أضحت السوق الموازية والأسواق العشوائية والفوضوية ميزة أساسية تتسم بها التجارة في الجزائر حيث يزاحم كل سوق رسمي سوق موازي ينافس فيه تجار الطاولات التجار الرسميين والشرعيين على الزبائن الذين أضحى السعر وثمن البضاعة همهم الوحيد، وإضافة إلى الأسواق الفوضوية، تبرز ظاهرة التهرب الضريبي من خلال تعامل معظم تجار الجملة والتجزئة من دون فواتير. وكانت المحاولة الأخيرة للحكومة لتنظيم السوق المحلية وتطهيرها من التجارة الموازية والحد من الصفقات غير المفوترة، مصدر قلق لمعظم التجار سواء كانوا موزعين أو بائعي جملة أو تجزئة، مما دفعهم لرفع أسعار العديد من السلع الاستهلاكية بنسبة 150 بالمائة تفاديا للخسائر المتوقع أن يتكبدوها بعد تطبيق إجراءات تنظيم السوق، وضمانا لهوامش الأرباح التي يحققونها دون الخضوع للضرائب، وهو ما ولد انفجارا اجتماعيا دفع بالحكومة للتراجع عن هذه الإجراءات مؤقتا للحد من ارتفاع أسعار المواد الأساسية. فهل تجذرت ثقافة الفوضى في المجتمع أم أن العيب في الإجراءات التي أقرتها الحكومة لتنظيم السوق؟ إعداد: كريم/ح والباعة والزبائن متخوفون من الطابع المؤقت لإجراءات خفض الأسعار فمن خلال جولة استطلاعية قامت بها "المواطن" لتقصي حقيقة تذبذب الأسعار في السوق الجزائرية، ووقع إجراءات الحكومة لتنظيم السوق ومن ثم التراجع عنها على المواطنين والتجار، فقد اعتبر أغلب هؤلاء الإجراءات الجديدة التي أعلنتها الحكومة للحد من ارتفاع أسعار المواد الأساسية بأنها نوع من أنواع التخدير، لكون القرار سيطبق لمدة ثمانية أشهر فقط، لتعود بعدها الأوضاع إلى ما هي عليه، في وقت تكون فيه ميزانية المواطن قد تضررت بسبب موسم الاصطياف وكذا نهاية شهر رمضان، ليستقبل الجزائري دخولا اجتماعيا ساخنا على وقع عودة الالتهاب في الأسعار في حال عادت الحكومة لتطبيق القرارات التي تراجعت عنها لإطفاء جمرة الغضب وتهدئة الأوضاع المشتعلة بالشارع، دون تقرير إجراءات أخرى لضمان القدرة الشرائية للمواطن الجزائري. الفوضى لا تخدم مصالح التجار أصبح المواطن الجزائري يجري وراء الأسواق الفوضوية مثلما تجري الأيام وراء بعضها البعض باحثين عن الأسعار التي تلائم جيوبهم دون التفكير في النوعية التي تميز المنتوج. وهي الظاهرة التي اشتكى منها الكثير من تجار التجزئة من أمثال "ع-غ" الذي يقع محله بالقرب من السوق الشعبية المتواجدة بالرغاية، حيث صرح بأن الزبائن أصبحوا يخافون الدخول إلى المحلات الفاخرة ويلهثون وراء تجار الطاولات بسبب الأسعار التنافسية التي يعرضها هؤلاء التجار، مضيفا بأنه من أجل هذا، فقد لجأ هو الآخر إلى التجارة في الشارع بالموازاة مع تجارته النظامية، وأفاد بأن هذه التجارة الموازية تعود عليه بأرباح أكبر مما يربحه في المحل. إجراءات تنظيم السوق أيضا لا تخدم مصالح التجار وبشأن إجراءات تنظيم السوق والتعامل بالفواتير فقد صرح تاجر تجزئة للمواد الغذائية بالرويبة قائلا "إذا تم تطبيق الإجراءات التنظيمية وتم إلزامنا بالتعامل بالفواتير دون مراعاة لهوامش الربح، سأتوقف عن ممارسة هذا النشاط" مفسرا بأن التجار المسجلين يخضعون في جميع الأحوال للضريبة الجزافية في آخر السنة المالية، ولو أنه عمل بالفاتورة بكل ما يترتب عليها من ضرائب إضافية، فإن أرباحه ستؤول كلها إلى مصالح الضرائب، وسيصبح وكأنه موظف أجير في ماله الخاص، متسائلا بأنه إذا بلغ به الحال لهذه