ميناء الجزائر الموانئ الجافة بقرة حلوب و " مينائيون " خربوا السكانير لفائدة المهربين والموانئ الجافة بأن الفساد وسوء التسيير والرشاوى هي أكبر الأسباب التي تحدد أسعار المواد والمنتجات الاستهلاكية في الأسواق الجزائرية، بسبب ابتزاز المتعاملين من خلال فواتير خيالية للتخزين والنقل ورسو البواخر وارتفاع الأسعار إلى 60 بالمائة إضافية عن أسعارها في الأسواق العالمية، وكانت فضيحة تخريب عمال بعض الموانئ في العاصمة والشرق لأجهزة السكانير بالتواطؤ، واحدة من رموز الفساد المتفشي. * o الموانئ الجافة بقرة حلوب و " مينائيون " خربوا السكانير لفائدة المهربين o o تفيد الإحصائيات والتحقيقات الجارية حول تسيير الموانئ o شهدت أكبر موانئ الجزائر بما فيها الموانئ الجافة، فضائح وقضايا فساد على مدار 10 سنوات الماضية فاقت 200 قضية فجرتها مصالح الأمن، هذا دون احتساب الفضائح التي أفلت مهندسوها من الوقوع في أيدي العدالة. وتفيد المعلومات التي تحصلت عليها "الشروق" أن معظم القضايا سواء التي عالجتها فصائل الأبحاث التابعة للدرك أو الشرطة أو الفرق الاقتصادية أو المفتشيات المالية، وقفت على تجاوزات خطيرة لا تخرج عن دائرة الرشاوى وصفقات بالتراضي على حساب الاقتصاد وابتزاز لمموني السوق الجزائرية بالملايير. o ومن بين أكبر القضايا التي كانت ولا تزال سببا في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية تضخيم فواتير التخزين ومستحقات جر ورفع الحاويات وفرض إتاوات خيالية على المستوردين وتعمد التأخير في الشحن أو التفريغ أو ارتكاب أخطاء مفتعلة لربح أكبر فترة تخزين وغيرها يدفعها المستورد دون تأخير أو تردد، وإلا فإن عداد الفاتورة سيزيد في تسارعه ويدفع المستورد الضحية أضعافها دون احتساب ما يترتب من غرامة عن التأخر في الدفع وكل أتعاب تضاف لسعر المنتوج الذي لا يدفعه سوى المواطن البسيط. o ليست وحدها هذه التجاوزات التي كانت موانئ الجزائر خلال 10 سنوات الماضية مسرحا لها، بل صفقات اقتناء عتاد مثل الرافعات وحاملات الحاويات هي الأخرى كانت لقمة سائغة لبعض مسؤولي الموانئ، فقد توصلت التحقيقات إلى أن معظم الرافعات التي تم شراؤها من قبل هي من النوع الرديء والقدرة المتوسطة، لكن بأسعار مضخمة وهذا لتمكين شركائهم من الخواص في كراء معدات مينائية بدعوى الحاجة الماسة والطابع الاستعجالي، لكن النية الخفية هي عقود بالتراضي مقابل عمولات، وفي الأخير يكون أداء تلك المعدات بأقل من عُشر المردودية اللازمة ولا يدفع ثمن ذلك سوى المستورد لأنه في الأخير هو من يضطر لانتظار دوره في طابور طويل عريض لعرض بضاعته على الجمارك، وإذا أراد الإسراع وتسبيقه عن غيره، فما عليه سوى الدفع تحت شعار متداول في مجتمع الاستيراد والتصدير وهي "أنت تدفع ونحن نرفع". o ومن بين أكبر الفضائح، دسّ 5 أطنان من المخدرات في حاوية في الميناء الجاف بالروبية وتكسير أجهزة السكانير لتمكين المافيا من تهريب المحظور، كما تورط عمال في ميناء سكيكدة في فضائح تهريب الأسلحة والذخيرة -التي أجهضت محاولات تهريبها- وميناء بجاية الذي تحوّل إلى ملكية خاصة، وميناء وهران الذي تحقق فيه المفتشية المالية منذ أيام مع مهربي الأسلحة ومنح امتياز الحصول على ميناء جاف للخواص لوضع المستوردين بين نار الحجز ونار تكاليف التخزين، والأخطر من كل هذا أن