علمت "الشروق اليومي" من مصادر قضائية، أن محكمة الشراڤة بالعاصمة قد استمعت الأسبوع الماضي إلى عدد من المسؤولين في إدارة الجمارك في إطار التحقيقات حول قضية استيراد محطتي تحلية المياه سنة 2002 والتي كانت مجرد حيلة لتبييض الأموال وتهريب العملة الصعبة إلى الخارج. وقد شملت التحقيقات لحد الساعة عددا من الإطارات والوزراء. ويشمل التحقيق حاليا البحث عن مسؤولية إدارة الجمارك في هذه الفضيحة بناء على عدد من المراسلات أبرزها تلك الصادرة عن رئيس أقسام التفتيش في جمارك بومرداس والذي تحدّث فيها عن عدم تطبيق القوانين المعمول بها وعدم تحرّك إدارة الجمارك رغم المراسلات العديدة، وهذا إلى غاية قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بفتح ملف الخليفة. وكشف التحقيق الأولي أنه لا يمكن اعتبار المحطتين هبة على خلفية عدم وجود تصريح جمركي مودع لدى الجمارك لتحديد طبيعة السلعة. تؤكد وثائق بحوزة " الشروق" على أن رسو المحطتين بالرصيف رقم 6 بميناء الجزائر، مما يجعلهما بضائع تحت سلطة الجمارك. لبيب: حرّاس السواحل هم المسؤولون واستمع قاضي التحقيق لدى محكمة الشراڤة الذي يشتغل على هذا الملف في إطار تحقيق تكميلي، إلى مسؤولين سابقين وإطارات في إدارة الجمارك، حيث يتم استجوابهم عن سبب عدم قيام إدارة الجمارك بمعاينة المحطتين لتحديد مدى مطابقتها للمواصفات التقنية، وذلك عندما رست المحطتان بميناء العاصمة، كما لم تتم جمركتهما عند نقلهما إلى ميناء زموري ببومرداس ولم تدفع أية رسوم جمركية بعد إدراجها ضمن "هبة". وينص القانون في هذا الإطار على "أن استيراد الهبات يجب أن يتم بترخيص مسبق من طرف وزارة الداخلية والجماعات المحلية"، وتنص التعليمة الداخلية للجمارك الحاملة لرقم 71/دي130 والمؤرخة في 19 سبتمبر 1999، على أن ''أي استيراد الهبات لا يخضع للرسوم الجمركية إلا بترخيص من وزارة الداخلية ويحمل أصحابها ترخيصا كتابيا بذلك''، وهو ما لم تقم به مصالح الجمارك تحت إدارة المدير العام سيد علي لبيب الذي أوضح في تصريح ل "الشروق اليومي "أن إدارة الجمارك تأسّست كطرف مدني في هذه القضية بعد أن أودعت في وقت سابق شكوى بسبب الخسائر التي لحقت بها"، (حيث تفيد معلومات "الشروق اليومي" أنه لم يتم دفع قيمة الرسوم ب 30 بالمائة من قيمة المحطتين، 17 بالمائة منها تمثل الرسم على القيمة المضافة، والبقية رسوم جمركية، وهو ما يعادل مجموع النسبتين ما قيمته 270 مليون دج)، مؤكدا أن الأمر يتعلق بهبة غير مصرح بها. وحسب السيد سيد علي لبيب الذي كان مديرا للجمارك في تلك الفترة، فإن المسؤولية تقع على حرّاس الشواطىء فيما يتعلق باستيراد محطتي تحلية مياه البحر، مستندا إلى قانون الجمارك الصادر عام 1998 الذي ينص على نزع السلطات الجمركية على السلع الموجودة في عرض البحر وتحويل السلطات إلى حراس الشواطىء، "ولا تتحمل إدارة الجمارك أية مسؤولية على خلفية أن المحطتين لم تصلا إلى اليابسة"، وأن الأمر يتعلق بهبة غير مصرح بها فقط. رئيس مفتشية أقسام الجمارك ببومرداس التحويل تم بدون ترخيص ودون دفع الرسوم الجمركية وتعود الوقائع حسبما وردت في تقرير أعدّه رئيس مفتشية الأقسام للجمارك ببومرداس وجّهه لمسؤولين بالمديرية العامة والمديرية الجهوية للجمارك بتاريخ 2002، إلى قيامه بمعاينة محطتين للتحلية تم استيرادهما