أفاد النقيب السابق للصحفيين التونسيين ناجي البغوري، الذي أقيل من منصبه ب''القوة'' بسبب موقفه من ترشيح الرئيس السابق زين العابدين بن علي لرئاسيات 2009، أن سياسة الغلق الإعلامي التي كرسها بن علي ''سرّعت بإسقاطه''، وبرأي البغوري في حديث مع ''الخبر'' فإن أحداث تونس: ''يجب أن تعطي درسا بأن سياسات الغلق تؤدي حتما إلى ردود فعل ضد فارضها''. يتابع محللون للأحداث الأخيرة في تونس، قصور الأداء الإعلامي في البلاد بقبضة من الرئيس المخلوع بن علي، إلى أي حد ساهمت تلك السياسة في تأجيج الغضب ورحيل الرئيس في النهاية؟ لا يوجد أدنى شك أن سياسة الرئيس المخلوع في الغلق الإعلامي كانت نقمة عليه في النهاية، فوسائل الإعلام الرسمية فقدت مصداقيتها على مدار السنين بحكم مجاراتها لخطاب النظام البعيد عن الشارع، لذلك فإن تدحرج الأحداث أوصل تونس في الفترة الأخيرة فارغة من أي سياسة إعلامية ولم تتمكن وسائل الإعلام الرسمية من مخاطبة الشارع، وبقي المجال مفتوحا أمام المواقع الإلكترونية التي حولت جميع التونسيين إلى صحفيين ينقلون ما يخفيه الإعلام الرسمي، وأوصل كل ذلك إلى سقوط سريع لنظام الدكتاتور الهارب. هل يمكن سحب هذه التجربة الإعلامية على سياسات أخرى تطبق في داخل دول عربية تتسم بالغلق والتعتيم الإعلامي؟ كان واضحا أن الغلق الإعلامي أدى إلى انفجار يستحيل التحكم فيه، والتجربة التونسية الأخيرة يجب أن تعطي دروسا للأنظمة الشمولية التي تفرض إلى اليوم هيمنتها على وسائل الإعلام، فنظام بن علي أهان الصحافة الحرة وضرب وشرد الصحفيين الذين يحملون القلم الحر، ما أفقد الخطاب الإعلامي الرسمي أدنى مصداقية. هل كان لوسائل الإعلام الأجنبية دور ما في تسريع وتيرة الأحداث بتبنيها لحادثة البوعزيزي من البداية؟ لو نأخذ مثلا الصحافة الفرنسية نجد أنها جاءت متأخرة جدا في التعاطي مع الأحداث، في حين مثلا نجد أن قنوات عربية تابعت الحدث من البداية، لكنها لم تكن سببا في تطور الأحداث، والإعلامي الرئيسي الذي قاد التغيير هو الشعب التونسي الذي حمل القضية على شبكة الأنترنت. هل نتوقع تغيرا في المشهد الإعلامي التونسي بعد رحيل بن علي.. وهل نتوقع إعادة انتخابات نقابة الصحفيين؟ شخصيا لا أزال حذرا لأن بن علي رحل لكن ما زال حزبه حاضرا وقائما على أيدي عصابات، أي أن النظام لم ينته وكثير من الأطراف نلاحظ اليوم أنها تريد الاستفادة، أما عن الانقلاب الذي وقع على نقابة الصحفيين فالجميع يعرف أنها بسبب موقفها الرافض لترشيح بن علي في رئاسيات 2009 وسننظم مؤتمر في القريب العاجل، لأن جميع الصحافيين الأحرار ملتفون حول نقابتهم الشرعية. سقوط ''جملوكية ''تونس لم ينفعه مال أو جاه.. ولا حلفاء. كادت طائرته ''تلتهم'' وقودها في السماء بحثا عن خيمة يلجأ إليها رئيس ''جملوكية'' تونس، الهارب من غضب شعبه. لم تنفعه صداقاته، ولا خدماته. رفض ضيافته ''ساركو''، لأنه رئيس جمهورية. ويقال إنه لم يعثر على مأوى غير بيت في المملكة. ولعله يخرج من جدة قاصدا مكة، لتطهير نفسه من دماء شهداء الثورة الخضراء. حاول بن علي الدفاع عن حصونه. أقال وغيّر وجوها. ووعد بحلول، كان يظنها كافية لتؤدي سحرها. لكن الدماء التي سالت، منذ عملية احتجاج محمد البوعزيزي، نقلت مطالب الشعب إلى مستوى تحدي النظام ذاته. ومثل إمبراطور إيران، لم يجد ملك قرطاج من وسيلة إلا الهروب. بعدما ''.. بكي على ملك لم يحفظه كالرجال''. حاول بن علي تحميل المشاغبين ما لا يتحمّلوه. تارة بتهم التطرف، ومرة باسم الإرهاب، أو السرقة، ومرة بأنهم دميات تحركها أطراف تكره تونس. ولم يوفق في إقناع حتى نفسه بصحة المعلومات التي كان يقدمها لشعبه. تباكى على سمعة تونس والتونسيين، وكأنه لم يعمل على جعل بلده منتجعا للأصدقاء ومصدر ثروة لهم، أما التونسيون فقد كانوا الخدم. ونجد في قاموس بن علي ما نجده من مفردات تستعملها خطب أنظمة عربية مماثلة. أو أنظمة إفريقية، يسعى أفرادها للخلود. إن عالم العرب غريب. رؤساء أو ملوك، لا يوجد ما يفرق بينهم. كما لا يوجد ما يفرق بين من يأتي إلى الحكم محمّلا على دبابة، أو ممتطيا صناديق انتخابية. ممالك وجمهوريات مملوكة (جملوكيات) تتآكل تحت ثقل عدم الرضا. والدرس التونسي أن تغيير النظام لا يتحقق فقط ب''فرار'' بن علي. وكأنهم استخلصوا دروسا من تجارب عربية أخرى، حيث استبق النظام الغاضبين، رافعا لواء التغيير والإصلاح، ليتلاعب بها، ويدجنها كما يشاء. مستعملا اللجان والتقارير واللقاءات والندوات.. وما كان ستقبل به بعض المعارضة التونسية، التي أبدت تجاوبا مع إصلاحات بن علي المعلن عنها في آخر خطاب له، رفضه الشارع، الذي واصل تحديه لبقايا النظام. فتونس تريد التغيير. وهي تصنعه فعلا. تونس لا تريد الخلط بين القديم والجديد. لأنها وصلت إلى ذروة عدم ملاءمة القديم مع الجديد. والرصاص الذي ''أكل'' حياة مواطنين، وعمليات التوقيف والتعذيب، أدت إلى التصعيد، ثم إلى المطالبة بإزالة السيف الذي كان مسلطا على رقاب التونسيين. لقد رفض بن علي التغيير، فأقصاه الشارع. فهم ملك قرطاج متأخرا، بأنه حاصر نفسه وعزلها عن شعبه. عبد الحكيم بلبطي