الخزينة هي من تدفع ثمن حاويات مكدسة في الموانئ الجافة عند مصادرتها، وتخصم فاتورة التخزين والتأمين من عائدات بيع المحجوزات في المزاد في حال نزاعات قضائية أو جمركية تنتهي بالحجز . o * بارونات التصدير والاستيراد تحوّل الموانئ إلى "وكالة من غير بواب" * اضطرت الحكومة من خلال وزارة النقل أن تستنجد بالشراكة الأجنبية في تسيير الموانئ، حتى تغطي النتائج الكارثية للتسيير العشوائي لأحد القطاعات الحيوية والاستراتيجية، على اعتبار أن الموانئ تبقى رقما هاما في معادلة التبادلات التجارية، وبعد مفاوضات عسيرة تم انتقاء شركة "موانئ دبي العالمية" لتسيير ميناء العاصمة كخطوة أولى، ليأتي الدور بعدها على ميناء "جن جن"، غير أن تسليم مفاتيح أهم ميناء في الجزائر لموانئ دبي التي سجلت تواجدا لها بموانئ الولاياتالمتحدةالأمريكية، لم يوقف شكاوى المتعاملين، كما لم ينه مسلسل الفضائح التي تهزه، والتي أفضت آخرها إلى فتح تحقيقات بأهم الموانئ التجارية، في أعقاب توقيف مدير عام ميناء الجزائر. * الصفقات المشبوهة التي جرّت مدير عام ميناء الجزائر إلى السجن، وجعلت مصالح الأمن تتحرك للتحقيق في غالبية موانئ الجزائر، أكدت أن مشكل تسيير الموانئ مازال قائما، الأمر * لذي يوجب على وزارة النقل التحرك لمعالجة الأمر من خلال ضبط خطة تسيير واضحة المعالم إلى جانب ضرورة تفعيل أنظمة الرقابة، والتنسيق بين كل الفواعل التي تتدخل في العمليات التي تتم على مستوى الموانئ، تسليم العمليات في ميناء الجزائر العاصمة والمعروف بميناء الجزائر العالمي بصفة رسمية لموانئ دبي أبقى على الانتقادات الموجهة للتسيير، وحافظ على شكوى المتعاملين عند نفس المستوى على الرغم من أن انضمام ميناء الجزائر العاصمة وميناء "جنجن" جعل رصيد شبكة "موانئ دبي العالمية" يرتفع إلى 49 محطة حاويات في 27 دولة. * عقد الامتياز الذي انتزعته موانئ دبي لمدة 30 سنة، لم يقنعها بضرورة وجودها تواجدا مباشرا في الجزائر في ظل الحديث عن قلة الإمكانيات التي تسخرها هذه الشركة منذ دخولها الجزائر، على الرغم من مضمون البروتكول الذي تحدث عن تطوير "ميناء الجزائر العالمي"، ورفع قدرة مناولته الى أكثر من 60 % من تجارة البلاد الخارجية، بعد أن أصبح ميناء "جن جن" محطة الحاويات الرئيسية للجزء الشرقي من الدولة، ومحور شحنٍ عابر لغربي المتوسّط. * الجزائر التي كانت تنظر في تواجد موانئ دبي حلا، لضمان تسيير ناجح لشريان التجارة الخارجية، وتقليص الاكتظاظ في ساحة الحاويات والتأخير الإداري في الميناء، الذي أثّر سلباً على القدرة التنافسية للجزائر، مازالت نتائجه غائبة عن الساحة وحال الميناء لم يتغير عن حاله في السابق، على الرغم من العروض الاستعراضية التي قامت بها موانئ دبي التي أرسلت عددا من الموظفين الجزائريين إلى المحطات التابعة لموانئ دبي العالمية في جيبوتي، وداكار ودبي للخضوع لتدريب مكثف على مدى شهرين، غير أن شركة "موانئ دبي"، التي أوكل لها مهمة التسيير، والتي يقال إنها تتكفل بتخصيص مبلغ استثماري قدره 96 مليونا و250 ألف و100 أورو ثابتة خارج قيمة الاستثمارات المتجددة، وهو المبلغ الذي كان يفترض أن يوزع كالآتي، 40 مليونا و752 ألف و600 أورو للأشغال، وما يزيد عن 53 مليون أورو للتجهيزات، و2.5 مليون أورو لنظام التسيير بالإعلام الآلي، غير أنه بعد قرابة السنتين