من المملكة السعودية حسب المعلومات المتوفرة لديه، تم نقلهما إلى ميناء زموري ببومرداس بعد دخولهما من ميناء الجزائر "وذلك دون ترخيص صادر عن إدارة الجمارك". وأشار التقرير إلى قدم المحطتين واهترائهما وأنهما كانتا مهددتين بالغرق مما أدى إلى توقفهما عن العمل بعد أقل من 8 أشهر من تشغيلهما من طرف عمال أجانب يحملون الجنسية الفيليبينية كانوا يعملون في ميناء زموري في مجال الصيانة، وأكد التقرير أنهما كانتا تشكّلان خطورة بيئية بسبب الإفرازات الغازية الصادرة عنهما ليتم بيعهما في شكل نفايات حديدية، حيث بعد أن راسل رئيس مفتشية أقسام الجمارك مسؤوليه، وجّه المدير الفرعي لمراقبة التجارة الخارجية والمبادلات برقية تضمّنت تعليمات بتسوية المشكل بما يضمن مداخيل الخزينة العمومية، ليتم الاتفاق على بيع المحطتين على شكل نفايات حديدية بسعر أقل من قيمة الاستيراد التي صرّح بها عبد المومن خليفة والتي قدّرها ب 67 مليون دولار، حيث تم بيعها لشركة جمع واسترجاع النفايات الحديدية بقيمة 420 مليون سنتيم. المحطتان وصلتا الرصيف رقم 6 بالميناء لكن محققين يشتغلون على الملف أوضحوا ل "الشروق" أن القانون 98/10 الخاص بالجمارك الصادر في 24 أوت 1998، يشير إلى أن المياه الإقليمية تقع تحت سلطة حرس الحدود، مما يعطي لهم صلاحية مراقبة المياه الإقليمية والمنطقة المتاخمة لها، لكن عندما ترسو البواخر وتصل البضائع إلى أرصفة الموانىء تصبح تحت سلطة الجمارك، وتشير وثيقة تحصلت عليها "الشروق" أنه بتاريخ 23 جويلية 2002 تم تسجيل رسو المحطتين بميناء الجزائر على الرصيف رقم 6 قبل تحويلهما إلى ميناء زموري ببومرداس، وكان تحويل المحطة الأولى بتاريخ 25 أوت 2002 والمحطة الثانية تم تحويلها بتاريخ 27 أوت 2002 وذلك بدون ترخيص جمركي مسبق كما ينص عليه القانون وكما ورد في الوثيقة من رسو المحطتين لتكونا بذلك تحت سلطة الجمارك. ويقول محققون في توضيحات ل "الشروق اليومي" أنه كان يجب على مسؤولي إدارة الجمارك بميناء الجزائر أي مكتب الدخول بالميناء "أن يقوموا بمراقبة البضائع في وقت دخولها والتأكد من مواصفاتها وإجراء خبرة بحرية إن استدعى الأمر ذلك، ويتم بموجب ذلك تجميد تحويل العملة الصعبة إلى الخارج"، وهو ما لم تقم به إدارة الجمارك وهذا ما تؤكده الوثيقة التي بحوزة "الشروق" المؤرخة في 1 سبتمبر 2002 تحت رقم 1312 الصادرة عن رئيس المفتشية الرئيسية للفرق بميناء الجزائر الموجهة إلى رئيس مفتشية الأقسام بالجزائر تجارة. ويضيف المحققون أن الجمارك لم تقم بتحويل المحطتين بطرق قانونية، كما أن المكتب الجمركي للصيد البحري على مستوى ميناء بومرداس لم يكن موجودا أصلا في العملية، ووقع التحويل خارج إطار الجمارك رغم ان إدارة الجمارك كان يجب أن تلزم مجموعة الخليفة بإيداع التصريح المفصل الجمركي ودفع الرسوم الجمركية لضمان مداخيل الخزينة العمومية، خاصة وأن مجمّع الخليفة كان موجودا ويتمتع بما يكفي من الأموال لضخّها في خزينة الجمارك. بيع المحطتين لم يتم من طرف الجمارك وتم بيعهما كنفايات حديدية ومن بين المخالفات المرفوعة في هذا الملف، أن المحطتين لم تكونا محل إيداع جمركي كما ينص عليه قانون الجمارك كما أن المحطتين تم بيعهما من طرف مديرية أملاك الدولة بولاية بومرداس بأمر من والي ولاية بومرداس آنذاك ووزير النقل وليس من طرف