عمي أحمد من الرعيل الأول لمفجري الثورة التحريرية في ولاية سوق أهراس، يعيش منذ سنوات هائما ، متشردا، بعد أن دفع جميع أفراد عائلته خاصة الوالدين والأشقاء، ضريبة الدم في سبيل الوطن، ويعيش هذا المجاهد الذي تجاوز العقد التاسع، في تعاسة وظروف مأساوية تتقاذفه شوارع المدينة. عندما بدأت في إنجاز هذا البورتريه عن مجاهد ''كبير'' كما قيل لي أول مرة، اخترت أن يكون هذا العمل هدية ''الخبر''، وهي تطفئ شمعتها العشرين، له ولكل المجاهدين المقهورين في الجزائر العميقة، اعترافا لهم بالتضحيات الجسام في سبيل أن تنعم بلادنا بالحرية والعزة والكرامة. فعمي أحمد موساوي، الذي اكتشفته صدفة عن طريق أحد الزملاء لا يزال محافظا على أنفته وشموخه، رغم أنه ظل على مدى سنوات متشردا، يبيت تحت الأشجار وفي مداخل عمارات حي درايعية (1700 سكن) يستجدي قلة من الناس ما يسد به الرمق. ولأنه أصيل بلدية تاورة لم يكن التعرف عليه سهلا، خاصة وأنه فقد الكثير من الذاكرة، ولكن أحد المجاهدين من سكان الحي، الذي ما فتئ يبدي اهتمامه وعنايته بوضعية رفيقه في النضال، كشف بعض الجوانب الخفية من حياته، فهو إلى جانب البؤس الحرمان، لا يتحصل من منحة المجاهدين إلا على 20 دينارا شهريا، في الوقت الذي لا تقل منحته الشهرية من وزارة المجاهدين عن 20 مليون سنتيم بما فيها تلك المنحة المخصصة لمرافقه باعتباره فاقدا لمداركه العقلية، فبمجرد دخول المنحة، يتحول عمي أحمد مع أحد أفراد عائلته الكبيرة إلى بريد الجزائر لسحب المنحة، ثم سرعان ما يتخلى عنه مرافقه، بعد أن يمنح عمي أحمد 20 دينارا لارتشاف فنجان قهوة في مقهى قريب من مركز البريد. يقول عمي أحمد متهكما ''يكثر خير وزارة المجاهدين تعطيني كل شهر 20 دينارا ثمن قهوة''، والغريب في حياة هذا المجاهد المعروف لدى الأسرة الثورية، أن هذه الأخيرة تنصلت من أي مسؤولية تجاهه، فكم من مسؤول من سكان حيه يشاهده يوميا مستلقيا في الشارع، فيمر عليه مرور الكرام، وكم من منتخب يعرفه ولا يحرك ساكنا لإنقاذه وحماية كرامته وتاريخه النضالي، حتى لمجرد مساعدته على الالتحاق بدار العجزة كأضعف الإيمان، أو علاجه من الأمراض التي يشكو منها جراء إقامته الطويلة في الشوارع. كما لم يشفع له مصاهرة أحد الوزراء في التكفل بوضعيته، أو التدخل لدى من يتولى سحب منحته من أجل العناية بشأنه وتوفير المأوى له.