من التسيير لا أثر لانعكاسات هذا الاستثمار، كما أن التساؤلات بدأت تطرح عن مدى صدق تحصيل وزارة النقل بصفتها تمثل السلطة المينائية ال 16 مليون أورو كمستحقات الإيجار. * وبين هذا وذاك وعلى الرغم من أن بروتوكول الاتفاق يعطي موانئ دبي حق الامتياز لمدة 30 سنة فإن الوصاية أي وزارة النقل تمتلك "حق الاسترجاع" على المباني، قبل استردادها للمؤسسة المينائية بصفة تنازل، وتستعمل لذلك صيغتين بشأن تجهيزات الإنتاج، سواء بالتقاسم ما بين الشركة الموكل لها التسيير والمؤسسة المينائية أو قيام هذه الأخيرة بكراء التجهيزات للأولى. * * مدعمة بأزيد من 20 ميناء جافا عبر الوطن * 13 ميناء.. أو أبواب لا يدخلها إلاّ الأحباب! * * يضم قطاع النقل البحري بالجزائر 13 ميناء تتوزع على كافة الولايات الساحلية تقريبا، ويتولى كل واحد منها ممارسة أنشطة تجارية محددة، إلى جانب نقل المسافرين، من بينها موانئ العاصمة، بجاية، سكيكدة، الغزوات ووهران، وذلك باتجاه الضفة المقابلة للبحر الأبيض المتوسط. * في حين تقوم بقية الموانئ بنقل مختلف أنواع السلع والبضائع باتجاه الخارج، خصوصا ما تعلق بالمحروقات، وتتولى هذه المهمة موانئ الجزائروسكيكدة وأرزيو وبطيوة وبجاية، وتشكل المحروقات نسبة 98 في المائة من حجم الصادرات، في حين تعد جميع الموانئ نقطة استقبال كل ما تستورده الجزائر من الخارج، من مواد استهلاكية وتجهيزات صناعية وأدوية وألبسة ومواد نصف مصنعة والعتاد الذي يستخدم في إنجاز الأشغال الكبرى وغيرها. * واتخذت الحكومة سنة 2009 قرارا يقضي بتوزيع التخصصات على الموانئ، بغرض تخفيف الاكتظاظ وتنظيم مراقبة ومعالجة كل ما يتم استقدامه من الخارج، فتم تخصيص ميناءي جنجن بجيجل ومستغانم لاستيراد السيارات، وكذا كافة أنواع البضائع غير المعبأة، كما منعت السفن التجارية من تفريغ الحمولات غير المعبأة في حاويات بميناء العاصمة، وتم تخصيص ميناءي جنجن ومستغانم والغزوات للقيام بهذه المهمة. * ويحمل كل ميناء أهمية قصوى، إذ يعد ميناء بجاية من أهم الموانئ التجارية على مستوى الوطن إذ يمتد نشاطه إلى 12 ولاية أخرى، تضم في مجملها عددا من المناطق الصناعية، إلى جانب مواقع لاستخراج المواد الأولية من بينها المناجم، كما يعتبر ميناء بجاية من ضمن أهم الموانئ، وهو يعالج ما بين 25 و30 حاوية يوميا. * ويعتبر أيضا ميناء جنجن من أكبر موانئ الجزائر، بطاقة استيعابية تقدر ب 4،5 ملايين طن سنويا، وهو موصول مع أهم محاور الاتصالات، لا سيما المنفذ شمال جنوبجيجل-سطيف وخط السكك الحديدية، مما يجعله المحور المفضل للنقل الأورو إفريقي. * في حين يعد ميناء العاصمة من أهم موانئ الجزائر على الإطلاق بالنظر إلى حجم السلع التي يعالجها خارج قطاع المحروقات، وهو يحتكم على 70 في المائة من التجارة الخارجية الجزائرية، وهو مربوط بمجموعة من الموانئ العالمية الواقعة بأوروبا وآسيا وأمريكا، كما يشمل على إمكانيات جد هامة لاستقبال مختلف أنواع البضائع، إلى جانب استقبال المسافرين. * وتعد موانئ كل من بني صاف وعنابة وسكيكدة وأرزيو وبطيوة بوهران ومستغانم ضمن خانة الموانئ التجارية التي تحمل أهمية كبرى، يضاف إليها حوالي 11 ميناء جافا، تتوزع على عدد من الولايات في مقدمتها العاصمة التي تضم وحدها أكثر من 11 ميناء جافا، وهي عبارة عن مواقع خاضعة للجمارك، وهي تستقبل