الدرجة، فلماذا يغامر برأس ماله. وأعطى المتحدث مثلا عن سعر الكيلوغرام من السكر المتفق عليه ليعرض على المستهلك الجزائري ب 90 دينارا، وأوضح أن سعر الكيلوغرام الذي يخرج من مصنع سيفيتال قد حدد ب 78 دينارا، ولا يجوز أن يتجاوز 90 دينارا عند عرضه على المستهلك، بما يعني أن هوامش الربح التي يتقاسمها الموزعون وتجار الجملة ونصف الجملة والتجزئة لن تتعدى 12 دينارا. وأضاف بأنه لا يجب نسيان الأعباء الأخرى غير الضريبية المدرجة في تركيبة الأسعار، مثل تكلفة النقل واليد العاملة التي يشغلها الموزعون وتجار الجملة خاصة. ما الذي يخدم التجار؟ تجار التجزئة يفضلون التعامل مع تجار الجملة غير الشرعيين يفضل تجار التجزئة التعامل مع تجار الجملة غير الشرعيين، لكون الصفقات معهم تتم ببساطة "بيع وشراء" أي السلعة مقابل النقود. ولأن التعامل بالفواتير يعني تقديم ملفات إدارية لكل موزع أو بائع جملة يتفق معه تاجر التجزئة لشراء سلعة معينة، فإنه ومع تعدد أنواع السلع التي يبيعها تاجر التجزئة، سيحتاج هذا الأخير إلى تقديم أطنان من الوثائق الإدارية لكل موزع يشترط الفاتورة، ومن بين هذه الوثائق نسخة عن السجل التجاري والبطاقة الجبائية وبطاقة التعريف الوطنية وشهادة الوجود، وهي الوثائق التي تطلبها الضرائب من كل موزع يعتمد على الفوترة. وبهذا الشأن فإن معظم التجار الذين تحدثنا إليهم، اعتبروا بأن الإجراءات البيروقراطية التي تنجر على إبرام الصفقات التجارية بالفواتير، ما هي إلى تضييع للوقت. التجار يساندون الإجراءات التنظيمية شريطة أن لا تستثني أحدا أكد هذا الطرح أحد تجار الجملة ببومرداس، والذي صرح شأنه شأن العديد من الباعة الآخرين، بأنه يرحب ويساند إجراءات تنظيم السوق، وأنه لا يمكن لإنسان عاقل أن يكون ضد كلمة "نظام" وفي أي مجال، لكنه في المقابل اشترط أن تطبق الإجراءات التنظيمية على الجميع ودون أي استثناء، مع ضمان هوامش ربح معقولة. مضيفا بأن اشتراط الوثائق الإدارية يحول بينه وبين تجار التجزئة، ويجعل فرص استقطابه لزبائن من بينهم جد منخفضة أمام منافسة تجار الجملة غير ''المفوترين'' للصفقات. وأضاف قائلا: "لو أصبحت أتعامل مع زبائني بالفواتير فإني سآكل السلع المتوفرة لدي لوحدي، لأن أغلب التجار يتهربون من الضرائب وأغلبهم يبحثون عن المتعاملين بدون فواتير"، ولم يخف بأن تعاملاته الغير مفوترة تفيد مصالحه هو أيضا من الجانب الجبائي، مضيفا بأنه يعمل حسب مقتضيات السوق وقائلا : "عملنا بالفواتير، فنافسنا التجار الغير مفوترين، وكان الخيار أن نواكبهم أو أن نغلق أبواب التجارة". فوارق الأسعار على مستوى تجار التجزئة سببها الموزعون ومن جانب آخر أفاد أحد تجار الجملة بمدينة الرويبة بأن العديد من الموزعين الذين يفترض بهم أن يتعاملوا مع تجار الجملة، أصبحوا يتوجهون مباشرة للتعامل مع تجار التجزئة، أو التعامل مع الطرفين في آن واحد. وهو ما يضمن لهم هوامش ربح أكبر يستطيعون من خلالها التعامل بليونة مع تجار التجزئة، و بالمقابل فإن هذه الممارسة تحرمنا من زبائننا من جهة، و من جهة أخرى فإنها تخلق فوارق في الأسعار على مستوى تجار التجزئة، لأن هامش الربح عند التاجر الذي يتعامل مباشرة مع الموزع سيكون بطبيعة الحال أكبر منه عند التجار الذين يتعاملون مع بائعي الجملة. لأن بائع الجملة في هذه الحالة لا يمكنه اقتراح أسعار تنافسية مقابل الأسعار التي يقترحها الموزعون.