كشفت جولة قادتنا إلى عدد من بائعي الجملة والتجزئة عن الأسباب التي كانت وراء تسجيل ارتفاع الأسعار، والتي شكلت أحد عوامل الاحتجاجات المسجلة حاليا. فتنظيم السوق الحالي يجعل تجار التجزئة أو بائعي السلع ينساقون إلى عقد الصفقات دون الفواتير مع تجار الجملة الذين توسّع دورهم في سلسلة التوزيع، لأن العمل بالفواتير يجبر تجار التجزئة على تقديم ملفات إدارية كاملة عن كل سلعة يشترونها من الموزعين الشرعيين، رضوخا لإجراءات بيروقراطية تشترطها مصالح الضرائب. بالمقابل تعتبر تجارة الجملة غير المفوترة الحلقة الأهم لتموين السوق المحلية ومحاولة الاستغناء عنها عبر عمليات تطهير شبكات توزيع الشركات الكبرى من الصفقات غير المفوترة كانت من بين أسباب لهيب الأسعار واحتجاجات الشارع. تاجر تجزئة: ''اسمح لي يا خو أفضل شراء السلع دون الفواتير'' يقول تاجر تجزئة ل''الخبر'' إنه يفضل دائما التعامل مع تجار الجملة غير الشرعيين كونهم أكثر ليونة من غيرهم في البيع والشراء. وأوضح المتحدث أن التعامل بالفواتير يعني تقديم ملفات إدارية لكل موزع اتفق معه لشراء سلعة معينة. ومع تعدد أنواع السلع التي يبيعها تاجر التجزئة يحتاج هذا الأخير إلى تقديم أطنان من الوثائق الإدارية لكل موزع يشترط الفاتورة، ومن بين هذه الوثائق نسخة عن السجل التجاري والبطاقة الجبائية وبطاقة التعريف الوطنية وشهادة الوجود. هذه وثائق تطلبها الضرائب من كل موزع يعتمد على الفوترة. وقال المتحدث إن هذه الإجراءات ''تكسار للرأس'' و''تضييع للوقت، مع أنني في نهاية السنة مطالب بدفع جزافي للضرائب مثلي مثل باقي تجار التجزئة.'' طارحا السؤال ''لماذا ألزم نفسي بتقديم تلك الوثائق والمعلومات الإدارية؟'' ليعبر بما يلي ''اسمح لي يا خو أفضل التعامل مع تجار الجملة دون الفواتير، فما الشيء الذي يدفعني إلى غير ذلك ما دام أنه في آخر السنة المالية سأدفع ضريبة جزافية؟'' التطهير الذي تقوم به الشركات الكبرى وضع موزعيها في مأزق ''الطرح في محله'' حسب ما أكده أحد الموزعين المعتمدين لدى شركة معروفة لها حصة كبيرة من سوق الزيت والسكر. وأضاف إن اشتراط الوثائق الإدارية يحول بيني وبين تجار التجزئة، ويجعل فرص اختراقي لهم وحصولي على حصة منهم كزبائن شبه معدومة أمام منافسة تجار الجملة غير ''المفوترين'' للصفقات. ''و حتى وإن توفرت لدي وسائل النقل للتوزيع مباشرة نحو تجار التجزئة، فإن ذلك سيكون دون جدوى. فأنا مجبر على التعامل المباشر مع تجار الجملة دون فواتير''. وأضاف ''أن عمليات تطهير شبكات التوزيع من الصفقات غير المفوترة التي باشرتها هذا الشهر الشركة المنتجة للزيت والسكر التي أتعامل معها وضعني في مأزق''. ''كيف سأسوق السلع التي تتوفر لدي؟'' الحكومة تجاهلت أبجديات التسويق المعمول به دوليا وأورد مسؤول تسويق لدى شركة ذات سمعة عالمية تتأهب لإنشاء مؤسسة فرعية خاضعة للقانون الجزائري أن الشلل الذي أصاب السوق بداية من الشهر الجاري أمر طبيعي، فتنظيم السوق المحلية يجعل تجار الجملة غير الشرعيين الحلقة الأهم، وأن محاولات التخلي عنها مع استمرار تطبيق التشريعات الجبائية والإجراءات البيروقراطية الحالية سيعطل كل السلسلة الخاصة بتموين السوق، ما يعرض هذه الأخيرة إلى ندرة ليس فقط في الزيت والسكر، بل في كل السلع التي اعتاد تجار الجملة بيعها مثل منتجات العجائن وحليب الأطفال والمنظفات والبقول الجافة ومختلف أنواع المشروبات. إن الوضع خطير وحساس وسيفتح المجال للمضاربة وارتفاع كبير لأسعار كل السلع التي يتداولها تجار الجملة، ما يجعل القدرة الشرائية للجزائريين تنهار أكثر والنتيجة معروفة. ما يحدث في مختلف شوارع المدن الجزائرية منذ بداية الشهر الجاري أمر منطقي، حسب ما خلص إليه المتحدث، الذي أكد أن دراسة السوق التي تقوم بها شركته حاليا جراء ما يحدث هذه الأيام والمعطيات المتأتية من مختلف الموزعين المعتمدين لدى الشركات الكبرى المنتجة والمستوردة للمواد واسعة الاستهلاك تكشف عن تراجع رهيب للكميات المعتاد توجيهها للسوق في مختلف المدن الجزائرية جراء عزوف تجار الجملة عن التعامل بالفواتير. وموازاة مع محاولة الحكومة تطهير السوق المحلية من التجارة الموازية والحد من الصفقات غير المفوترة مع تمسّكها بإلزامية التعامل بوسائل الدفع البنكية منها الصكوك بخصوص الصفقات التي تتجاوز قيمتها 50 مليون سنتيم بداية من أفريل، طالب المتحدث أن تقوم الحكومة بتخفيف الإجراءات البيروقراطية عن تجار التجزئة في عقد الصفقات بالفواتير وتشجيعهم على التعامل المباشر مع الموزعين المعتمدين لدى الشركات الكبرى ما يقلص من الوسطاء في التجارة، ويقصد تجاوز تجار الجملة غير الشرعيين مع إلغاء الرسم على النشاط المهني الذي يعد من بين دوافع التهرب الجبائي. هذا الأمر كان يجب تحقيقه قبل الإعلان عن تطبيق إلزامية التعامل بالصكوك. وقد سخر المتحدث من حكومة توظف جيشا من الخبراء في وقت تجاهلت أبجديات تطبق في مختلف دول العالم، موضحا أن غياب المحفزات في التعامل مع الموزعين المعتمدين للمواد الغذائية هو سبب ما يحدث في الجزائر اليوم. وقد استغرب المتحدث أن تجاهل هؤلاء الموزعين يظهر حتي من خلال غياب شفرة (كود بالفرنسية) خاصة بهم في المركز الوطني للسجل التجاري خلافا لتجار التجزئة والجملة. إن التجارة النظيفة كان بالإمكان التحضير لها منذ خمس سنوات حين تم تأجيل العمل بالصكوك في صفقات 5 ملايين سنتيم في إجراء كان مقررا دخوله حيز التطبيق في سبتمبر 2005، حسب ما شدّد عليه الخبير في التسويق.