مختلف المواد غير المجمركة، ليرتفع العدد الإجمالي إلى حوالي 20 ميناء جافا عبر الوطن. * المسؤولية تفرّقت بين مصالح 4 وزارات * تجار أشباح على أبواب الموانئ والفساد يخنق التجارة الخارجية * لم تكن المناظر المشوهة للسيارات المحجوزة على مستوى ميناء العاصمة والتي لم يتبق منها غير الهيكل، سوى صورة مصغرة لما تنام عليه موانئ البلاد، من محسوبية وبيروقراطية، شوهت سمعة البلاد، بشكل دفع المنظمة العالمية للموانئ إلى غلق أكبر موانئ الجزائر. * تتقاسم تسيير شؤون الموانئ في الجزائر أربعة قطاعات وزارية، هي وزارة النقل ممثلة في إدارة الميناء، وتعنى بتأمين وتخزين السلع المستوردة، ووزارة المالية ممثلة في المديرية العامة للجمارك، المكلفة بتحصيل الرسوم الجمركية، ووزارة التجارة عبر مصالح الرقابة وقمع الغش، التي تراقب مدى مطابقة السلع المستوردة للمعايير المطلوبة، وأخيرا وزارة الداخلية والجماعات المحلية، عن طريق شرطة الحدود، المكلفة بمنع دخول المواد المحظورة وتحري المخالفات الجزائية التي قد تحدث على مستوى الميناء. * وبالرغم من التواجد المكثف لهذه المصالح على مستوى الميناء، إلا أن الآفات التي يفترض أن مصالح القطاعات الوزارية الأربعة، كلفت بمحاربتها، في تنام مضطرد، ما يضع هذه الجهات أمام احتمالين لا ثالث لهما، إما التواطؤ، أو السقوط في المحظور. * ومع تحول الظاهرة إلى واقع يومي أمام مرأى الجميع ومن دون أدنى مقاومة من الجهات المكلفة بمحاربة الظاهرة، باستثناء حالات بعينها، صار المتعاملون مع الميناء، تحت رحمة "عصابات" تعمل خارج القانون، لكن نفوذها مستمد من قوة المنصب، الذي قيل إنه يباع بالمزاد وبقيمة لا تقل عن العشرين مليون سنتيم، لما يمكن أن يوفره هذا المنصب لصاحبه ولمن عرضه أيضا، من مغانم تقبض تحت الطاولة. * وعليه فلا غرابة أن تتحول أبواب الموانئ ومحيطها، إلى بازارات تعرض فيها السلع النادرة وقطع غيار السيارات وآليات الأشغال العمومية والبناء، بأسعار لا تخطر على البال، والسبب واضح وبسيط وهو أن هؤلاء التجار الأشباح، ليسوا سوى مجرد مصاصي دماء وطفيليين يسعدون بمعاناة آخرين، ربما رفضوا مجاراة الممارسات الخارجة على القانون بالموانئ. * يحدث هذا أمام مرآى ومسمع من المصالح المكلفة بحفظ القانون على مستوى الموانئ، والأمر هنا لا يقتصر على المصالح الملحقة بوزارة الداخلية، باعتبارها الجهة المخولة قانونا برصد ومحاربة هذه الظاهرة، وإنما أيضا مديرية الميناء الملحقة بوزارة النقل، التي تبقى بدورها متورطة في التغاضي عن بعض الممارسات التي عادة ما يتعرض لها المستوردون النزهاء، الذين يرفضون الخضوع لنزوات بعض العمال المكلفين بضمان الخدمات المينائية، الذين عادة ما يقرنون أداء واجباتهم بتسلم عمولات، وإلا راح المتمرد على "سلطان مافيا الموانئ"، ضحية ركن حاوية من حاوياته في زاوية بعيدة من زوايا الميناء، أو إتلاف ما بداخلها بطريقة قد تصنف من حوادث العمل، وبالتالي يدفع هذا المواطن الثمن. * أما الرسوم الجزافية التي يمكن أن تسلطها الجمارك على مستورد دون غيره، مقابل إعفاء بعض "البارونات" ممن يدخلون عشرات الملايير في الدفعة الواحدة، فذلك أمر صار مألوفا في ممارسات عجزت الدولة عن تحجيمها بالرغم من الإمكانيات المادية والبشرية والتشريعية، التي تتوفر عليها لكن من دون أن تفعّلها.