تكبدت الخزينة العمومية على مدار السنوات العشر الماضية ما يعادل 70 مليار سنتيم من خلال تراكم تكاليف رسو الباخرة الفرنسية ''لابيسي'' بميناء بجاية، بمعدل 20 مليون سنتيم يوميا، حيث فشلت جميع مساعي السلطات المحلية والمركزية في إبعادها عن الميناء أو بيعها في المزاد العلني. تعود تفاصيل القضية إلى شهر نوفمبر من سنة 2001 حينما دخلت الباخرة الفرنسية ''لابيسي'' القادمة من ميناء سان فانسون بإحدى جزر الكاراييب باتجاه ميناء بجاية، وهي محملة بحوالي 3300 طن من السكر الأبيض، قام باستيرادها أحد المتعاملين الجزائريين، ولم يكن أفراد طاقم الباخرة يدركون أن رحلة بجاية هي الأخيرة في حياتهم. الباخرة ''لابيبسي'' ملك لشركة هولندية صغيرة قامت بتأجيرها لشركة فرنسية خاصة احتالت على الكثير من الموانىء العالمية وشركات التأمين التي فشلت جميع مساعيها في تحصيل مستحقاتها لدى مسير هذه الشركة، حيث يتهرب في كل مرة ويتحايل حتى يفلت من قبضة الدائنين، الذين أغلبهم فرنسيون وشركات التأمين من نفس البلد، ويلجأ هؤلاء إلى وضع سيناريو جهنمي، مستغلين الترسانة القانونية الجزائرية التي هي في غير صالح الجزائر، بإعداد فخ تقع فيه كل من إدارة ميناء بجاية ومالك الباخرة، وهم يدركون أن قرار الحجز لا يمكن أن ينفذ إلا بميناء جزائري. وبمجرد أن تم تفريغ حمولة الباخرة ''لابيسي'' حتى باشرت إدارة ميناء بجاية إجراءات الحجز القانوني، وأدرك خلالها صاحب الباخرة أنه وقع في الفخ فقرر الفرار في وجهة مجهولة تاركا باخرته وطاقمه من البحارة الأحد عشر الذين يمثلون سبع جنسيات مختلفة دون أن يضمن لهم أي شىء للعودة إلى ديارهم، وهنا تبدأ مأساة هؤلاء البحارة وظلوا بذلك ستة أشهر يعيشون على صدقات عمال ميناء بجاية إلى أن تدخلت سفارات وقنصليات بلدانهم وتم تحريرهم وتحويلهم إلى أوطانهم وعائلاتهم. وبقدر ما كانت القصة مثيرة وغريبة تحولت إلى فيلم وثائقي للمخرج الفرنسي فرانسوا شلويز بعنوان ''رجال لابيسي'' وحقق عدة جوائز في عدة مهرجانات بينما الباخرة اللغز لا تزال قابعة بميناء بجاية. وتضيف مصادر ذات صلة بالقضية أنه لو كانت إدارة ميناء بجاية تدرك أن قرار الحجز سيكلفها غاليا لما أقدمت على حجز الباخرة ''لابيسي''، حيث وحسب نفس المصادر، فإن التكلفة غالية جدا، فمن جهة تحتل مساحة في الميناء تتجاوز 100 متر لتسبب بذلك خسائر للخزينة العمومية من مداخيل مقدرة بحوالي 20 مليون سنتيم يوميا، وهي الكلفة التقريبية اليومية لرسو باخرة من هذا الحجم بالميناء، لتصل بذلك الخسائر إلى أكثر من 70 مليار سنتيم خلال 10 سنوات ماضية. وخلال زيارة ميدانية لوالي بجاية الأسبق طرح رئيس المجلس الشعبي الولائي مسألة إخراج الباخرة من الميناء وتركها في عرض البحر، فرد عليه المسؤولون بأن القوانين الدولية المعمول بها لا تسمح بذلك باعتبار أن الجزائر مسؤولة عن سلامة الباخرة. وتبعا لقوانين الجزائر التي تجعل جميع المحجوزات من أملاك الدولة، حاولت مديرية أملاك الدولة على المستوى المحلي أكثر من مرة بيع الباخرة في مزاد علني دولي، إلا أن الدائنين والمؤمنين الفرنسيين يتدخلون في كل مرة ويعارضون طريقة بيعها ويصرون على ضرورة استعادة مستحقاتهم التي تتجاوز لدى البعض منهم السعر الافتتاحي للبيع، وبالتالي تتحمل مؤسسة ميناء بجاية عواقب قرار الحجز، وفضلت بذلك التريث إلى غاية تدخل السلطات العليا لإيجاد حل نهائي للخلاف. وحسب آخر التقارير الواردة من إدارة ميناء بجاية التي تسعى إلى التخلص من الباخرة المعنية بكل الطرق والوسائل، فقد تقرر وضعها تحت تصرف القوات البحرية الجزائرية لاستعمالها في التمارين التطبيقية، حيث عقد اجتماع خصيصا لهذه المسألة بين إدارة الميناء وضباط من البحرية الوطنية خلال الأيام الماضية، وينتظر سحبها قريبا إلى عرض البحر لتفك بذلك الخناق عن الميناء الذي سيربح أزيد من 100 متر محتلة بطريقة غير قانونية منذ حوالي عشر سنوات، وهذا إن لم تتدخل الجهات الضاغطة للحيلولة دون تنفيذ الاتفاق.