إدارة الجمارك، وتم بيعها عن طريق المزاد العلني عبارة عن نفايات حديدية بقيمة 420 مليون سنتيم، رغم أن المعلومات المتوفرة لدينا تفيد أن مجموعة الخليفة قامت باستيراد المحطتين بحوالي مليوني سنتيم قبل تحويل 67 مليون دولار إلى الخارج بواسطة فواتير مزورة. ويعتقد المحققون أنه لو قامت إدارة الجمارك بالمراقبة الدقيقة للمحطتين ولفتت انتباه السلطات لتم تجنيب كارثة أخرى في خليفة للطيران ووقف النزيف والنهب. وتذهب التحقيقات في سياق مناقض لتصريحات سيد علي لبيب الذي قال إن المحطتين عبارة عن " هبة" وصرح سابقا أن الهبة لا تخضع للرسوم والحقوق الجمركية والضرائب الأخرى، لكن التحقيق يستند إلى قانون الجمارك "الواضح فيما يخص الإجراءات المتعلقة بجمركة البضائع المستوردة عن طريق الهبة"، حيث أن التصريح الجمركي المفصل يكون إجباريا وفي جميع الحالات دون استثناء، كما أن التصريح يجب أن يكون مسبقا من طرف مصالح وزارة الداخلية والجماعات المحلية، لكن السؤال المطروح هنا: كيف صرّح المدير العام للجمارك آنذاك أنها هبة في غياب التصريح الجمركي الذي لم يتم إيداعه لدى الجمارك؟، كما أن جميع البضائع المستوردة أو المصدّرة يجب أن تكون موضوع تصريح جمركي مفصل حتى المعفية من الرسوم الجمركية مثل الصادرات الواقعة خارج قطاع المحروقات أو تلك التي تدفع رسوم الحقوق الجمركية. وقال رئيس مفتشية أقسام الجمارك بولاية بومرداس، في مراسلة سرية داخلية للمفتش العام للجمارك تحصلت "الشروق" على نسخة منها، "إنني بصفتي ممثل إدارة الجمارك على المستوى المحلي لا أجد أمام هذا الوضع إلا التنديد بالطريقة السطحية والإهمال الذي تمت بهما معالجة ملف المحطتين من طرف مكتب الدخول بميناء الجزائر والتي سمحت لمافيا تبييض الأموال بتهريب ملايين الدولارات إلى الخارج دون أن يتعرّضوا لمضايقات أو يخضعوا لعملية مراقبة للسلعة المستوردة"، جاء ذلك في رد مؤرخ في 18 جويلية 2005 على مراسلة رسمية تطلب من هذا المسؤول تقديم توضيحات في مدة أقصاها 36 ساعة بشأن قضية استيراد المحطتين، وذهب إلى أبعد من ذلك في رده عندما قال إنه وجّه عدة مراسلات إلى إدارة الجمارك والمسؤولين دون أن يتحرّكوا لاتخاذ إجراءات عاجلة ووقف النصب والاحتيال. وتكشف المراسلة التي جاءت في 3 صفحات خروقات إدارة الجمارك في هذه القضية وعدم احترام القوانين المعمول بها. خليفة قام بتحويل 67 مليون دولار إلى موناكو وكان مجمع الخليفة قد قام باستيراد محطتين لتحلية مياه البحر في جوان 2002 على أساس أنها ''هبة''، حيث قام بموجب ذلك بتحويل 67 مليون دولار من البنك وإيداعها في حسابات بنكية بإمارة موناكو، وينتظر أن يكشف التحقيق الجاري عن حقائق رهيبة أخرى خاصة وأن المتهم (م. أحمد) مساعد مفتش عام في بنك الخليفة، الذي تم سماعه من طرف هيئة المحكمة الجنائية بمجلس قضاء البليدة، قد صرّح أنه تنقّل رفقة مومن خليفة في مارس 2002 إلى المملكة العربية السعودية لمناقشة صفقة استيراد محطة تحلية مياه البحر مع شركة يونانية، وعندما استفسرته القاضية عن علاقته كمفتش في بنك بهذا الأمر، أوضح لها أنه تنقّل بصفته مترجما فقط، وتبيّن أولى التحقيقات أنها كانت أجهزة قديمة ومهترئة ومهددة بالغرق، وكانت فقط غطاء لخليفة لتهريب العملة الصعبة إلى الخارج... قضية للمتابعة. نائلة. ب : [email protected]