجميع مبتهلين خاضعين خاشعين شُعْثًا غُبْرًا لا فرق بين غني ولا فقير ولا حاكم ولا محكوم ولا عالم ولا متعلّم في مشهد إيماني لم تَعْرِف البشرية له مثيل في مكان آخر. يتذكّر المسلم حينها وهو يلبس لباس الإحرام أن هكذا نهايته من الدنيا كما قال أحدهم: نصيبك ممّا تجمع الدهر كلّه رداءان تلوى فيهما وحنوطُ إنّك وأنت تنظر إلى تلك الجموع وليس لهم همٌّ إلاّ الآخرة ولا ذِكْرٌ إلاّ ذِكرَ الله تعالى لكأنّك حينها أمام الموقف الأعظم حينما يقوم النّاس لربّ العالمين. قال ابن القيم في ميميته الشّهيرة: فللّه ذاك الموقف الأعظم كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم ويدنو به الجبّار جلّ جلاله يباهي بهم أملاكَه فهو أكرم يقول: قد أتوني محبّة وإني بهم أجود وأرحم فأشهِدُكُم أنّي قد غفرتُ ذنوبَهُم وأعطيتهم ما أملوه وأنعم فبُشراكم يا أهل ذا الموقف الذي به يغفر الله الذنوب ويرحم وتبدأ الوقفة بعد الزوال، إذ يصلُّون الظهر والعصر جمعًا وقَصْرًا وسماع خُطبتي عرفة ليتفرّغ بعدها الحجّاج للدعاء والذِّكر في مناجاة مع ربِّهم سِرًّا وعلانية، مقرِّين بفضل الله عزّ وجلّ معترفين بذنوبهم. وأفضل ما يُقال يوم عرفة ما جاء في الحديث: ''خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قُلْتُه أنا والنَّبِيُّون من قبلي: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير''. ولا تنسى أيُّها الحاج من أوصاك بالدعاء، فإنّ دعاء النّبي صلّى الله عليه وسلّم لك ولِمَن استغفرتَ له في مثل ذلك اليوم ''اللّهمّ اغفر للحاج ولِمَن استغفر له الحاج''.. ويتحقّق رُكْن الوقفة بعد غروب شمس يوم عرفة ولو بلحظة.